كتائب نهر النيل الالكترونية

بقلم: محمد سيف الدولة

محمد سيف الدولة
  • محمد سيف الدولة

[email protected]

ما أحوجنا اليوم فى مواجهة التهديدات الاثيوبية، الى ان نقوم بتأسيس كتائب الكترونية "شعبية" من المصريين، تتولى تنظيم حمالات اعلامية "مليونية" لمخاطبة الراى العام العالمى فى كل مكان، بما فيها الراى العام الاثيوبى.

وهذا ليس سلاحا او اختراعا جديدا، بل اننا نستخدمه جميعا نحن وغيرنا فى كل الصراعات والمعارك التى نعيشها اليوم.

ففى العدوان الصهيونى الاخير على فلسطين، اشتبك عديد من المصريين الكترونيا، جنبا الى جنب مع اشقائهم الفلسطينيين والعرب والمسلمين ومئات من الاحرار فى العالم، لفضح جرائم الحرب الاسرائيلية.

وفى مصر ومنذ ما يقرب من 15 عاما، تدور فى مصر صراعات شرسة بين كل الفرقاء على وسائل التواصل الاجتماعى، فى محاولة لكسب معركة الراى العام. وهى الصراعات التى شهدت لاول مرة ظاهرة اللجان الالكترونية الموجهة من اجهزة الدولة او من التنظيمات والاحزاب السياسية. وهى ظاهرة لا تقتصر بطبيعة الحال على مصر بل انتشرت فى السنوات الماضية فى كل الاقطار العربية وكل بلاد العالم.

***

وفى حين ان اللجان الالكترونية التى نواجهها منذ الثورة، هى لجان مريبة وسيئة السمعة، من حيث انها تتكون من شخصيات واسماء وهمية يديرها شخص واحد او حتى روبوتات مبرمجة، بالاضافة الى اساليبها ولغة خطابها المجردة من المنطق والموضوعية وآداب الحوار، والتى تسعى فقط فى معظم الحالات الى اهانة وتشويه خصومها...

نقول رغم ان هذه هى السمة والسمعة التى اقترنت بتلك اللجان، الا ان ما ندعو له هو نوع آخر تماما؛ فنحن نريد لجانا وكتائب يتولى تأسيسها وادارتها وتوجيهها شخصيات واسماء حقيقية من كل من يريد ان يتطوع من المصريين للمشاركة فى معركة الدفاع الاعلامى عن نهر النيل، وعلى الاخص اولئك الذين يجيدون اللغات الاجنبية. بالإضافة الى انهم جميعا مواطنون مستقلون عن مؤسسات الدولة، لا يحتاجون منها سوى الى ان تمدهم بالحقائق والمعطيات والمعلومات الاساسية التى يحتاجونها من اجل مخاطبة واقناع الراى العام العالمى، وهو امر ممكن ومتاح ويمكن تنظيمه ببساطة واحترافية، من خلال تأسيس موقع "رسمى" مصرى يقوم بنشر كل الحقائق والمستندات والخرائط والصور ووثائق المفاوضات ونقاط التعنت الاثيوبى وكل ما يمكن ان يكون مفيدا فى معارك الراى والاعلام. بل يمكن ان يقوم الخبراء والمتخصصون فى الدولة بتوفير نماذج من الحملات الاعلامية الممنهجة القادرة على دعم الحقوق المصرية.

فاذا توفرت لنا المادة الفنية والقانونية والاعلامية الاساسية، فسنفاجأ بكم من الابداعات والمبادرات الشعبية التى لم تكن لتخطر لنا على البال، على غرار ما نراه على الدوام فى معاركنا وقضايانا الكبرى وعلى راسها القضية الفلسطينية، العامرة والمسلحة بآلاف الصور والبيانات ورسوم الكاريكاتير والتى نجحت فى السنوات القليلة الماضية فى احداث نقلة نوعية فى توجهات الراى العام العالمى.

ومن منا يمكن ان ينسى حجم واتساع المشاركة الشعبية فى معركة الدفاع عن جزيرتى تيران وصنافير، حين قامت اعداد غفيرة من المصريين بالمشاركة فى البحث والتنقيب عن أى مستند أو وثيقة او خريطة تؤكد مصريتها.

***

والبداية فى تصورى ستكون على الاغلب مدنية، حيث اننا لا نعلم مدى ترحيب او استجابة الدولة لمثل هذه الافكار، وعليه اتصور ان على الاحزاب السياسية المصرية أن تبدأ بأخذ زمام المبادرة من خلال تشكيل لجانها الخاصة واعداد ما يمكنها من مادة فنية والشروع فورا فى إطلاق حملاتها الاعلامية.

فاذا نجحت هذه الحملات والمبادرات الاولى، فقد تكون ملهمة للآخرين ومنهم مؤسسات الدولة. فاذا اضيفت لها حملات مماثلة من السودان ثم من كافة الأقطار العربية، فاتصور انها ستمثل سلاحا اعلاميا ضاغطا وفعالا.

***

ان على الدولة المصرية وهى تدير هذه المواجهة وتعد لها ما تستطيع من قوة، ان تأخذ المشاركة الشعبية الاعلامية من عشرات الالاف من المصريين فى الاعتبار كأحد الاسلحة المصرية الرئيسية الممكنة والمتاحة، وان تتذكر على الدوام ان بضع مئات من الشباب استطاعوا بمهاراتهم وقدراتهم الفنية على وسائل التواصل الاجتماعى ان يمهدوا لثورة يناير. فالشباب يمكن ان يكون قوة لا يستهان بها.

ورغم ان غالبيتهم ان لم يكن كلهم يندرجون اليوم فى قوائم الدولة السوداء التى تكره الثورات والثوار، الا ان خطورة التهديدات الوجودية التى تتعرض لها مصر اليوم، تتطلب تجميد وتعليق كل الانقسامات والصراعات والمحظورات الاخرى الى حين الانتصار فى معركة الدفاع عن نهر النيل.

***

ان الناس فى مصر قلقة للغاية ولديها رغبة واستعداد للمشاركة فى اى شئ لمواجهة التهديدات الاثيوبية، ولكنها لا تعلم ماذا تفعل، فلماذا لا نتقوى بها ونحتمى فيها ونستدعيها للمشاركة فى المعركة، ونوحد جهودنا معا فى الاتجاه الصحيح، بدلا من مواجهتنا لبعضنا البعض كما هو جارى الآن.

*****

القاهرة فى 17 يونيو 2021

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت