الدور الإعلامي للعاملين مع الشباب

بقلم: مازن صافي

رياض ناصر الفريجي
  • نقله د.مازن صافي

 

من الأهمية بمكان أن يفهم الشباب منافع ومخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، وفي هذا المقال الذي كتبه م. رياض ناصر الفريجي- باحث دكتوراه في التخطيط الاستراتيجي لمؤسسات الإنتاج الإعلامي، بالمملكة العربية السعودية، يوجه بوصلة مقاله الى العاملين مع الشباب، بحيث أن رسالته تؤكد على ان العاملين مع الشباب يجب أن يكونوا أكثر وعياً بالقضايا المحيطة بالتواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي و المزالق الأساسية للاتصال الرقمي. ووجدت أهمية نشر المقال لأنني وجدت فيه ما يحتاج الجميع إلى إدراكه ، وخاصة الشباب ، والعاملين معهم.

 توطئة:

اتفقت معظم الاتجاهات المعاصرة في العلوم الاجتماعية والإنسانية حول أهمية الشباب بما تمثله من قوة ودعامة تعتمد عليها المجتمعات في رسم سياساتها التنموية الشاملة، إذ تعد فئة الشباب من بين أهم الفئات الفاعلة في المجتمع كونها تشكّل المحور الذي تعتمد عليه صيرورة التنمية والإصلاح والتحديث، فلا يمكن لأي مجتمع المضي والتطور دون النظر إليها والاستفادة من قدراتها وطاقاتها المتدفقة دائماً، لذا فإن منظومة العمل مع هذه الفئة الهامة ورعايتها وفهم احتياجاتها وإتاحة الفرص أمامها لرسم حاضر ومستقبل المجتمعات وتحقيق نهضتها تتطلب تضافر المزيد من الجهود وتكاتف العديد من الهيئات والأنظمة ولا سيما الأنظمة الإعلامية.

فلا يمكن أن تتجسّد هذه الأمور من دون مساندة الإعلام بوسائله المختلفة، والتي باتت هي الأخرى تلعب دوراً رئيسياً في تغيير حياة الشباب ومسار المجتمعات، إذ لم يعد خافياً على أحد في عصرنا هذا ما صارت إليه حال وسائل الإعلام من حداثة وتقدم وفعالية، بعدما أضحت وسائل الإعلام بشقيها التقليدي والإلكتروني نوافذ متعددة تجاوزت فيه حدودها المحلية والإقليمية، وامتد تأثيرها ليشمل شؤون الفرد والمجتمع، ولعل فئة الشباب أكثر الفئات تأثراً بها، كونهم الفئة الأكثر استخداماً لها وتأثراً بها، فأصبح الإعلام أحد أهم الأدوات الفاعلة في بناء قناعات الشباب، وتوجهاتهم، ومعتقداتهم، ونقل آرائهم، وانطباعاتهم عما يدور حولهم من أحداث وفعاليات ووقائع.

كما أن الواقع الاتصالي الحديث في المجتمعات كافة، يفرض على العاملين مع الشباب أدواراً إعلامية كبيرة، ويوقع على عاتقهم مهام اتصالية جسيمة، مما يستلزم وضع خطط اتصالية ورسم سياسات إعلامية يمكن أن تساعدهم في تنفيذ مهامهم بحرفية والقيام بواجباتهم بمهنية وتأدية وظائفهم بفاعلية في منظومة العمل مع هذه الفئة الهامة – الشباب – من فئات المجتمع، ولاسيما في ظل البيئة الإعلامية الجديدة التي تفتح نوافذها دون حاجز أو عائق أمام ملايين الشباب … ومن هنا تأتي أهمية هذا المقال الذي تم تقسيمه إلى المحاور التالية:

  • الإعلام ومنظومة العمل مع الشباب.
  • التخطيط الإعلامي لإنجاح العمل مع الشباب.
  • الأدوات الإعلامية الجديدة ومنظومة العمل مع الشباب.
  • الأدوار الإعلامية المنوطة بالعاملين مع الشباب.

أولاً: الإعلام ومنظومة العمل مع الشباب:

بادئ ذي بدء يجدر بنا أن نشير إلى أن مفهوم العمل مع الشباب يكتسب أهمية متزايدة يوماً بعد يوم، وبخاصة بعدما بات واحداً من المفاهيم الجوهرية في المجتمعات الحيوية، التي تسعى للنهوض وتحقيق التقدم والالتحاق بركب التنمية، إذ يعد أهم الوسائل المستخدمة للمشاركة في النهوض بمكانة المجتمعات في عصرنا الحالي.

ويعد العمل مع الشباب واحداً من الاتجاهات الرئيسية التي بدأت تشق طريقها في كافة المجتمعات المتقدمة منها والنامية، والتي تستهدف صقل الشخصية الشبابية، وإكسابها المهارات، والخبرات العلمية والعملية، وتأهيلها التأهيل المطلوب لضمان تكيّفها السليم مع المستجدات الهائلة في مختلف المجالات خلال العقدين الأخيرين، واللذين شهدا تطورات علمية وتقنية هائلة نتيجة لثورة الاتصالات والإنترنت والتكنولوجيا الرقمية، فضلاً عن دخول العالم في مرحلة العولمة كمنظومة ثقافية وسياسية واقتصادية واجتماعية وإعلامية، تؤثر على منظومة العمل مع الشباب تأثيراً كبيراً، ولا سيما بعدما اجتاحت كافة مناحي الحياة.

فأصبح الإعلام اللاعب الفاعل في عملية بناء شخصية الشباب وتنمية أدوارهم في المجتمع، والذي يقود دفته ويمثل بوصلة توجيه مستقبله، وبات مسار اهتمام ومتابعة بل وملاحقة من معظم شرائح المجتمع وبخاصة الشباب والجهات العاملة معهم، باعتباره أكثر الفئات أو الشرائح إقبالا عليهاً، فالإعلام بوسائله المختلفة لم يعد يلعب فقط دور الناقل الوسيط، بل بدأ يمارس أدوراً أخرى في منظومة العمل مع الشباب لعل أبرزها يتجسد في إكساب الشباب المعلومات والخبرات والقيم الجديدة والتعبير عنها وبلورتها في نماذج وقوالب ومواد إعلامية مستحدثة.

وباتت منظومة العمل مع الشباب اليوم بأمس الحاجة إلى وسائل إعلام تساندها وتساعد العاملين بها على تنمية شخصية الشباب ثقافياً، وفكرياً وعلمياً واجتماعياً لعلّهم ينهضون بمجتمعاتهم إلى عوالم الرقي والحضارة والتقدم، إذ يمكن للشباب أن يشكلوا قوة إيجابية لدفع عجلة التنمية عند تزويدهم بالمعرفة والفرص التي يحتاجون إليها، ولن يتّأتى ذلك إلا من خلال منظومة عمل واضحة المعالم محددة الأهداف مدعومة بمنظومة إعلامية تساند استراتيجياتها بالشكل الذي يكسب الشباب المهارات اللازمة للمساهمة في تحقيق رفاهية المجتمع وتنميته.

ولم يعد التأثير الإعلامي يقتصر على المستوى الفردي فحسب، بل يزداد تأثيره أيضاً على المستوى المجتمعي، وعظم اعتماد المجتمعات قاطبة على وسائل الإعلام بتقنياتها وابتكاراتها، فلا يوجد مجتمع من المجتمعات أو جهة من الجهات، إلا وتربطها علاقات وطيدة، تعتمد على التبادل بوسائل الإعلام، حتى أصبحت تلك العلاقة من الأمور المسّلم بها، مع اعترافنا بتعقيداتها، بسبب اختلاف طبيعة المجتمعات من حيث الفلسفة والإيديولوجية، وبسبب التغيرات المتسارعة والمتلاحقة التي طرأت على وسائل الإعلام وتكنولوجياتها، فضلاً عن تداخل المتغيرات التي تحكم هذه العلاقة وتنوعها بين متغيرات اقتصادية واجتماعية وغير ذلك، فالإعلام دائماً وأبداً يقف جنباً إلى جنب ،كتفاً بكتف مع كافة المؤسسات والهيئات التي تعمل في مجال تنمية مهارات أفراد المجتمع وتعزيز قدراتهم ولا سيما الشباب.

كما أن وسائل الإعلام التقليدية والحديثة تعد من أقدر الوسائل التي يمكنها أن تصل إلى كافة فئات الجمهور بسهولة ويسر، متخطية حاجزي الزمان والمكان، لذا ستكون رسالتها الإعلامية التي تستهدف الشباب أكثر فاعلية وتأثيراً، وبخاصة تلك الرسائل الهادفة، والمخطط لها بحرفية ودقة، والتي يمكـن أن تُـسهم بشكل مباشر ودقيق فـي تنمية البنـاء الفكـري الـسليم للشباب وتنميـة القـيم الاجتماعيـة الإيجابية لديه.

والجدير بالذكر أيضاً أن المـادة الإعلامية الموجهـة للـشباب أصـبحت من أخطـر الـصناعات الإعلامية في العصر الحالي، حيث تظهر أهمية الإعلام في صقل المجتمعات وبناء شخصية شبابها وتكوينها إيجاباً أو سلباً، ومن هنا تبدو وثاقة العلاقة بين الإعلام ومنظومة العمل مع الشباب؛ لأن الإعلام ليس مجرد ناقل محايد، بل إنه يؤثر ويتأثر في ظل سياق تساهم الأحداث المهمة في دفعه للأمام لأجل الاستجابة للمتغيرات بمرونة تامة.

وعبر العصور الزمنية نلاحظ أن العلاقة بين الإعلام ومجالات العمل التنموي وبخاصة العمل مع الشباب علاقة وثيقة، حتى أخذ الترابط يتعاظم بينهما بعد التطور العلمي والتقني والمعلوماتي، وأضحى الإعلام الوعاء المناسب لحمل الرسالة التنموية في مختلف المجتمعات، إن لم يكن كلاهما (الإعلام والعمل التنموي) قد أسهما بحمل رسالة إنسانية مشتركة، يصعب الفصل بينهما، فالارتباط الوثيق قائم بين التنمية بمفهومها الواسع الذي قد يستوعب الحياة كلها وليس تنمية مهارات الشباب وتعزيز قدراتهم، وبين الإعلام بوصفه حلقة الوصل بين المجتمع وبين مختلف فئاته بالداخل والخارج، فالإعلام بوسائله وآلياته المعروفة يشكل القناة التي تغذي الشباب والمجتمع بالمزيد من النتاجات الإيجابية، ولكن إذا ما أحسن استغلاله والتخطيط له بالشكل الأمثل لتحقيق تلك الأهداف والغايات، وهذا ما سيدفعنا للانتقال للمحور الثاني من محاور هذا المقال.

 

ثانياً: التخطيط الإعلامي لإنجاح العمل مع الشباب:

إن وسائل الإعلام أصبحت نقطة تلاقي للأفكار والتبادل الثقافي والمعرفي بين الشباب، فامتدت جسور الحوار وتبادل المعلومات بينه وبين الثقافات الأخرى، وظهرت لأول مرة نوافذ إعلامية عالمية، توحّد الفروق، وتخترق الحدود، كما أصبحت تكنولوجيا الاتصال الحديثة جزءاً لا يتجزأ من حياة الشباب في مختلف المجتمعات، إذ يرى بعض العلماء والمختصين أن جنوح الشاب من الجوّ الأسري والمجتمعي التقليدي نحو وسائل الإعلام التقليدية، وفضاءات العولمة، ووسائط الاتصال الحديثة، والتقنيات الرقمية الجديدة، له علاقة مباشرة ببنيوية سلوكهم الاجتماعي المستقبلي، ويعد أيضاً معياراً واضحاً ومحوراً مهماً لضبط أداء العاملين في منظومة العمل مع الشباب.

ومن هنا تأتي أهمية التخطيط الإعلامي لإنجاح منظومة العمل مع الشباب، والتي تتميز بقدر من الثبات النسبي عبر تاريخ طويل وممتد، حتى انفجرت الثورة الإعلامية الحديثة، وما نجم عنها من سيولة وتشظي للأفكار والثوابت الفكرية التي تحكم طبيعة العمل مع الشباب.

فمجال العمل مع الشباب ورعايتهم يعد إحدى مجالات مهنة الخدمة الاجتماعية التي تسعى إلى مساعدة الشباب على إشباع احتياجاتهم وتعديل اتجاهاتهم السلبية ودعم قيمهم الاجتماعية ومواجهة مشكلاتهم الشخصية من خلال آليات فنية تستند على قواعد علمية، تساهم بشكل صريح ومباشر في توفير الإمكانيات وتوجيه طاقات الشباب ورعايتها، من خلال تقديم خدماتها العلاجية والتثقيفية والوقائية والإنمائية بمختلف السبل والآليات والوسائل، وعلى الرأس منها بالطبع الآلة الإعلامية التي يمكن للعاملين مع الشاب من خلالها التعرف على اهتمامات الشباب ومعرفة احتياجاتهم الأساسية والعمل على تلبيتها أو أخذها بعين الاعتبار لدى صياغة الخطط والبرامج؛ باعتبارها متطلبات ضرورية يجب إدراكها من قبل المعنيين، ومن ثم فإن ثنائية التخطيط الإعلامي ومنظومة العمل مع الشباب أضحت جد خطيرة، إذ لم يعد بمقدور العاملين مع الشباب التشريق والابتعاد عن تلك الوسائل، فقد بات العاملون مع الشباب بحاجة ملحة لتوظيف وسائل الإعلام المختلفة في خدمة أغراضهم وتحقيق غاياتهم ومعرفة استعداداتهم وانخراطهم في العمل مع الشباب بمختلف أنشطته وممارساته الاجتماعية أو التنموية.

فالتخطيط الإعلامي هو بوصلة تحديد الاتجاه المرغوب والمرسوم، لإنجاح الأعمال وتسويق الإنجازات في منظومة العمل مع الشباب، كما أنه الدليل نحو المستقبل، وصولاً إلى الأهداف المطلوبة، والتخطيط بمفهومه العام هو عبارة عن تحديد لمجموعة من الأهداف المتناسقة التي يـراد تحقيقها وفق أولويات معينة وخلال فترة زمنية محددة مع اختيار لمجموعة الوسائل والإجراءات اللازمة لتحويل هذه الأهداف إلى واقع.

كما يمكن القول أن التخطيط الإعلامي في منظومة العمل مع الشباب يعد بمثابة عملية عقلية للمواءمة بين الموارد والاحتياجات، واختيار أفضل مسار إعلامي بين المسارات البديلة والمتاحة، ووضع ذلك في شكل خطة واستراتيجية واضحة لإشباع رغباتهم وتحقيق أهداف وغايات محددة، إذ أن معظم العاملين مع الشباب الناجحين من مؤسسات أو أفراد هم الذين يعترفون بأهمية التخطيط في ممارساتهم الإعلامية لكونه يمكنهم من بناء استراتيجيات اتصالية فعالة، تساهم في تحقيق أهدافها خلال فترة محددة، بالإمكانات المتاحة وبالفاعلية المطلوبة، لإحراز النجاحات المتوقعة، والتي تتمثل في العمل مع الشباب في اشباع احتياجاتهم وتحقيق رغباتهم.

وعلى الرغم من أن مفهوم الحاجات يعد مفهوماً نسبياً قد يختلف من مجتمع إلى آخر تبعاً لطبيعة وخصوصيات المجتمع، ومستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي، إلا أن المتخصصين في العمل مع الشباب اتفقوا على جملة الحاجات التالية، باعتبارها حاجات عامة تنطبق على جميع فئات الشباب وهي:

  • الحاجة إلى تقبل الشباب ونموه العقلي والجسمي، حيث يسعى الشاب دائماً لإدراك ما يدور حوله.
  • الحاجة إلى توزيع طاقاته في نشاط يميل إليه، وخصوصاً أن الشباب لديه طاقات هائلة وعدم تفريغها في أنشطة بناءة يزيد من حالة الاضطراب والملل والتوتر لديه.
  • الحاجة إلى تحقيق الذات، بما يعنيه من اختيار حر وواعٍ لدوره ومشاركته المجتمعية وشعوره بالانتماء لفكره، أو مجموعة اجتماعية لها أهداف عامة.
  • الحاجة إلى الرعاية الصحية والنفسية الأولية، والتي من شأنها أن تجعل من نموه نمواً متوازناً وإلى عطائه ثقافة صحية عامة تمكنه من فهم التغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة كمرحلة حرجة.
  • الحاجة إلى المعرفة والتعليم، لما لهما من دور مفتاحي وأساسي في حياة الفرد، ولكونها توسع الآفاق والمدارك العقلية، وهو حق مكتسب وضروري مثل الماء الهواء.
  • الحاجة إلى الاستقلال في إطار الأسرة كمقدمة لبناء شخصيته المستقلة، وتأهيله لأخذ قراراته المصيرية في الحياة والعمل والانتماء، بطرق طوعية، بعيداً عن التدخل.
  • تلبية الحاجات الاقتصادية الأساسية من مأكل ومشرب وملبس ومسكن، والتي بدونها سيصبح الشاب للأسف مشرداً أو متسولاً.
  • الحاجة إلى الترفيه والترويح؛ فحياة الشباب ليست كلها عمل ونشاط جدي، بل يحتاج الشباب إلى توفير أماكن للترويح ومراكز ترفيهية ثقافية.
  • الحاجة إلى ثقافة جنسية، خصوصاً في بداية تفتح الشباب، ومعرفة المتغيرات الجسدية في مرحلة المراهقة، وتوفير حد أدنى من الثقافة الجنسية لتوفير حماية للشباب من الانحراف وتلقي ثقافة جنسيه مشوشة ومشوهة.
  • الحاجة إلى بناء الشخصية القيادية الشابة من خلال تنمية القدرات القيادية وصقلها للمواهب الواعدة.

 

وهذه العملية لا تتم بقرار إجرائي بقدر ما تحتاج إلى سياسات تربوية مدروسة وخطط إعلامية ممنهجة ومقرونة بخبرة عمل ميداني تعزّز ثقة الشباب القياديين بقدراتهم وتضعهم أمام مسؤولياتهم المستقبلية.

ولكي ينجح العاملون مع الشباب في تأدية عملهم بالشكل الأمثل والقيام بأدوارهم الإعلامية على الوجه الأكمل، عليهم بالتخطيط الإعلامي الذي يعد مرحلة أساسية من مراحل العمل الإعلامي الذي يمكن أن يسند إليهم، فهو يمثل مرحلة التفكير والتقدير والمفاضلة بين أساليب وطرق العمل لاختيار أفضلها وأكثرها ملاءمة مع الإمكانيات المتاحة من ناحية وطبيعة الأهداف المرغوب تحقيقها من ناحية أخرى، مع الأخذ في الحسبان كافة القيود التي تفرضها طبيعة العمل الإعلامي أو تفرضها متغيرات البيئة الإعلامية الجديدة التي تحيط به أثناء تأدية دوره الإعلامي، وهذا ما سيدفعنا للانتقال للمحور الثالث في هذا المقال.

 

ثالثاً: الأدوات الإعلامية الجديدة ومنظومة العمل مع الشباب:

لقد أضحى الإعلام الجديد بأدواته المتنوعة الفضاء الأكثر استقطاباً لشرائح كبيرة ومتنوعة من الأفراد والمجموعات عبر العالم ولا سيما الشباب، حيث ما فتأت الدراسات والأرقام الحديثة تكشف يوماً بعد يوم عن تزايد في أعداد المتصفحين والمشتركين والمتابعين لهذا النوع من الإعلام، بل وتؤكد الارتباط الوثيق بين متطلبات الشباب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والثقافية، وغيرها من ناحية، وبهذا الفضاء اللامتناهي من الناحية الأخرى.

ولأن الأدوات الإعلامية الجديدة غدت ملتصقة التصاقاً وثيقاً بحياة الأفراد والجماعات في كافة المجتمعات، وباتت المنصة الأساسية للحصول على المعلومات وتداولها، فإن هذه الميزة جعلت منها الوسيلة الأهم لنشر محددات العمل مع الشباب، إذ يعد الإعلام الجديد أحد نواتج التطور التقني الحديث، وواحداً من الأطر العامة التي من المفترض أن تساهم في تحديد السلوك الثقافي والاجتماعي للشباب في مختلف المجتمعات، باعتباره منبراً لتداول المعلومات وتبادل الثقافات والمعارف بين مستخدميه دون قيود زمنية أو مكانية.

كما يمكن أن يحدث تناغم ثقافي بين أفراد المجتمع، وتنامي الإحساس بالانتماء الجمعي وبخاصة بين فئة الشباب التي تمثل الفئة الأكثر استخداماً له واعتماداً على أدواته، بعدما ظهر كمصطلح واسع النطاق في الجزء الأخير من القرن العشرين، وساهم بشكل كبير في التغلب على عقبة الحيز الجغرافي والحدود السياسية بين الدول والمجتمعات الذي كان بمثابة المعوق الرئيسي لتبادل الثقافات والوصول إلى المعلومات ونشرها وتداولها، وهو ما ساعد على إحداث تغيير بنيوي كماً وكيفاً في نوعية وسائل الإعلام والاتصال العالمي، وبالتالي في نوعية تأثيرها وتفاعلها في كافة المجتمعات، لتحقيق أهداف معينة، تتجاوز الحدود الجغرافية وتتسم بالعالمية أو الكونية والتفاعلية والحركة والمرونة والمشاركة والانتشار وسقوط الحواجز الثقافية بين أطرافها.

ويمكن للأدوات الإعلامية الجديدة في عالم اليوم أن تقوم بمجموعة واسعة من الوظائف المميزة والمهام المتعددة، وذلك جنبًا إلى جنب الوسائل التقليدية/الكلاسيكية في منظومة العمل مع الشباب، فمن الوظائف التي تحققها للأفراد وبخاصة الشباب: التماس المعلومات ومراقبة البيئة المحيطة، وتحديد وبناء وتطوير فهمهم واتجاهاتهم وميولهم وتحقيق احتياجاتهم ورغباتهم، وتطوير مفاهيمهم عن ذاتهم، أي – فهم النفس- عبر:

  • استكشاف الواقع.
  • وعقد مجموعة من المقارنات والأضداد.
  • والإسهام في تجويد حياتهم العلمية والعملية والاجتماعية والدينية.
  • وتسهيل تفاعلهم مع المحيط الواقعي والافتراضي الذي يعيش فيه.
  • والهروب من الاغتراب والتوتر.
  • وتكوين طقوس يومية تمنحه الشعور بالأمن والنظام.

 

ومن ثم المحافظة على أمن المجتمع وثباته واستقراره وتحقيق التغيير الإيجابي والتنمية الاجتماعية المنشودة، كما أن الأدوات الإعلامية الجديدة تقوم بالعديد من الوظائف والأدوار الهامة الأخرى في منظومة العمل مع الشباب، شريطة أن يتم استخدامها بشكل إيجابي فاعل، وتوظيفها التوظيف الأمثل في تحقيق الأهداف العامة لها، والتي يأتي من بين أهمها:

  • يمكن لأدوات الإعلام الجديد توفير عدد متنوع من الخيارات الثقافية والمعلوماتية والمعرفية أمام العاملين مع الشباب، حيث أصبحت وسائل الإعلام الجديدة مصدراً رئيساً لتلقي المعلومات وتداول المعارف وتبادل الثقافات بكل أشكالها، ولنشر الفكر والإبداع والثقافة الشبابية.
  • كما يمكن لأدوات الإعلام الجديد أن تساهم في خلق نوع من التقارب الفكري والثقافي بين العاملين مع الشباب وبين الشباب أنفسهم من خلال النوافذ الاتصالية المتنوعة، فضلاً عن إمكانية التراسل الفوري للشباب من خلالها، والذي يؤدي إلى إنشاء مجموعات شبابية كثيرة للتبادل الثقافي والتداول المعلوماتي والمعرفي الفوري الفاعل، والذي يصب في صالح منظومة العمل مع الشباب.
  • كما أنه بإمكان أدوات الإعلام الجديد تعزيز الصالح العام في منظومة العمل مع الشباب، إذ يمكنها أن تولي اهتماماً أكبر بالقضايا الشبابية المثارة في المجتمع، بهدف خلق حالة من التفاعل والحوار المجتمعي حولها، بالشكل الذي يثري منظومة العمل مع الشباب بمختلف أبعادها ومحدداتها.
  • كما يمكنها أن تتيح المساحة الكافية للشباب والمتعاملين معهم للمشاركة الثقافية والمعرفية الفورية والتفاعل وبدون انتظار، بالإضافة إلى اسهاماتها الفاعلة في خلق الانتشار خارج الحدود المحلية، مما يحسّن إيقاع عمل المنظومة وتداول المعلومات وتبادل الثقافات والمعارف بداخلها والتحقق من صحتها بشكل سلسل مرن.

 

رابعاً: أهمية الأدوار الإعلامية المنوطة بالعاملين مع الشباب:

تنبع أهمية الأدوار الإعلامية المنوطة بالعاملين مع الشباب من ثنايا تأثير الإعلام البالغ نفسه في المجتمع، فهو يحتل الصدارة في مجال تزويد فئات الجماهير المختلفة بمصادر العلم والفكر والمعرفة، من خلال وسائله المتنوعة، الممتدة تاريخياً من الراديو حتى مواقع التواصل الاجتماعي، مروراً بالتلفاز والصحف والوسائل الحديثة وغيرها، ومن ثم نراه وقد استحق عن جدارة صفة السلطة الرابعة، لما له من أهمية وتأثير على كافة مكونات وشرائح المجتمع ولاسيما الشباب، وتتجسد تلك الأدوار في ترسيخ القيم والمبادئ السامية التي تساعد في رفعة المجتمع وتطوره ودفعه إلى الأمام باستغلال طاقات الشباب وقدراتهم اليافعة، فهو بحق الوسيلة الأهم لإحداث أي تغيير إيجابي في المجتمع، وترسيخ مبادئ التنمية البشرية ومكنوناتها، وهو ما يسعى له العاملون مع الشباب.

فالإعلام قادر على أن يحدث تحولاً جوهرياً في المجتمع، انطلاقاً من قدرته الفائقة على رسم مسارات الخريطة المعرفية والثقافية والنفسية للشباب، وتعميق الوعي الفردي لديهم لأهمية المجتمع والتعاون في بنائه وتنميته وصياغته طموحاته المستقبلية.

وفي واقع الأمر ومن منطلق الدور الحيوي الذي يمكن أن يلعبه الإعلام في مختلف المجتمعات، نجد أن هناك العديد من الأدوار الإعلامية التي ينبغي للعاملين مع الشباب القيام بها لتحقيق أهداف وغايات منظومة العمل مع الشباب، والتي يمكن أن تنطلق من إيمانهم الكامل بأن تغيير وتطوير المجتمعات يساهم فيه وبشكل كبير فئة الشباب وأخص الشباب بالذكر والتذكير، باعتبارهم أداة بناءة وفاعلة لتطوير مجتمعاتهم، كما أنهم هم أنفسهم هدف هذا التطوير وغايته.

ومن هذا المنطلق، ومن حقيقة هامة مفادها أن الأدوار الإعلامية للعاملين مع الشباب والتي أقصدها هنا هي الإطار العملي لتفعيل ونشر ثقافة العمل العام الذي يمثل فضاءاً رحباً أمام الشباب، والتي تشكل مجالاً مهماً لصقل مهاراتهم الإعلامية وبناء قدراتهم واستثمار أوقاتهم في تنفيذ الأفكار والمشاريع المجتمعية التي تعد وسيلة من وسائل النهوض بالمجتمع وتحقيق ريادته، يمكن القول أن هناك مجموعة من الفوائد المختلفة التي تعود على منظومة العمل مع الشباب نتيجة لإسناد أدوار إعلامية واضحة ومحددة ومخطط لها مسبقاً كما عرفنا آنفاً، يمكن إجمالها على النحو التالي:

  • يمكن أن تعزز الأدوار الإعلامية الخلاقة للعاملين مع الشباب من أدوراهم الأخرى عبر شراكتهم في تنشيط الوعي الاجتماعي والاقتصادي من خلال جلب الأفكار والمشاريع الإعلامية الريادية، التي يمكن أن تصقل مهارات الشباب وتزيد من خبراتهم العملية في مجال العمل مع الشباب.
  • كما أن الأدوار الإعلامية للعاملين مع الشباب يمكن أن تخلق فرصًا جديدة للأفكار والأعمال والمشروعات الإعلامية الواعدة، والتي من شأنها بناء قدرات الشباب المجتمعية، والاستفادة القصوى من الموارد البشرية والمادية على حد سواء، الأمر الذي يحقق المزيد من فرص التشغيل والاستفادة القصوى من طاقات الشباب.
  • وعن طريق تلك الأدوار الإعلامية يمكن للعاملين مع الشباب استجماع طاقات الشباب وتوحيدها نحو الأهداف والأولويات الوطنية والاجتماعية في كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع، وتوظيف هذه الطاقات بأفضل السبل نحو هذه الأهداف والأولويات.
  • كما يمكن لتلك الأدوار الإعلامية المنوطة بالعاملين مع الشباب في مختلف المجتمعات، أن تقلل من المظاهر السلبية لشخصية الشاب، كونها تلعب دورًا إيجابيًا في خلق المنافسة الفاعلة بينهم، فيشعر حينها الشاب بقيمته في مجتمعه، فيكون ذلك حافزًا له للمزيد من العطاء والتطور.
  • وعن طريق تلك الأدوار يمكن جذب الشباب نحو ساحة العمل العام والاهتمام بكافة مجالاته؛ نظراً لأهمية الشباب، والآمال المعلقة عليهم، فضلاً عن تعزيز المواطنة لدى الشباب من خلال بث الروح الوطنية وتعميق روح الانتماء لقضايا الوطن واحتياجاته والحفاظ على كينونته، والاستعداد للدفاع عنه في حالة تعرضه للخطر.
  • ومن خلال الأدوار الإعلامية التي ينبغي للعاملين مع الشباب القيام بها، يمكن إعادة بناء الذاكرة لدى جيل الشباب، بما يؤكد التواصل الثقافي والحضاري بين الأجيال، ومعرفة حقائق التاريخ وكل ما يتعلق بالقضايا الوطنية والتاريخية.
  • بالإضافة إلى أنه يمكن عن طريقها نشر المعرفة والثقافة لدى هذه الفئة – الشباب – والذي بات في عصرنا الراهن على درجة عالية من الأهمية، حيث ومن خلال هذه العملية يمكن تنمية المعلومات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لدى الشباب، وتعريفهم بأهم المشكلات الإنسانية المحلية والإقليمية والعالمية.
  • وأخيراً، نجد أن تلك الأدوار الإعلامية للعاملين مع الشباب قد تدفع العديد من الأفراد والمؤسسات الأخرى العاملة في منظومة العمل مع الشباب نحو المزيد من التقدم نحو تلبية متطلباتهم واشباع رغباتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية، والتي تحتاج دائمًا إلى مواكبة أهم وأحدث التغيرات في الكثير من المجالات التكنولوجية والتقنية والاقتصادية، الأمر الذي يزيد من خبراتهم الناتجة عن التنوع الدائم في هذه المجالات.

 

وختاماً نجد أن الهدف العام ينصب على تمكين العاملين مع الشباب أفراداً ومجموعات من خلال وسائل الإعلام ووسائطه المتنوعة، من أجل التدخل والتأثير في عمليات تنمية قدرات الشباب والأخذ بأيديهم نحو الأفضل في مجتمعاتهم وعالمهم المحيط بهم، وهذا ما يتطلب منهم القيام بأدوار إعلامية تساهم في تدعيم شعورهم بالانتماء لمنظومة العمل التي يقومون به وقيمة العمل الذي يؤدونه في إطار هذه المنظومة، بالإضافة إلى تنمية مهاراتهم وتعزيز قدراتهم الإعلامية وترسيخ ثقافة العمل الإعلامي التطوعي في صفوفهم. (الفريجي، 2021)

المراجع

م.رياض بن ناصر الفريجي. (25 5, 2021). الدور الإعلامي للعاملين مع الشباب. https://shababm.com/mediaroleyouthworker

 

 

 

المصدر: قدس نت -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت