- بقلم د: أماني القرم
تدعي اسرائيل دوماً أنّ عقيدتها الأمنية العسكرية تعتمد على ثلاث مرتكزات: الردع والانذار وسرعة الحسم . لكن هذا الادعاء ينقصه مكوّن أخير ليعبّر عن حقيقة العقيدة الصهيونية التي تتضح بفجاجة يوماً تلو الآخر ألا وهو التوسّع. والتوسّعية يلزمها توافر رغبة وقدرات وبيئة مناسبة وموارد هائلة.
تعد لحظة اكتشاف حقول الغاز الضخمة في البحر المتوسط وتحديداً تلك التي ظهرت في العام 2009 أمام سواحل الأرض المحتلة نقطة فارقة في تحقيق الحلم الصهيوني للتمدد في جميع الاتجاهات. فقد خلقت الاكتشافات واقعاً جيوسياسيًّا جديداً شكّل رافعة اقتصادية وسياسية وأمنية لإسرائيل، انتقلت بها لتصبح مركزاً اقليمياً وعالمياً جاذبًا للتعاون والتنافس والتهديد:
من جهة، فإن استيلائها على حقول غاز المتوسط المكتشفة منحها أمناً طاقويًّا لعشرات السنين، وبعد أن كانت دولة مستوردة للغاز باتت مصدرة له، مما ربطها بشبكة علاقات تعاونية استراتيجية مع الدول المشاطئة والمجاورة لها(منتدى شرق المتوسط نموذجا). ومن جهة أخرى، منصات الغاز المكتشفة اعتبرت مصدراً للتهديد من قبل أعدائها المحتملين كونها أهدافا ًحيوية بالغة الأهمية. ومن جهة ثالثة فإن هذه الاكتشافات أتاحت لإسرائيل الفرصة في التأثير على سير الاحداث في الاقليم. فالبحر المتوسط والبحر الاحمر والخليج العربي سلسلة متصلة بأهم أبواب العالم : قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز والتي هي في نفس الوقت مصادر تنافس بين القوى الكبرى العالمية.
وحين تجتمع الفرصة مع الحلم فإن الوقت قد حان لتوظيف الموارد وإعادة ترتيب الأولويات . وهكذا فعلت اسرائيل فتم إعادة صياغة عقيدتها البحرية عبر مضاعفة التركيز والاستثمار في ترسانة السفن والغواصات،خاصة أن 98% من خطوطها التجارية بحرية بامتياز .
وقبل عدة ايام استلمت اسرائيل وسط أجواء احتفالية السفينة الثانية من مجموع أربعة سفن حربية تمثل نقلة نوعية في الأسطول الإسرائيلي من فئة "كورفيت ساعر 6" ألمانية الصنع بتكنولوجيا اسرائيلية. والسفينة الأولى تم تسليمها في نوفمبر من العام الماضي. صفقة السفن هذه عقدت بين ألمانيا واسرائيل في العام 2015 وبتكلفة 480 مليون دولار قامت اسرائيل بدفع الثلثين والباقي تمت تغطيته من قبل الحكومة الألمانية.
سفن "ساعر 6" معدلة تكنولوجيًّا بواسطة شركات الأمن الاسرائيلية لتناسب بيئة التهديدات التي تواجه اسرائيل . فهي مزودة برادار متعدد المهام يتجاوز مداه 100 كم ذو قدرات عالية لتنسيق العمل ما بين البر والبحر، وبنسخة بحرية من القبة الحديدية، وصواريخ اعتراضية ودفاعية شديدة الدقة.
ومع نجاح اسرائيل في اختراق المنطقة وعقد اتفاقيات التطبيع مع بعض الدول العربية وما يصاحبها من استثمارات ومشاريع عابرة للدول، فإنها تطمح من خلال تطوير استراتيجيتها البحرية وأسطولها الى أن تصبح قوة بحرية تتمتع بتفوق عسكري ونوعي يماثل قوتها الحربية البرية والجوية وذلك لحماية أصولها الاستراتيجية كما تدعي. المشكلة تكمن الى أي مدى أو أي بحريمكن أن تصل الاصول الاستراتيجية لإسرائيل؟؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت