يلا نحكي: وسام الخليلي ... ورقيب الموت

بقلم: جهاد حرب

وسام الخليلي
  • جهاد حرب

وسام الخليلي شاب في السادس والثلاثين من العمر لديه طفلين لم يتجاوزا سن الثالثة، وهو موظف في وزارة الصحة، أصيب بورم "كتلة" في الدماغ، نصح من قبل الأطباء بإجراء عملية لاستئصال الورم في مجمع فلسطين الطبي التابع لوزارة الصحة. لكن حالته ساءت بعد إجراء العملية ما اضطر إلى تحويله لمشفى بلنسون في أراضي عام 1948 الذي قام بإجراء علاج تخصصي أوقف خطر الموت الذي يهدده، الأمر الذي استدعى إلى نقله لمشفى لعلاج وظيفي وتأهيلي متخصص لا يتوفر في المستشفيات الفلسطينية في الضفة الغربية بشهادة وزيرة الصحة وكبار موظفي وزارة الصحة وفقا لكتاب موقع منهم إلا أن دائرة التحويلات لم تقم بالإجراءات الواجبة بالتحويل للمشفى الجديد بحجج واهية كعدم وجود تعاقد مع المشفى، وإشاعة بأن المريض وسام في حالة موت سريري، وان اهل وسام مقتدرين كما كتب أحد موظفي دائرة التحويلات على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن العلاج متوفر في مستشفيات الضفة الغربية.

بغض النظر عن سبب تراجع حالته الصحية سواء كان ذلك التراجع ناجم عن خطأ طبي أو اهمالٍ أو مضاعفات للعملية - وهي أمور تحتاج إلى لجنة تحقيق طبية مهنية من أطباء مشهود لهم بالنزاهة، يتاح للعائلة بانتداب طبيب مختص إلى جانب نقابة الأطباء، تنظر في الإجراءات المتخذة من قبل الطواقم الطبية المتدخلة في الإجراء الطبي سواء قبل العملية أو بعدها وسرعة الاستجابة لمضاعفات الحالة أي النظر في العناية ببذل الجهد من قبل الأطراف والأشخاص وفقا للبروتوكولات الطبية في هذا الشأن- فإن علاج وسام بأشكاله وتفاصيله بأجود الخدمات تقع على عاتق وزارة الصحة المفوضة بالقانون عن الدولة بتقديم الخدمات الصحية للمواطنين.

على الرغم من أن قصة وسام طبية إلا أن لها أوجه إنسانية؛ فوسام لديه طفلين يحتاجان إلى أب مثل بقية أبناء جيلهم يقف معهم، يلعب معهم، يحضنهم ويكبرون بظله. وله أب متقاعد من وزارة الصحة قضى أربعون عاما طبيبا "حكيم" في خدمة المواطنين يمنحهم فرص للحياة تقويهم على مرضهم ليعودوا إلى أسرهم وأبنائهم وزوجاتهم وأمهاتهم وآبائهم لاستكمال مشوارهم في هذه الدنيا، وأم ممرضة خدمت المواطنين في وزارة الصحة ومن ثم في عيادات وكالة الغوث تساعد المرضى دون النظر إلى اسم ومكانة هذا المريض ومكان سكنه دون أن تفكر بأن قلبها سينفطر على بكرها.

وثانية تتعلق بطريقة اتخاذ القرار في وزارة الصحة "دائرة التحويلات" وكيفية التعامل مع الحالات المرضية والقدرة على الوصول للخدمات الطبية التخصصية غير المتوفرة في المشافي الحكومية، فقد خُلقت "أنشأت" دائرة التحويلات "شراء الخدمة" لتقديم العلاج الأفضل ومنح الأمل بفرصة للحياة ولم تخلق رقيبا للموت، فقصة وسام تفتح الجرح وتطلب من جهات الرقابة؛ كهيئة مكافحة الفساد وديوان الرقابة المالية والإدارية، النظر بعناية في جميع التحويلات التي خرجت من هذه الدائرة في السنوات الخمس الأخيرة على الأقل لضمان عدم وجود تصرفات أو تجاوزات ترقى لجرائم فساد كالمتاجرة في النفوذ أو إهمال أو الامتناع عن تحويل حالات مرضية تستحق أو منح تحويلات لحالات لا تستحق بهدف منع وجود فرص للفساد.

وثالثة قصة وسام الخليلي رسالة لنا جميعا، ولموظفي وزارة الصحة الحاليين تحديدا، بأننا لسنا آمنين على ابنائنا في هذه البلاد في حال حاجتهم لعلاج متخصص، وأننا سنشعر بالعجز كما تشعر والدة وسام الخليلي ووالده وأطفاله وزوجته واخواته واخوانه واحبته، عن حماية أحبتنا، واننا سنبقى خاضعين لأشخاص ومزاجات تنزع الثقة بالنظام بأكمله وليس فقط ضعف وقلة حيلة وزارة الصحة.

لا أعرف كيف يمكن القول لوالدي وسام الخليلي وهم يعجزون عن تقديم فرصة لابنهم مقارنة بفرص الحياة التي منحوها لأبناء غيرهم، وماذا نقول لهم في امتناع دائرة التحويلات في وزارة الصحة عن إتاحة فرصة للحياة لابنهم على الرغم من توقيع الوزيرة على كتاب التغطية. كما لا اعرف ماذا سيقول رئيس الحكومة ووزيرة الصحة وموظفو وزارة الصحة عن عجزهم أمام رقيب الموت وعدم قدرتهم على منحهم الأمل برؤية ابنهم يعود إلى البيت لرعاية أطفاله.

لا أعلم ماذا سيقولون لأطفاله عن امتناع الوزارة التي يعمل بها والدهم من تقديم سبل العناية لوالدهم ليرعاهم كبقية الأطفال، كما لا يمكن التنبؤ بردة فعلهم عن عجز نظام سياسي بأكمله عن توفير العلاج لوالدهم.

لا أعرف كيف سيواجه موظفو وزارة الصحة زميلهم، وبخاصة الأطباء منهم، لعدم القيام بواجبهم بضمان منحه فرصة للحياة ألا يفكرون لما سيحصل معهم في المستقبل بعد تقاعدهم وفقدانهم النفوذ ومكانتهم الوظيفية. كما كتب موظفو الوزارة في وقفتهم في مدخل مقر وزارة الصحة بمدينة نابلس "اليوم وسام ... وغدا انت" مخاطبين زملائهم.  فكيف لوزارة كهذه أن تمنح موظفيها الحماية والرعاية الطبية مستقبلا.

أيها المواطنون؛ آن الأوان لضمان حقنا بالحياة والكرامة والحرية والرعاية الصحية، وحماية أبنائنا من تعسف البعض واختطافهم لمقدرات الدولة التي دفعنا ثمناً باهضاً من أجل اقامتها، وآن الأوان لإزالة رقيب الموت ومنح الحياة والأمل لضمان بقاء أبنائنا في هذه البلاد.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت