- أشرف أبوخصيوان "*"
عَمِل الاعلام الفلسطيني والعربي والدولي، على تغطية مُجريات العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، كما عَمل منذ انطلاق انتفاضة الشباب الفلسطيني الثائر في مدينة القدس على عتبات باب العمود مع بداية شهر رمضان، في تحدي لقرارات سلطات الاحتلال الاسرائيلي بمنع المقدسيين من الجلوس على تلك العتبات المقدسة، وصولاً إلى قرار المحاكم الاسرائيلية بفرض قوانين واجراءات تهجير أهالي منطقة الشيخ جراح، وصولاً إلى ساعة الصفر وانطلاق الطائرات الاسرائيلية نحو تدمير المباني في غزة وقتل الأطفال وتدمير المؤسسات والبنية التحتية، على افراد مساحة كبيرة لتغطية الأحداث وتبعاتها وتحليلاتها.
كُنت أعتقد أن قنوات التلفزة العربية والدولية قد تتبنى سياسة المهنية والتغطية الإخبارية من واقع الرأي والرأي الأخر، وإفراد مساحة لتغطية مجريات الأحداث، بالتساوي ما بين الضحية والجلاد، وهو ما اتسمت به العديد من القنوات الفضائية العربية والدولية في تغطيتها للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تحديداً.
ولكن في نظرة على المُختلف في العدوان الأخير على قطاع غزة، تجد أن تغطية قناة الغد الفضائية التي تبث من استوديوهات منتشرة في القاهرة ودبي ولندن، ولها طاقم عمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعمل على مدار الساعة في تغطية الأحداث في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
فقد اعتمدت قناة الغد الفضائية على تغطية مباشرة لكل الأحداث والمجريات على الساحة الفلسطينية، من خلال استخدام مراسليها لميزة الخطاب الشعبوي في التغذية الاخبارية سواء في نشرات الأخبار أو من خلال التغطية المباشرة، وهو العنصر الذي افتقده العديد من مراسلي القنوات الفضائية العربية، من خلال اعتمادهم على الصبغة الاخبارية الجافة في نقل مجريات الأحداث، ولكن ما تميز به مراسلي قناة الغد هو تحليل الخبر ومعلوماته، وتقديم وصف للصورة ووضع المواطن في قلب الحدث بطريقة ذكية يسهل على المشاهد معرفة ما يدور من حوله، وساهمت بشكل كبير في كشف الوجه الحقيقي للاحتلال ومدى الانتهاكات التي تعرض لها المواطن الفلسطيني في القطاع.
لقد كان واضحاً تقسيم العمل بين مراسلي قناة الغد في الميدان من خلال البث من عدة أماكن وتثبيت الكاميرات في عدة محاور، وتخصيص كل مراسل للحديث عن جانب محدد في خطابه الاعلامي، فقد كان ملاحظاً توزيع الأدوار بين المراسلين في الحديث عن الجانب السياسي والتهدئة، ومتابعة تطورات الوضع الميداني، وملاحقة القصص الانسانية والوضع الصحي وتبعات القصف الاسرائيلي على كافة المرافق المدنية، فقد اكتملت أبعاد الصورة على قناة الغد في شمولية التغطية الاخبارية المتكاملة، لترسم ملامح جديدة لشكل الصحافة الوطنية الفلسطينية التي تتبنى الرواية الفلسطينية فقط في تغطيتها الاخبارية، دون أن تعكس وجه نظر الاحتلال الاسرائيلي عبر شاشتها، وهذا بمثابة تعزيز للرواية الفلسطينية التي اكتسبت تعاطف وتضامن سكان الأرض مع القضية الفلسطينية ورفضاَ للعدوان الاسرائيلي على القطاع.
لقد عكست قناة الغد في تغطيتها للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة الصورة الحقيقية للمعاناة الانسانية ومدى الحقد والتغول الاسرائيلي على الإنسان الفلسطيني، وتبنت الرواية الفلسطينية في نقل الرسالة الاعلامية للمواطن العربي، وهنا طغت الأحداث السياسية على سياسة التحرير في قناة تلفزيونية عربية، تُعطى الشأن الفلسطيني اهتماماً وحيزاً في عملها، ولكنها تحولت بكامل طاقتها وقدراتها وامكانياتها تحت تصرف سياسة تحرير جديدة تخدم وقائع سياسية وتغطية لعدوان اسرائيلي غاشم على القطاع، بل أن سياسات التحرير في القنوات الفضائية تصنعها القرارات والتوجهات السياسية للدولة، ولكن ما عملت علية قناة الغد هو بعيداً عن سياسات التحرير المُعدة مسبقاً بل تطور في تبني القضية الفلسطينية ونصرتها بكل الوسائل المُمكنة.
اعتمدت قناة الغد في تغطيتها الاخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال البث المباشر على يوتيوب وتوصيل الرسائل عبر منصات الواتس أب وتليغرام والفيس بوك وتويتر، رغم ما تعرضت له من حظر ومضايقات، وتصنيف المحتوى الذي تبثه القناة على اليوتيوب بالغير ملتزم بمعايير النشر، إلا أنها نجحت في تغطية كافة الأحداث بتضمين فيديوهات قصيرة ومؤثرة تضم مجموعة من القصص القصيرة عن المعايشة اليومية للعدوان الاسرائيلي على القطاع.
نثرت الغارات الاسرائيلية المتتالية على قطاع غزة طوال 11 يوماً غُبار الموت على الشوارع والبيوت والمفترقات، وقد أُحيط مقر قناة الغد بمدينة غزة بتناثر شظايا الصواريخ والغبار عندما تم قصف مواقع مدنية قريبة من مقر القناة، إلا أن ذلك كان دافعاً جديداً أمام العاملين في القناة للاستمرار في تغطية الحرب ورصد العدوان بكامل تفاصيله على القطاع، رغم الأضرار التي لحقت بمقر القناة في غزة.
في السنوات الأربعة الماضية، أُغلقت أربع قنوات فضائية فلسطينية، كانت سياسة تحرير تلك القنوات تُعبر عن الصحافة الوطنية الحقيقية، في وقت بَقيت فيه قنوات فضائية فلسطينية قريب من السلطة الحاكمة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكن كانت تغطيتها للأخبار وفقاً لسياسة تحرير تخدم أطر سياسية الأحزاب والسلطة الحاكمة، وذلك ما قيد وصول أخبار تلك الفضائيات للجمهور، فقد عانت الصحافة الوطنية الفلسطينية من التدهور في سياسات التحرير نحو الانخراط في سياسات تخدم الأحزاب السياسية وتعبر عن وجهة نظرها.
- كاتب وباحث اعلامي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت