مجموعة "وحوش مركّبة" للمتوكل طه بانوراما للهمّ الفلسطيني

بقلم: رائد محمد الحوّاري

المتوكل طه
  • بقلم : رائد محمد الحوّاري

***

مجموعة قصصة تتنوع مواضيعها بين الهم الاجتماعي والوطني، كما أن لغتها بسيطة وسهلة، وبما أن المجموعة تتكون من واحد وثلاثين قصة، فإن هذا التنوع سهل على المتلقي قراءتها، واللافت أن هناك قصة طويلة "رسائل أمينة" والتي تحدث فيها القاص عن "أمينة قارئة الرسائل، فرغم أن كل رسالة تتحدث عن حالة خاصة/منفصلة، إلا أن الجامع بينها هو أمينة والمكان الذي صدرت منه، الكويت/فلسطين وكذلك هموم المرأة التي تعيش في ظل مجتمع ذكوري بامتياز، فالعديد من القصص/الرسائل كانت متعلقة بمظلومية المرأة وقسوة المجتمع/الرجل عليها، وكيف أنها كان ينظر إليها على أنها مجرد حاضنة/مفرخة للأولاد، وبما أن من نقل لنا هذه الرسائل هي أمينة/أنثى فقد كان انحياز الرسائل للمرأة وهمومها متناغم مع مواضيعها، فقصة "يسرى العثمان" تبين حال المرأة في الريف وكيف أن سطوة المجتمع/(الحماة) وظلمها دفع "بيسرى" لتنتقم من زوجها الذي تركها (خادمة) عند أمه بينما هو تزوج من أخرى في الكويت، مما دفع "يسرى" لتنتقم منه ومن أسرته، من خلال ممارسة الجنس مع اشقاءه، ورغم النهاية القاسية التي انتهت إليها: "وما كادت تتعرى له حتى هوى بالساطور على رأسها واستيقضت القرية على الفضيحة المصوحى" ص62، إلا أن فكرة تمرد المرأة وانتقامها كانت تمثل الرد المنطقي على ما تتعرض له من أذية اجتماعية تطال نفسيتها وجسدها وكيانها.

وهناك قصة "تماثل القائد" والتي قدمت بشكل فانتازيا، تتحدث عن تمرد التمثال على ما يتعرض له من إهمال واذية: "...الكلاب تربض حول التمثال، أو أن بعضها يرفع رجله ويبلل ما حوله" ص97، مما دفعه إلى: أنزال يده وأسبلها على جانبه، ولم يعد يرفع شارة النصر" ص97، ويتم رفع وتيرة تمرد التمثال أكثر من خلال: "بدأ يمد يده إلى سحاب بنطاله، ويخرج عضوه الذكري، ويدفعه إلى الخارج ...كلما رأى امرأة تعبر بجانبه...التمثال يبكي أحيانا، ويقهقه، ثم يلطم ويبصق على وجوه المارة" ص98، فالهوة بين حال المجتمع وتمثال القائد، تتماثل مع الواقع، فرمزية التمثال تأخذنا إلى المُثل/الأخلاق/القيم الاجتماعية والوطنية والقومية التي تربى عليها المجتمع، لكن ابتعادهم عنها جعل/ها تتمرد على إهمالها وتركها في عزلة، من هنا وجدنا/ها ترد على الإهمال خلال قيام التمثال بأعمال رديئة تتناسب وحال المجتمع.

وهناك قصة "الوريث" والتي قدمت على شكل (حكاية شعبية) تعد من القصص اللافتة في المجموعة، وذلك للسلاسة التي قدمت فيها، ولأنها تحمل العبرة لكن (طماع) يريد أن ينفرد بالورثة/بالخير دون غيره، فانتهت الأسرة من الوجود بعد أن اكتشفت أن الساحر قد مارس الجنس مع كل نساء العائلة في القصر وحملن منه بأولاد يحملون عيون زرقاء، وهذه القصة أيضا يمكننا أخذها إلى الرمز، وكيف أن الاستعانة بالغرباء ستكون نتائجة كارثية، وهذا ما حدث مع العرب منذ أن تعاونوا من الانجليز والفرنسيين في الحرب العالمية الأولى، وما حل بهم بعدها، ووصولا ألى ثورات الربيع العربي الكارثية.

القاص كأي فلسطيني لا بد أن يتناول مشاكل الفلسطيني إن كانت في فلسطين مع الاحتلال أو خارجها، ففي قصة "أولاد عمي صابر" تتحدث عن مشكلة الأسرة الفلسطينية التي يحمل كل واحد منها جواز سفر مختلف عن الآخر، مما يجعلهم عرضة للتحقيق والتوقيف وتأخير سفرهم وحتى تأجيله.

وفي قصة "الله يسامحك يافاطمة" يتحدث فيها "أبي سفيان/ياسر" الفلسطيني المقاوم منذ النكبة، والذي "اصيب برأسه فقد ذاكرته تماما" ص 169، يتم اعتقاله وإهمال حالته الصحية ويحكم بفترة طولة، إلى أن يتم تحويله "إلى المشفى المدني الأمراض العقلية في بلدته رأس العين جنوب قليقيلة، وهناك يتعرف عليه "يوسف" ابن شقيقه أحمد، من خلال الصورة التي في منزلهم والتي تجمع أباه مع عمه، يستطيع يوسف مع مجموعة من المحامين أن يثبتوا أنه هذا الشخص هو عمه أبو سفيان، ويتم اخراجه من المشفى، لكن أسرة "أبو سفيان" كانت قد لجأت إلى مخيم الوحدات في عمان، وهذا استدعى أن يسافر إل هناك ليلتقي بزوجته وعائلته، وهناك تعود له ذاكرته لينتهي القصة بنهاية سعيدة بالنسبة لأبي سفيان وأسرته: " أين ذهبت وتركتني وحدي؟ الله يسامحك يا فاطمة" صص173، لكنها نهاية غير مكتملة السعادة، حيث فقد الوطن وهجرت الأسرة وتشتت.

وفي قصة "صورة الرجل" يتناول القاص علاقة الأب بأبنه بعد الاعتراف، وكيف أن الأب يتخلى عن ابنه رغم أنهما يقبعان في نفس السجن ويرفض حتى الحديث معه: "هذا ليس أبني، لو كان من صلبي لما اعترف" ص186، مما جعل الأبن "إبراهيم" يشعر بحجم الأذى الذي سببه لوالده، فيصاب بحالة نفسية تؤدي إلى موته، وهنا يتعرض الأب لما تعرض له الأبن، فلم يعد يكلم أحدا، حتى بعد خروجه من السجن: "امتنع عن الكلام ومخالطة الناس، وسرح بعيدا عن البلدة بين الجبال" ص188، ففي هذه القصة نجد حجم الأذى الذي يقع على كاهل الفلسطيني، وكيف أن المناضل لا يدفع ثمن نضاله من خلال السجن والتعذيب فقط، بل أيضا من خلال اسرته/عائلته، ومن خلال نفسه هو، فعندما هام "أبو سند" في الجبال شريدا، كان يريد التكفير عما بدر منه من (قسوة) تجاه ابنه، وتجاه نفسه، لهذا علم أنه كان من المفترض أن (يغفر) لابنه الزلة التي وقع فيها، بعد أن تم تعديبه باغتصاب شقيقته أمامه.

المجموعة من منشورات دار طباق للنشر والتوزيع، رام الله، فلسطين، الطبعة الأولى2018

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت