انتهاكات وجرائم غير مسبوقة يرتكبها الاحتلال ضد الصحافيين ووسائل الاعلام

بقلم: علي ابو هلال

علي أبو هلال
  • المحامي علي أبوهلال

تصاعدت خلال الأيام الماضية اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الصحافيين ووسائل الاعلام في القدس، وسائر الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتأتي هذه الانتهاكات استكمالا للاعتداءات على الصحافة ووسائل الاعلام على قطاع غزة خلال العدوان الأخير الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة والذي استمر أحد عشر يوما منذ العاشر من شهر أيار الماضي.

وقد شهدت هذه الانتهاكات تصعيدا غير مسبوق، بالاعتداء على الصحافية جيفارا البديري والمصور نبيل مزاوي العاملين في قناة الجزيرة حيث طرحه جنود الاحتلال أرضا وحطموا كاميرته، وذلك أثناء تغطيتهما للاعتداءات على مسيرة سلمية للتضامن مع أهالي حي الشيخ جراح في القدس، يوم السبت الماضي الخامس من شهر حزيران الجاري، وتبع ذلك اعتقال الصحافية البديري، التي تعرضت خلال عملية الاعتقال للتقييد والضرب والتعذيب من قبل جنود الاحتلال، حيث بيّنت الفحوصات الطبية إصابتها بكسر في يدها اليسرى ورضوض بالرأس وأنحاء من جسمها، وذلك بعد نقلها إلى المستشفى بعد إخلاء سبيلها عقب تحقيق واحتجاز لساعات في مركز شرطة إسرائيلي بشارع صلاح الدين، كما تعرضت خلال عملية الاعتقال للتقييد والضرب من قبل جنود الاحتلال، وفي اليوم التالي أصيبت زميلتهم نجوان السمري  بشظية قنبلة صوت، أطلقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على حشد من المواطنين والصحفيين، كانوا في وقفة تضامنية مع الناشطين منى ومحمد الكرد المعتقلين في مركز شرطة الاحتلال بشارع صلاح الدين في القدس.

لم تقتصر الاعتداءات والاعتقالات على الصحافيين العاملين في قناة الجزيرة، بل شملت صحافيين آخرين سواء داخل القدس أو في مناطق مختلفة في الضفة الغربية من بينهم الصحفيين المقدسيين "وهبي مكية" و"زينة حلواني" الذين اعتقلا عدة أيام، وقد أفرج عنهما بشرط الحبس المنزلي لمدة خمسة أيام والإبعاد عن حي الشيخ جراح شهرًا كاملًا ودفع غرامة مالية مقدارها نحو 600 دولار أمريكي. وكانت الصحفية "زينة الحلواني" وزميلها "وهبي مكية" اعتقلا يوم 28 أيار/مايو الماضي خلال تغطيتهما أحداث الشيخ جراح حيث اعتدي عليهما بالضرب ما تسبب بإصابتهما برضوض مختلفة. وتسبب اعتداء الشرطة الإسرائيلية في حينه بحدوث نزيف في رأس الصحفي "وهبي مكية" وجروح أخرى لديه ولدى زميلته "زينة الحلواني"، وكسر الكاميرا الخاصة بهما.

وفي 21 أيار/مايو الماضي، مدد القضاء الإسرائيلي الاعتقال الإداري بحق مصور قناة الغد التلفزيونية "حازم ناصر"، وذلك لمدة 11 يوما، وكان الصحفي اعتُقل في يوم 12 من الشهر ذاته عند مروره بنقطة تفتيش إسرائيل في مدخل بلدة طولكرم في الضفة الغربية لدى عودته من تغطية مواجهات بين الجيش الإسرائيلي وشبان فلسطينيين.

إن استهداف حكومة الاحتلال للصحفيين الفلسطينيين خلال أداء عملهم يعد سياسة ممنهجة وسلوكًا مشينًا في غياب إجراءات محاسبة دولية تشكل رادعًا لها، حيث تعتقل السلطات الإسرائيلية 13 صحفيًا فلسطينيًا على الأقل أغلبهم يتم احتجازهم تعسفيًا على بند الاعتقال الإداري، وفقا لما ذكرته منظمة "مراسلون بلا حدود".

أثنا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شهر أيار الماضي، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحافيين ووسائل الاعلام، وارتكبت بحقهما جرائم ترتقي إلى جرائم حرب، ووفقا لتقرير المكتب الإعلامي الحكومي التي رصد 11 يوم من العدوان الإسرائيلي، استشهد الصحفي يوسف أبو حسين (33 عاماً)، حيث يعمل مذيع في إذاعة الأقصى، جراء استهداف طائرات الاحتلال الإسرائيلي يوم 19 مايو الماضي بصاروخين لشقة في بناية لعائلة أبو حسين، بالقرب من مفترق الشيخ رضوان شمال مدينة غزة، ما أدى لاستشهاده، وإصابة أكثر من 12 صحافياً، ودمرت قوات الاحتلال 44 مقار ومؤسسة إعلامية ما بين كلي وجزئي، وكذلك، وحوالي 11 مقار يتضمن شركات دعاية وإعلان، وإنتاج فني، ومطابع، ودور نشر، وتضرر أكثر من 22 منزلاً لصحفيين واعلاميين بشكل كلي وجزئي، عدا عن تضرر6 سيارات تابعة لصحفيين واعلاميين.

وأشار التقرير إلى التدمير الكلي والجزئي للمقار الصحافية، جراء قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي كل من أبراج الجلاء، والجوهرة، والشروق في حي الرمال وسط مدينة غزة، ما أدى الى تدمير الأبراج بشكل كامل من ضمنها 35 مقار ومؤسسة إعلامية، وتضررت نتيجة ذلك 9 مقرات صحافية بشكل جزئي وتلف في بعض محتوياتها ومعداتها.

برج الجلاء الذي تم تدميره كاملا يضم قناة الجزيرة والجزيرة مباشر، وكالة أسوشيتد برس( AP)، وفضائية القدس اليوم المقر الثاني، وصوت القدس ، وإذاعة صوت الاسرى، فيما يضم برج الجوهرة، صحيفة فلسطين، ومنتدى الإعلاميين الفلسطينيين، والوكالة الوطنية، وتلفزيون TRT التركي، وقناة المملكة الأردنية، فضائية النجباء، فضائية الاتجاه، وكالة سبق، وفضائية الكوفية، ووكالة “APA” المحلية للتصوير، وتلفزيون سوريا، وإذاعة ونادي الصحفي الصغير، فيما يضم برج الشروق قناة روسيا اليوم، وتلفزيون دبي، والتلفزيون الألمانيZDF، وقناة برس، وقناة الجزيرة الإنجليزية، ومؤسسة طيف الإعلامية، ومؤسسة هنا القدس الإعلامية، وجريدة الحياة الجديدة، وإذاعة الحياة، وشركة ميادين للإعلام، وشركة غزة للإعلام، وشركة فلسطين للإنتاج الإعلامي، وقناة القدس اليوم المقر الأول، وإذاعة الأقصى، وإذاعة طيف، وفضائية ومرئية الأقصى، ومركز هلا فلسطين، والتلفزيون العربي.

وفي برج السوسي:، تضرر بشكل جزئي شركة “عالم نيوز”، فيما أدى استهداف برج رؤية، إلى تضرر بشكل جزئي ووكالة “مصدر الإخبارية”، ومكاتب مركز تطوير الإعلام- جامعة بيرزيت، ومبنى قناة “فلسطين اليوم”، ومكتب فلسطينيات، وكالتها “نوى” الإخبارية، ومركز غزة للصحافة ولحرية الإعلام، ومكتب قناة المنار الفضائية في برج وطن، ومكتب وكالة معا في برج وطن، كما تضرر 11 مقر لشركات ومؤسسات انتاج اعلامي ومطابع ودور نشر بشكل كلي، حين استهدفت قوات الاحتلال العديد من البنايات والأبراج في غزة. وأسفر القصف إلى تضرر منازل عدد من الصحفيين والصحفيات.

إن الحرب الشعواء التي يشتها الاحتلال على الصحافيين وعلى وسائل الاعلام الفلسطينية والعربية والدولية، هي سابقة تاريخية غير مسبوقة، تستهدف إخفاء الحقائق التي تقوم وسائل الاعلام بكشفها للرأي العام العالمي عن جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني، وتبرز جوهر الاحتلال المعادي للحقوق والحريات الديمقراطية، وتكشف زيف ادعاء حكومة الاحتلال أمام العالم بأنها دولة ديمقراطية وحضارية.

ان الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال، ضد الصحفيين ووسائل الاعلام في القدس وفي الضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي الفلسطينية عام 1948، تشكل انتهاكا للحقوق أساسية نصّ عليها الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وتعد انتهاكًا خطيرا لاتفاقية جنيف الرابعة، والتي أعطت الصحفيين الحق بتغطية النزاعات المسلحة، واعتبرتهم مدنيين لا يجوز بحال التعرض لهم أو استهدافهم ما داموا غير مشاركين في الأعمال العدائية. وتشكل هذه الجرائم انتهاكا خطيرا لحرية الرأي والتعبير، التي تكفلها المواثيق والاتفاقات الدولية، والشرعة الدولية لحقوق الانسان، وهذا يقتضي من الهيئات الدولية ذات الصلة، إلى التحرك الفوري لوقف هذه الجرائم. وفي هذا الإطار ندعو الاتحاد الدولي للصحفيين، واتحاد الصحفيين العرب ومنظمة "مراسلون بلا حدود" إلى ضرورة توفير الحماية للصحفيين الفلسطينيين، وتفعيل آليات المحاسبة والمساءلة لحكومة الاحتلال التي تواصل ارتكاب الجرائم بحقهم، وملاحقتهم ومحاكمتهم لدى القضاء الجنائي الدولي ولدى المحكمة الجنائية الدولية حتى لا يفلت هؤلاء المجرمون من العقاب.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.

 

 

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت