تطور مجريات الانتخابات الرئاسية الإيرانية وتأثيراتها المحتملة

بقلم: سنية الحسيني

سنية الحسيني
  • د. سنية الحسيني

تكمن أهمية الانتخابات الرئاسية الإيرانية الثالثة عشر، والمزمع عقدها في الثامن عشر من الشهر الجاري، في أنها قد تساهم في تحديد المرشد الأعلى في البلاد، وبالتالي التوجهات السياسية المركزية لإيران خلال عقود قادمة. كما تأتي هذه الانتخابات في إطار معترك تفاوضي معقد بين إيران والولايات المتحدة، قد يساهم أيضاً في تحديد مستقبل التنافس بين البلدين في منطقة الشرق الأوسط، انطلاقاً من موقعهما ومكانتهما المهمة فيها. على الرغم من أن الرئيس في النظام السياسي الإيراني لا يمتلك صلاحيات صنع القرار المركزي في البلاد، الا أنه يعكس توجهات النظام خصوصاً في سياسته الخارجية. ومن المعروف أن المرشد الأعلى في إيران يميل نحو التوصل لإتفاق مع الولايات المتحدة، يزيح عن كاهل البلاد عبء العقوبات الاقتصادية، والتي جاءت بقيادة وتوجيه من الولايات المتحدة، منذ نجاح الثورة الإسلامية وصعودها إلى صدارة النظام السياسي الإيراني عام ١٩٧٩، وتفاقمها بشكل كبير مطلع الالفية الجديدة بحجة تطورات الملف النووي الإيراني.

 

ويبدو أن قيادة النظام  السياسي في إيران تتجه بشكل جلي نحو تثبيت التوجه المتشدد على حساب المعتدل للتحكم في مفاصل البلاد المختلفة التنفيذية والتشريعية والقضائية، خصوصاً بعد فشل المعتدلين في إحداث اختراق حقيقي في ملف العقوبات المفروضة على إيران، خلال ولايتي الرئيس المعتدل حسن روحاني. نحج مجلس صيانة الدستور في قراره الأخير بحصر التنافس في الانتخابات الرئاسية القادمة بعد ثمانية أيام، بين سبعة مرشحين فقط من بين ٥٩٢ مرشح، خمسة منهم محافظين، في ابراز توجه قيادة النظام لاختيار إبراهيم رئيسي رئيساً قادماً لإيران. واستبعد المجلس بذلك غالبية المرشحين المعتدلين، خصوصاً الأكثرهم شعبية مثل على لارجاني، كما استبعد أيضاً محافظين، يمكن أن يشكلوا منافساً لرئيسي بسبب شعبيتهم أيضاً مثل الرئيس السابق أحمد نجاد. وإذا نجح رئيسي ذو ال ٦٠ عاماً ورئيس السلطة القضائية الحالي، في الوصول إلى كرسي الرئاسة، يكون قد أمن لنفسه ظروفاً شبيهة بتلك التي أوصلت خامئني المرشد الحالي الأعلى للبلاد لمنصبه. وكان يشغل خامئني عام ١٩٨٩ منصب رئيس الجمهورية، ومدعوماً من المؤسسة العسكرية، تماماً كما تدعم هذه المؤسسة رئيسي اليوم، بالإضافة إلى دعم خامئني له.

 

وعلى الرغم  من دعوات خامئني للشعب الإيراني في عيد النيروز بمشاركة شعبية واسعة في الانتخابات الرئاسية، معتبراً أنها انتخابات مصيرية، الا أن توقعات استطلاعات الرأي تشير إلى انخفاض نسبة المشاركة الشعبية فيها إلى أدنى مستوياتها. ذلك الانخفاض المتوقع في مستوى المشاركة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية القادمة يذكرنا بنسبة المشاركة الشعبية الفعلية المتدنية للغاية والتي جاءت في الانتخابات البرلمانية لمجلس الشورى الإيراني مطلع العام الماضي، والتي أنتجت مجلساً تشريعي جل أعضائه من المحافظين. جاء انخفاض نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات البرلمانية العام الماضي في أعقاب قرار مجلس صيانة الدستور باقصاء مشاركة مئات المرشحين معظمهم من المعتدلين. نحج مجلس الشوري الحالي في اجراء تعديل دستوري هام يسمح للرؤساء السابقين والوزراء ونوابهم وأعضاء مجلس الشورى وأعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام وأعضاء المجلس الأعلى للأمن القومي والقادة العسكريين السابقين والحاليين بخوض الانتخابات الرئاسية، ملزماً العسكريين فقط الاستقالة من مناصبهم قبل ستة أشهر من خوضها. إن ذلك من شأنه فتح المجال واسعا أمام السماح بوصول العسكريين إلى منصب الرئيس، وهو توجه غير مألوف من قبل إيران.

 

ويبدو أن القيادة الإيرانية لا تنوى التوصل إلى إتفاق مع الولايات المتحدة حول استعادة الإتفاق النووي قبل وصول الرئيس الجديد إلى منصبه. إن ذلك يعد مؤشراً على أن المرحلة القادمة من محادثات فيينا التي بدأت في الأسبوع الأول من شهر نيسان الماضي، بين إيران ومجموعة ٤+١ (روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا) وبشكل غير مباشر مع الولايات المتحدة، بهدف إحياء الاتفاق النووي، لن تكون سهلة. وفي الحقيقة لم تسفر هذه المحادثات حتى الآن، رغم مرور خمس جولات تفاوضية عن نتائج ملموسة، باستثناء نجاحها باحراز نتيجتين إيجابيتين. تتمثل النتيجة الإيجابية الأولى في التوصل إلى اتفاق مؤقت بين إيران ووكالة الطاقة النووية، مدته ثلاثة شهور، يسمح لمفتشي الأمم المتحدة بمواصلة عملهم الميداني، بعد أن علقت إيران التطبيق الطوعي لبروتوكول معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية. ويسمح الإتفاق المؤقت للوكالة الدولية بمراقبة المنشآت النووية الإيرانية بالكاميرات، لكن دون أن يتم تسليم أي من التسجيلات إلى الوكالة لحين التوصل لإتفاق مع واشنطن. وتم تجديد ذلك الاتفاق لشهر إضافي، اذ ينتهي العمل به في ٢٤ من الشهر الجاري. وكما هو واضح أن هذه النتيجة محكومة بالتوصل إلى إتفاق بين إيران وواشنطن، والا تعتبر كأنها لم تكن.

 

تأتي النتيجة الإيجابية الثانية في نجاح جولات فيينا في التوصل إلى مسودة إتفاق حصرت القضايا الخلافية ووضعت بدائل لحلول لها. وقد يكون من أهم المشاكل التي ركزت عليها المسودة اصرار إيران على ضرورة رفع جميع العقوبات التي وضعتها إدارة ترامب بعد عام ٢٠١٨ بما فيها تلك التي لا تتعلق بالملف النووي، وهو الأمر الذي وعدت الولايات المتحدة في النظر به، رغم أنها لم تقبل رفع جميع تلك العقوبات الجديدة، وتشترط بأن تبدأ إيران بالتراجع أولاً. كما يعتبر اصرار واشنطن على تدمير أجهزة الطرد المركزي الحديثة، بدلاً من تخزينها كما جرى في أعقاب توقيع الإتفاق مع إدارة أوباما عام ٢٠١٥، مشكلة لم يتفق حولها الطرفان بعد. كما تصر واشنطن على دمج قضايا تتعلق بردع قدرة إيران في إطار الصواريخ البالستية وتدخلاتها في منطقة الشرق الأوسط في إطار الإتفاق، واجراء المفاوضات حولها بالتوازي مع المحادثات النووية، وهو ما ترفضه إيران. كما طرحت إيران نوع جديد من البنود بهدف ضمان عدم انسحاب واشنطن مستقبلياً من الاتفاق كما فعل ترامب.  

 

يبدو أن المشهد يزداد تعقيداً في ظل عدد من الحقائق أولها إصرار الولايات المتحدة على عدم نيتها رفع أي من العقوبات عن إيران، الا بعد التأكد من امتثالها أولاً لالتزاماتها بموجب الإتفاق النووي، بما في ذلك ما يتعلق بمستوى وحجم أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، وضرورة موافقة خامنئي على التدمير الكامل للتقدم العلمي النووي بدلاً من إيقافه مؤقتًا كما جرى سابقاً. ونشير هنا إلى تأكيدات رافائيل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن إيران تقوم بتخصيب اليورانيوم بنسب مرتفعة، وصفها بالمتطورة والقريبة من المستوى المطلوب لصنع أسلحة. وكانت إيران قد صرحت مؤخراً أنها رفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ٦٠ بالمئة. وأفاد التقرير الربع سنوي للوكالة الدولية بأن مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب بات يتجاوز ١٦ مرة الحد المسموح به بموجب الاتفاق الدولي الذي تم توقيعه عام ٢٠١٥. كما أشارت التقارير التي رفعها غروسي إلى وجود آثار ليورانيوم مخصب في ثلاثة مواقع نووية إيرانية، ولم تقدم إيران تفسيراً لذلك.

 

ليس خفياً أن الولايات المتحدة وإيران بحاجة إلى التوصل إلى اتفاق يضمن للأولى كبح جماح إيران النووي العسكري والتدخلي، بينما يضمن للثانية التخلص من عبء العقوبات والمقاطعة الامريكية والغربية. وفيما يبدو أن السياسة التي اتبعتها إيران خلال فترة الشهور القليلة الماضية اعتمدت على سياسة المماطلة من أجل فرض أمر واقع جديد، لكن دون أن تخسر الغرب، بما يمهد الطريق لحكومة أكثر صلابة لتمسك بدفة المفاوضات ضمن معطيات جديدة.

 

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت