يلا نحكي: القيادة الحكيمة... والحريصة ... والراشدة ... والمستنيرة

بقلم: جهاد حرب

جهاد حرب
  • جهاد حرب

يعتقد بعض قيادات السلطة الفلسطينية أن المشكلة اليوم تتمثل بكيفية الخروج من جريمة قتل الناشط والمعارض السياسي نزار بنات في الحدود التقنية لجريمة القتل الجسدي، أي باعتبارها جريمة قتل عادية يتحمل مسؤوليتها من قام بتنفيذ جريمة القتل من أفراد وضباط ممن شاركوا في عملية الاعتقال ذاتها، دون النظر إلى رمزية الحادثة والصدمة المجتمعية والتبعات السياسية.

أدرك تماما أن أجهزة السلطة الفلسطينية بشقيها السياسي والأمني لا يوجد لديها منهجاً قائما على القتل أو الاغتيال السياسي أو يدعو إلى ذلك، إلا أن بشاعة جريمة القتل أعادت إلى الأذهان بشاعة جرائم قتل أخرى ليس أبعدها بشاعة مقتل أحمد عز حلاوة "أبو العز" والتعذيب المفضي إلى الموت والتنكيل بهم، لكنها أذكت الشعور الممزوج بالغضب والخوف وانعدام الثقة. كما أن هذا الأمر على مستوى السياسات يفيد بأن المؤسسة السياسية والأمنية لم تأخذ بالعناية الواجبة لحماية أرواح المواطنين أثناء الاعتقال أو لم تترجم توصيات لجان التحقيق الرسمية إلى تعليمات يُحترم تنفيذها، أو لا يأخذ بها على محمل الجد لضمان حماية الروح والجسد للمواطن الفلسطيني.

يبدو أن هذه القيادات لم تدرك بعد أربعة مسائل هامة للغضب على جريمة الاغتيال للناشط تزار بنات، المسألة الأولى؛ مرتبطة بذات الشخص المعارض من خلال التعبير عن آرائه السياسية والاجتماعية دون استخدام العنف الأمر الذي أثار النخب الثقافية من جهة، والناشطين الاجتماعيين من جهة ثانية، والمعارضين السياسيين من جهة ثالثة، والحريصين على الوطن وبناء الدولة الخشية على كرامة المواطن وحفظ حرمة جسده وروحه ومستقبل أبنائه. أما المسألة الثانية؛ فهي تتعلق بطريقة الاعتقال وظروف الموت والعنف المفرط المستخدم في التعذيب. وتتعلق المسألة الثالثة؛ بآلية اتخاذ القرار سواء فيما يتعلق بتوقيت قرار الاعتقال ذاته أو في ردة فعل المؤسسة الرسمية والصمت القاتل والتأخر في المعالجات السياسية لهذه الجريمة واعتماد الوسائل التقليدية في المعالجة التي لا تحظى بثقة المواطنين.

وتتمثل المسألة الرابعة؛ بالظروف المحيطة بالجريمة التي جاءت بعد انخفاض كبير في ثقة المواطنين بالنظام السياسي نتيجة غياب الأفق السياسي وانعدام ، والفشل في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وغياب المعالجات لقضايا فساد ماثلة، وفقدان الشباب بالأمل والمستقبل، والشعور بأن النظام السياسي يعمل لصالح فئة محدودة وليس للصالح العام بتحكمه بموارد الشعب الفلسطيني لفائدة فئة سياسية واحدة دون غيرها. وشعور لدى جمهور واسع  من المواطنين بخذلان السلطة الفلسطينية لهم أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبانعدام المشاركة الشعبية في صنع السياسات وحرمانهم من الشعور بملكية القرارات سواء في ضعف مساحات المشاركة أو إلغاء الانتخابات التي كان مزمع عقدها في شهر أيار/ مايو الفارط، وضعف حجج المتنفذين "السياسيين منهم والموظفين" في تبرير أفعال النظام السياسي وقرارته، أي بالمعنى الدارج أن الماكينة اليوم لم يعد تزيتها بذات الصنف قادر على عودتها للعمل، الأمر الذي يتطلب عملية إصلاح سياسي جوهري يُشعر الفلسطينيين بالتغيير في المنهج والأشخاص وطرق المعالجة.   

كما أن ديماغوجية شعارات هذه "القيادات" وإلصاق الاتهامات وتشويه الاخرين لم تعد مقنعة أو ذات معنى أو جدوى، وإنما تعود بأثر عكسي على السلطة الفلسطينية والحزب الحاكم فيها؛ فعلى سبيل المثال التحريض على أن حركة حماس تريد أن تنقلب على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو أمر غير ممكن بل مستحيل، وإن هي رغبت بذلك، فذلك لا يعود لقدرة السلطة أو إمكانياتها أو شعبيتها بل لأن سلطات الاحتلال لن تسمح بذلك لعيون المستوطنين وليس حرصا على السلطة الفلسطينية. كما أن المتحدث بذلك لم يستخلص العبر لما جرى في قطاع غزة قبل عام 2007 من صراع بين أجنحة حركة فتح السياسية والتنظيمية والعسكرية، وامتناع المؤسسة الأمنية عن حماية أرواح المواطنين بمن فيهم عناصرها وضباطها؛ كامتناع وعدم تحرك الأجهزة الأمنية لحماية العقيد في الامن الوقائي آنذاك الشهيد محمد غريب "أبو المجد" وعائلته عند حصار عناصر حركة حماس لمنزله بحشود عسكرية لأكثر من ثماني ساعات متواصلة.

أما مسألة التمويل الأجنبي، فهذه التهمة لم تعد تنطلي على أحد؛ فالسلطة هي اكبر جسم فلسطيني يحصل على تمويل من جهات أجنبية منها أطراف، بالعرف الثوري لحركة فتح، تعتبر معادية للشعب الفلسطيني وأهدافه وتطلعاته. وأما اتهام المحتجين بالمشاغبين أثبتت أحداث يوم الاحد الفارط عكس ذلك بل أنه مناقض لقيم الدولة المنصوص عليها في وثيقة الاستقلال وأحكام القانون الأساسي الضامنة لحق الاختلاف والحق بالاحتجاج والتجمع، وهي تفرض المسؤولية على أجهزة الدولة الأمنية والمدنية توفير الحماية لممارسة هذا الحق وضمان سلامة أرواح المحتجين السلميين من الاعتداءات المحتملة عليهم.

لا يذهب العقلاء لتخوين شعوبهم أو يطلقون العنان لشهوات العنف والاقتتال الداخلي بل يبحثون عن مخارج وحلول للأزمات عبر آليات ووسائل تقلل من الضحايا والعنف، وتستعيد الوحدة ورص الصفوف لمواجهة التناقض الرئيسي مع الاحتلال، وفي الطريق إلى ذلك القيادة السياسية محمولة على تحمل مسؤولية اتباع إجراءات وتدابير وسياسات توقف تدهور الأوضاع.

مما لا شك فيه، إن القيادة الحكيمة لا تستقوي بغطرسة القوة لفرض هيمنتها على الشارع "كما ينادي البعض" بل في فتح منصات للحوار وتهيئة الأجواء للوصول إلى اتفاق على مسارات العمل المشترك. والقيادة الحريصة على الوطن تستثمر المقدرات والثروات والإمكانيات لخدمة المواطنين جميعا. والقيادة الراشدة لا تنظر إلى الوشوشات لحماية مصالح أفراد أو فئة محددة بل تُعلي الصالح العام على المصالح الخاصة. والقيادة المستنيرة تتخلص من أركان مثلث الاستبداد؛ الفساد السياسي والفشل البرامجي والكذب المفضي لانعدام المصداقية، التي تفقد أي نظام سياسي ثقة المواطنين وتفشي الجور في البلاد وتلحق الظلم بالعباد.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت