- محمد سيف الدولة
قاعدة او مبدأ رئيسى كان من أهم المبادئ التى استقرت فى وعى وادراك مؤسسات ومراكز صنع القرار فى امريكا واوروبا و(اسرائيل) بعد حرب 1973. وهو مبدأ "ان مصر لا يجب ان تهان" باى حال من الاحوال، ولا ان تتعرض لاى اهانة مماثلة لما تعرضت له عام 1967، لان رد فعلها سيكون قاسيا وعنيفا ولو بعد حين.
ولذا يجب على الدوام عدم الاستهانة او الاستخفاف بالمكانة الخاصة والمميزة والتاريخية لمصر كدولة عريقة تقع فى القلب من الامة العربية وتحتل مكان الصدارة فيها، مكانة اى عاصمة لاى امة كبرى، بحكم مركزها الجغرافى وتعدادها الذى يبلغ ما يقرب من ربع تعداد الامة العربية كلها.
***
· وهو ذات الدرس الذى تعلمه الغرب فى الحروب الصليبية 1096 ـ 1291، حين شن ست حملات متتالية على المنطقة لاحتلالها وانتزاعها من الشعوب العربية واحكام السيطرة عليها، فوقفت كل حملاته وتكسرت على صخرة الصمود المصرى كأكبر قلعة مواجهة ومقاومة للصليبيين فى الشرق العربى الاسلامى، فما كان من لويس التاسع ملك فرنسا الا ان قام بشن الحملة السابعة والاخيرة على مصر مباشرة فى محاولة لكسر العقبة الرئيسية امام نجاح واستقرار المشروع الاستعمارى الصليبى، ولكنه هُزم شر هزيمة وتم اسره فى دار ابن لقمان.
· ان قادة التحرير فى ذلك الزمان من امثال صلاح الدين الايوبى 1187، والصالح ايوب 1244، وسيف الدين قطز 1261، وبيبرس 1286، وقلاون 1289، والاشرف خليل بن قلاوون 1291، كلهم قادوا معارك تحرير الامة بجيوش عربية اسلامية منطلقة من مصر.
· وفى السنوات الأخيرة للدولة العثمانية، سنوات الضعف والوهن والمرض، لم يكن هناك بديلا قويا قادرا على استلام الراية وقيادة المنطقة وتوحيدها وتحريرها من النفوذ الغربى، سوى محمد على منطلقا من مصر، لولا تحالف الدول الاوروبية مجتمعة ضده عام 1840.
· وتكرر الحال بعد الحرب العالمية الثانية، حين قامت الغالبية العظمى من شعوب الامة العربية بمبايعة مصر فى الخمسينات والستينات على قيادة معارك التحرر والاستقلال والوحدة وتحرير فلسطين.
***
لم يكن أى من هذا بطبيعة الحال بسبب تميز مصر او المصريين عن باقى الاشقاء العرب، فنحن جميعا امة واحدة لا غنى ولا فضل لأى منا على الآخر، ولا نجاة وأمن واستقلال واستقرار لاحدنا دون الآخر.
***
وبالعودة الى سياق الحديث، نقول ان الغرب وكيانه الصهيونى بعد ان توهموا فى اعقاب 1967 ان مصر قد سقطت الى الابد ولن تقوم لها قائمة مرة أخرى، جاءتهم الصدمة من صمود الشعب المصرى ورفضه الهزيمة والاستسلام ودعم وتضامن الشعوب العربية واعادة بناء الجيش وحرب الاستنزاف ثم حرب اكتوبر.
ليعيدوا اكتشاف ما سبق ان اكتشفه لويس التاسع وقادة اوروبا منذ قرون بعيدة، وهو ان مصر قلب الامة وعصبها عصية على الكسر، وانه ليس من المصالح الاستراتيجية لاى قوة كبرى ان تستعديها او تهينها، وان الطريق الوحيد لدخول المنطقة هو بالسعى الى كسب صداقتها او بالبحث عن كيفية استيعابها.
***
لقد كانت مصر هى الدولة الوحيدة التى تمكنت من تحرير ارضها المحتلة فى 1967، رغم اننا كقوى وطنية مصرية، رفضنا وعارضنا منذ البداية الوسيلة التى تم بها استرداد الارض، عن طريق الانسحاب من المواجهة ضد (اسرائيل)، وتوقيع اتفاقية سلام، وقبول القيود الامنية والعسكرية المفروضة علينا فى سيناء، بالاضاقة وهو الأهم والاخطر تسليم 99 % من الاوراق والسياسات والمصائر الى الولايات المتحدة. ولكن هذا حديث اخر. اما المغزى من سرد السطورالاخيرة، فهو التأكيد على ان (اسرائيل) التى لا تقبل الانسحاب من اى ارض قامت باحتلالها عام 1967، قبلت بل وهرولت للانسحاب من سيناء مقابل انسحاب مصر بكل ثقلها من المواجهة والحرب ضدها.
فهناك دول بحكم وضعها الجغرافى والتاريخى والديموغرافى والحضارى لا يمكن انكسارها او استسلامها امام قوى الاستعمار والعدوان. ومصر بفضل الله وبفضل حاضنتها العربية والاسلامية واحدة من هذه الدول، اذا استقام حالها وتبينت دورها وطريقها.
***
وبناء علي كل ما سبق، فانه يتوجب علينا اليوم ان نعيد تذكير العالم بهذا المبدأ أو هذه القاعدة المستقرة في وعى وادراك كل مؤسسات ومراكز صنع القرار، قاعدة "ان مصر لا يجب ان تهان"، لانها لن تصمت على أى اهانة، وانها ستعمل بكل طاقتها على استرداد حقوقها والأخذ بثأرها مهما كانت العقبات والتحديات. وان من يتجرأ على اهانتها او الاعتداء عليها سيدفع أثمانا باهظة ان عاجلا ام آجلا.
فاذا كانت المخاطر والاعتداءات لا تقتصر على الاهانات وانما تتعداها بمراحل لتصل الى تهديد الوجود المصرى ذاته، فعلى الجميع ان يتخيل ما يمكن ان يصل اليه رد فعل الشعب المصرى.
وخلاصة القول: ان دورنا اليوم يجب أن ينطلق من "تفعيل" هذه القاعدة وارسال انذار بها بعلم الوصول الى كل من يهمه الامر في اثيوبيا وافريقيا وامريكا ومجتمعها الدولي.
*****
القاهرة فى 15 يونيو 2021
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت