- كتب : مـحمـد جــودة
بعد انتهاء جولة المعركة الأخيرة بين الاحتلال الاسرائيلي والمقاومة الفلسطينية بغزة دفاعاً عن القدس والتي استمرت لمدة 11 يوم من القتال ، راح ضحيتها مئات الشهداء والاف الجرحى و البيوت المدمرة وخراب واسع للبني التحتية في القطاع ، جاء وقف اطلاق النار برعاية وضمانة مصرية وبضوء أخضر من الولايات المتحدة الامريكية ، وذلك حرصاً علي سمعة اسرائيل في العالم بعدما عجزت علي مواجهة ووقف القذائف الصاروخية وفشلت عسكريا في تحقيق أي انجاز للنيل من فصائل المقاومة في غزة .
لقد مر قرابة الشهر علي إبرام اتفاق وقف اطلاق النار ، هذا الاتفاق الذي جري دون أي بنود أو معالم واضحة له علي غير العادة ودون أي التزامات من الجانب الاسرائيلي تجاه غزة ومطالب المقاومة الفلسطينية هناك ، حيث بقي الحصار مستمر و الدمار يعم أرجاء المكان ولا أفق لإعادة الإعمار في المستقبل المنظور ، هذا خلافاً لاستمرار الاعتداءات الاسرائيلية المتواصلة في القدس وحي الشيخ جراح وباب العمود ، و تشديد الحركة علي المعابر الاسرائيلية ومنع إدخال البضائع والسولار و كافة احتياجات القطاع من مستلزمات ومواد ..الخ ، بالاضافة لمنع إدخال المنحة القطرية لغزة ووقف كل المساعدات و المشاريع التنموية والانسانية التي كانت بمثابة شريان حياة لأهالي القطاع المحاصر .
إن الواقع الراهن في ظل كل ما ذكر ، يجعل اتفاق وقف اطلاق النار الحالي معلقا في الهواء وعلي المحك ، لاسيما وأن الكثير من المتابعين والمحللين وحتي المنظمات الدولية والأممية و الأطراف الرعاية لهذا الاتفاق و الموقعة عليه تعي جيداً بأن هذا الاتفاق هش وقد يعيد انفجار الاوضاع بين اسرائيل وغزة مرة أخري ، وهناك أكثر من نقطة يمكنها تفجير هذا الاتفاق وإعادة إشعال النار من جديد ، أولها بقاء الحصار ، وثانيها المنحة القطرية ، وثالثها صفقة التبادل ، ورابعها اعمار غزة ، وخامسها استمرار الاعتداءات الاسرائيلية علي القدس ، يأتي ذلك كله في الوقت الذي أفشلت فيه حركة حماس اجتماعات القاهرة بين الفصائل الفلسطينية مؤخراً، بعدما غيرت الحركة خطابها ولغتها ومطالبها وشروطها ونفضت يدها و تراجعت عن كل ما اتفق عليه سابقا مع حركة فتح والفصائل في القاهرة ، بهدف استعادة الوحدة وترتيب البيت الفلسطيني ، الأمر الذي علي ما يبدو أعاد لغة التخوين والتشكيك والشتم والردح والمزاودات بين حماس وفتح من جديد ، وربما قد يعيد الأمور لنقطة الصفر بخصوص انهاء الانقسام الفلسطيني مرة أخري .
لاشك أن حماس ومعها كل الفصائل كان لها دور رئيسي في الدفاع عن غزة وعن القدس ، وقد أثبتت المقاومة الفلسطينية قدرتها العسكرية من خلال الأداء المتميز والمتطور الذي رأيناه في الميدان ، لكن هذا ما كان ليتم أو يحدث لولا صمود وثبات أهل غزة بالدرجة الاولي ، فهم خط الدفاع الاول في هذه المواجهة وهم عنوان الصمود والصبر وإسناد ودعم هذه المقاومة واحتضانها ، ولذلك لا يجوز لأي جهة كانت بعد انتهاء هذه المعركة أن تحاول توظيف هذا الانتصار لمصلحتها الحزبية بعيدا عن المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ، لاسيما في ظل أن كل المؤشرات تقول أن المعركة انتهت لكن الحرب لم تنتهي بعد، وأن تجدد القتال وانفجار الأوضاع من جديد لازال يلوح في الأفق وأن اتفاق وقف اطلاق النار الهش في مهب الرياح ، خاصة بعدما تشكلت في اسرائيل حكومة يمنية جديدة أكثر تشددا وتطرفاً ، هدفها الحالي كسر إرادة الفلسطينيين و عدم التسليم بنصر المقاومة في المعركة الاخيرة ، وهذا بات واضحاً وجلياً في تصريحات القيادة الاسرائيلية الجديدة والتي لم تخفي نواياها وحقيقة أمرها بأنها تعد العدة لإعادة الهجوم علي غزة وأن الصدام معها آت لا محالة .
أعتقد أن من يقرء المشهد السياسي الحالي بعمق وتشكيلة المنطقة وتركيبتها يدرك تماماً أن الأوضاع في غزة لا يمكن بقائها علي هذا النحو وأن ضرورة انهاء الصراع والمسألة الفلسطينية باتت قضية مهمة ورئيسية ومفروضة علي أجندة الادارة الامريكية الحالية ، ويدرك أيضاً أن مسألة حل الدولتين لم تعد قائمة ، وأن الدولة الواحدة مستحيلة ، ولذلك فإن استثمار نتائج المعركة الأخيرة والجهد الحالي المطلوب فلسطينيا يجب أن ينصب باتجاه ضرورة استعادة الوحدة وترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز مقاومة شعبنا والنظر لمصالحه العليا ، لا إلي اختزال هذا الانتصار ونتائج هذه المعركة في البحث عن المصالح الحزبية والفئوية و محاولة اختطاف القرار الفلسطيني والتفرد بمستقبل ومصير شعبنا .
لقد بات من الواضح أن كل الحكومات الاسرائيلية وحروبها العدوانية المستمرة على شعبنا تهدف إلى كسر إرادته ، ولابد هنا الاستفادة من دروس وعبر كل حروب إسرائيل المستمرة علينا كفلسطينيين، فإسرائيل لا زالت مستمرة باستخدام سياسة العصا والجزرة مع حماس ، فمن جهة تريد تطويعها ومحاولة احتوائها والدفع بها نحو تكريس الانفصال وتعميق الهوة بين الفصائل الفلسطينية وحثها علي إقامة كيان سياسي موازٍ في قطاع غزة ، كي يتم التعامل معها والقبول بها بمعزل عن القيادة الفلسطينية ، ومن جهة ثانية تهدد غزة بعودة الهجوم والقتال حال لم تقبل حماس شروطها وخضوعها لبيت الطاعة الاسرائيلي ، لذلك فالخيار الأمثل أمام حماس هو تعزيز اللحمة الفلسطينية وعدم الخروج عن الاجماع والشراكة الوطنية ، و الولوج نحو وحدة الموقف الحقيقي مع كل القوي الفلسطينية وفي مقدمتها حركة فتح ، والمسارعة إلى التفاهم على إعادة منظمة التحرير إلى وضعها الطبيعي، قوية وفاعلة تمثل الكل الفلسطيني، في الوقت الذي لم يعد لدينا كفلسطينيين رغم كل المتغيرات الدولية والإقليمية خيارات كثيرة .
أخيراً لابد من التأكيد على أن الوحدة الفلسطينية من خلال التوافق على مشروع وبرنامج وطني موحد بين جميع القوى والاحزاب السياسية ضرورة وأولوية قصوي ، وأن المطلوب حالياً تظافر كل الجهود والعمل من أجل إنجاح المصالحة الفلسطينية وإنهاء حقبة الانقسام ، و التنبيه من أن محاولات التلحف بالانتصار عبر العودة إلى عناوين خلافية بين القوي الفلسطينية لفرض اشتراطات جديدة ، هو أمر مؤسف ومخجل وغير مسؤول ، وأن أي خطوات من بعض الاطراف والجهات لتشكيل مرجعية بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية أو محاولة الاضرار بها والالتفاف والقفز عن التفاهم والشراكة السياسية هو طعنة في خاصرة القضية وانقلاب علي المشروع الوطني وسيكون له تداعيات ونتائج كارثية علي الشعب الفلسطيني .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت