بين التطورات الإسرائيلية والفلسطينية. تحولات خطيرة، ومهام وطنية عاجلة

بقلم: جهاد سليمان

جهاد سليمان- عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
  • جهاد سليمان\ عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

بتاريخ (13 حزيران\يونيو 2021)، صوت الكنيست الإسرائيلي على زعيم حزب "البيت اليهودي" الصهيوني المتطرف "نفتالي بينيت" رئيسا للوزراء، بعد تمكنه من تشكيل حكومة ائتلافية مكونة من (6) أحزاب، تمكنت من نيل ثقة 60 صوتا مقابل 59 لصالح حزب "الليكود" وحلفاءه. وبذلك يكون "بينيت" رئيس الوزراء الثالث عشر، بعد تمكنه من إنهاء 12 عاما من تربع "بنيامين نتنياهو" على ناصية العمل السياسي الإسرائيلي، كما تأتي تشكيلة الحكومة المركبة، بعد ( 4) جولات من الانتخابات القاسية التي امتدت لعامين، شهدت خلالها دولة الاحتلال الإسرائيلية جمودا سياسيا غير مسبوق، ترافق مع اضطرابات داخلية وتوتر كبير، ترجم بتحركات شعبية كبيرة في الشارع الإسرائيلي، تركزت بشكل رئيسي،  على المطالبة بمحاسبة رئيس الوزراء السابق "نتنياهو"، بعد توجيه العديد من تهم الفساد إليه، وتناولت الصحافة الإسرائيلية زوجته "سارة"، بملفات  تلقي رشاوي وفساد، وهذا ما دفع بنتنياهو،  لاستخدام مختلف الوسائل، لصناعة انتصارات وهمية، عله يكسب ود وتأييد الشارع الإسرائيلي، وضرب أي محاولة ائتلافية، لتصفية الحسابات السياسية معه، تارة عبر العزف على سيمفونية التطبيع الذي انجز مع بعض الأنظمة العربية، وتارة باتهام الحكومة الجديدة بأنها "حكومة يسار" بسبب بعض المكونات اليسارية والعربية، وثالثة بتضخيم الخطر الإيراني، وتصوير نفسه كالدرع الحامي، والمخلص الوحيد، للكيان الإسرائيلي من هذا الخطر "النووي" القادم، سواء بتصعيد نبرة التهديدات والتصعيد الإعلامي، ضد أي محاولة للعودة  إلى الاتفاق النووي الإيراني، من طرف الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة "جو بايدن"، أو بتنفيذ عمليات عسكرية، كقصف بعض المواقع داخل الأراضي السورية..
ومع اشتداد المعركة الانتخابية في الداخل الإسرائيلي، وتبلور ملامح الائتلاف السياسي، بقيادة "نفتالي بينيت" و"يائير لابيد"، ألقى "نتنياهو" آخر أوراقه في ساحة مدينة القدس المحتلة، محاولا خلط الأوراق الانتخابية، وإعادة كسب المزيد من التأييد، لصالح حزب "الليكود"، وذلك بإطلاق يد المستوطنين والشرطة الإسرائيلية، لتصعيد الاعتداءات الميدانية على المقدسيين، في حي الشيخ جراح والمصلين داخل المسجد الأقصى، في مساس مقصود بأكثر الملفات حساسية، وتجاوز لجميع الخطوط الحمراء، مما أدى إلى تدهور الأوضاع نحو معركة عسكرية قاسية، كان للمقاومة الفلسطينية اليد الطولي فيها، وكلمة البدء، بعد سلسلة التهديدات التي أطلقتها قيادة المقاومة، وغرفة العمليات المشتركة، محذرة من مغبة اللعب بنار القدس، وهو ما أدى عمليا إلى انفجار شعبي فلسطيني ميداني، امتدت نيرانه، من الداخل المحتل عام 1948، مرورا بالضفة المحتلة والقدس، وصولا إلى قطاع غزة المحاصر، الذي شرع سيفه تحت مسمى "سيف القدس"، لمواجه سارقي الأسوار، ومترافقة بتحركات جماهيرية فلسطينية وعربية وعالمية واسعة، صدحت في معظم عواصم الدول العربية والغربية، مما وجه ضربة قاضية لحكومة (نتنياهو-غانتس)، وأفشلت طموحات "الثعلب الماكر"، للبقاء كلاعب رئيسي في الملعب السياسي الإسرائيلي.
وبالعودة إلى حكومة (بينيت-لابيد)، ووضعها في سياق الانعكاس على القضية الوطنية الفلسطينية، فلم تشهد أي تحولات تذكر، من شأنها أن تحدث أي تغيير حقيقي، على آليات التعاطي الإسرائيلي مع الملف الفلسطيني، بل على العكس من ذلك، فإن التغييرات أتت لصالح الأكثر تطرفا وعدوانية، اتجاه الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، خاصة وأن "نفتالي بينيت"، هو من أصحاب الإيديولوجية اليمينية المتطرفة، يتبنى في العملي ما يشكل جوهر "صفقة القرن" الأمريكية، فيما يتعلق بيهودية الدولة من خلال دعمه ما سمي "قانون القومية" الذي يعتبر دولة الاحتلال الإسرائيلية يهودية، ويقف ضد منح الحقوق القومية للأقليات، مثل الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة عام 1948، وأيضا  مشروع الضم الصهيوني، اللذين يشكلان معا قوام ما يعرف بمشروع  "أرض إسرائيل الكبرى" التي تشمل أراضي من النهر إلى البحر بما فيها ما يسمى بأراضي يهودا والسامرة أي "الضفة الفلسطينية"،  كما يدعم "بينيت"،  بناء المستوطنات ويدعو إلى ردود الفعل العسكرية ضد الفلسطينيين، ويجاهر في جميع خطاباته ولقاءاته الصحفية، بعدم اعترافه بدولة فلسطينية مستقلة، بل يعلن وبشكل واضح، سعيه الدائم لإفشال أي تسوية من شأنها أن تمنح الشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية، المتمثلة ببناء دولته المستقلة كامل السيادة بعاصمتها القدس وعودة اللاجئين وفقا للقرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية.
مقابل هذا التحول الكبير، على المشهد السياسي الإسرائيلي، تشهد ساحة العمل السياسي الفلسطينية، انعطافا خطيرا، وتراجعا دراماتيكيا، عن جميع المنجزات، التي حققتها الحركة الوطنية الفلسطينية، منذ قرارات المجلسين الشهرين (المركزي + الوطني) ومخرجات اجتماع الأمناء العامين في (3 أيلول\سبتمبر 2020)، والقرارات التي وجد بها الشعب الفلسطيني، فرصة لإعادة توجيه بوصلة الكل الفلسطيني، نحو اتجاه النضال الوطني الصحيح، وتصحيح المسار السياسي المشوه، الذي عايشه الشعب الفلسطيني بفعل الانقسام الدامي، لأكثر من (14) عام. وعلى الرغم من الأجواء الإيجابية، التي رافقت جولات الحوار المكوكية للفصائل الفلسطينية، وتمكن الكل الفلسطيني من تجاوز بعض التحديات، المرتبطة بترتيب مسار استعاده الوحدة الداخلية الفلسطينية، ورسم ملامح إعادة صياغة النظام السياسي الفلسطيني، بما يلبي تطورات المرحلة الراهنة، إلا أن محصلة تلك الجولات سقطت مرة أخرى، في مستنقع التلاشي، بفعل القرارات المتفردة، ومنهجية التعاطي المتنفذة، التي يمارسها مركز صناعة القرار في السلطة الفلسطينية، والتي بدأت بإعلان رئيس السلطة الفلسطينية تأجيل الانتخابات التشريعية، التي سبق  وتم تحديدها بتاريخ (22 أيار\مايو 2021) بمرسوم رئاسي بتاريخ (15 كانون الثاني\ يناير 2021)، وهو ما أدى إلى خلط الأوراق الداخلية الفلسطينية، ورفع منسوب التوتر على المستويين الشعبي والفصائلي، بحيث اعتبرت الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب الفلسطيني، أن قرار إلغاء الانتخابات، يعود بالدرجة الأولى إلى صراعات (فتحاوية- فتحاوية)، على خلاف ما يشيعه مركز صنع القرار، حول عدم سماح سلطات الاحتلال الإسرائيلي، إجراء الانتخابات في القدس الشرقية، خاصة وأن الرد الإسرائيلي السلبي، متوقع وواضح بالنسبة للكل الشعبي والفصائلي الفلسطيني..
لم يقف المشهد الفلسطيني، الذي شهد انتكاسة كبيرة عند هذا الحد، بل تدهور إلى قعر المستنقع، بفعل التهور غير محسوب النتائج، الذي قامت به مجموعة من جهاز الأمن الوقائي، التابع للسلطة الفلسطينية، باغتيال الناشط الفلسطيني "نزار بنات" بتاريخ (24 حزيران\يونيو 2021)، مما أدى الى تفجير الشارع الفلسطيني، على جميع المستويات، وأصاب الرأي العام الفلسطيني بصدمة كبيرة، خاصة وأن عملية الاغتيال تمت في مناطق خارج السيطرة الأمنية الفلسطينية، وهو ما يفترض تنسيقا أمنيا، بين الجهة التي نفذت عملية الاغتيال وبين الجانب الإسرائيلي، مما انعكست ميدانيا، من خلال مظاهرات ضخمة وحاشدة، جابت شوارع رام الله، وبعض المحافظات الفلسطينية، مطالبة بشكل واضح وعلني، باستقالة الحكومة الفلسطينية الحالية برئاسة "محمد شتية"، ورحيل رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس"، وهو ما أدى إلى تحرك الأجهزة الأمنية الفلسطينية والاعتداء على هذه المظاهرات، والتنكيل بالشباب والشابات الفلسطينيين، الرافضين لمنهج الاغتيال السياسي، ومنع الشعب الفلسطيني من حقه الطبيعي في ممارسة حقه في التظاهر وحماية حرية الرأي والتعبير، خاصة وأن هذه التحركات ترافقت مع موقف فصائلي، ومن جمعيات واتحادات وطنية وشخصيات أكاديمية وحقوقية واجتماعية واقتصادية، طالبت بمجملها بضرورة الإسراع في الكشف عن الجهات، التي وقفت خلف عملية الاغتيال، والجهة التي نفذت، ومحاسبتهم بشفافية عالية، لضمان عدم تكرار هذا الحدث الخطير، الذي وضع السلم الأهلي الفلسطيني، على فوهة بركان، ما زالت تفاعلاته الداخلية، تغلي حتى هذه اللحظات.
يأتي هذا التوتر الداخلي الفلسطيني، والتشنجات الكبيرة، في ظل تصاعد حدة المؤامرة الصهيونية، لتصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية، على يد حكومة يقودها عرابي الصهيونية الدينية المتطرفة، عبر البدء بهدم بعض المحلات التجارية في حي بطن الهوى في سلوان، ووقوف مئات البيوت والمحال التجارية الأخرى، أمام خطر الهدم الحقيقي، بالإضافة إلى آلاف العائلات الفلسطينية، في مختلف أحياء مدينة القدس المحتلة. ومن جهة أخرى المناورة الماكرة، للحكومة الإسرائيلية، للسيطرة على جبل صبيح، وتنفيذ مشروع البؤرة الاستيطانية "أفيتار"، وذلك من خلال الادعاء للتوصل لتسوية تقوم على مغادرة المستوطنين للمنطقة، مع بقاء بيوت البؤرة الاستيطانية وبنيتها التحية، لتكون في خدمة مدرسة دينية للجيش الإسرائيلي، وهو ما يعني محاولة الالتفاف على تصاعد حدة المقاومة الشعبية، التي أبداها الشعب الفلسطيني في قرية "بيتا" وجوارها، وتسليم بمطالب المستوطنين، في سياق ما يسمى بمشروع الضم الصهيوني، والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية..
وفي سياق جميع هذه التطورات (الداخلية-الخارجية)، التي تعيشها القضية الوطنية الفلسطينية، وفي ظل تصاعد مشروع التصفية والمؤامرة للحقوق الوطنية الفلسطينية، وتطور المشروع الصهيوني وتمظهراته في التشكيلة السياسية والرسمية الإسرائيلية، فإن الحركة الوطنية الفلسطينية برمتها، تقف أمام منعطف خطير وتحديات جدية وحقيقية، تتطلب وعيا ومسؤولية عالية، تأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني، بعيدا عن المصالح الفئوية الضيقة، والأخذ بعين الاعتبار خصوصية المرحلة الراهنة، التي لا تتعدى مرحلة تحرر وطني، تتطلب آليات عمل سياسية وشعبية مختلفة، عن تلك التي تحاول التسويق لها سلطة الحكم الذاتي بقيادتها المتنفذة، فالحركة الوطنية الفلسطينية، بفعل هذه التحولات، غير مطالبة بالحصاد السياسي، وليست معنية بالتسويق لإنجازات وهمية، تتفاخر بها مجموعة متنفذة، بعيدا عن واقع المشروع الصهيوني الآخذ نموا على الأرض الفلسطينية، فالحركة الوطنية الفلسطينية، مطالبة اليوم بمزيد من الزرع، في ميدان المقاومة بكافة أشكالها، وفي أرضية الوحدة الداخلية الفلسطينية، وذلك من خلال إعادة الاعتبار لرائدة المشروع الوطني الفلسطيني، والبيت الجامع للكل الفلسطيني أينما كانوا، بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، بمؤسساتها الجامعة، والعمل على إنتاج نظام سياسي فلسطيني، يستجيب لجميع هذه التحولات، ويرتكز بشكل رئيسي، على منجزات الشعب الفلسطيني، وعلى طموحاته، ببرنامج وطني جامع، يقف على ركيزتي المقاومة والوحدة الوطنية، فالإفراط في لغة التخوين، والانزلاق إلى مستنقع تكميم الأفواه والأصوات المعارضة، واستنساخ تجارب قوى الاستبداد، وإسقاطها على الحياة السياسية الفلسطينية، لن تعود الا بكوارث ستصب دون أدنى شك في صالح المشروع الصهيوني، والاستمرار في تهميش قرارات الإجماع الوطني الفلسطيني، والتصرف انطلاقا من أحقاد حزبية ضيقة، والتعاطي مع الشعب الفلسطيني، من مستوى الفوقية، وحرمان الشعب الفلسطيني، من حقه في ممارسة رقابته الوطنية، على عمل المؤسسات الشرعية التي تمثله، والقيادة الرسمية الفلسطينية، في مواقع العمل الرسمي، لن يؤدي سوى إلى انفجار شعبي حتمي، من المفترض أن يكون بوجه العدو الصهيوني ومشاريعه الاستيطانية، وفقط بوجه هذا العدو المجرم..
تموز ٢٠٢١

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت