- د. أسامه الفرا
يطلق لفظ الجماعة على مجموعة من البشر تتحدد بصفات تميزها عن غيرها وتسعى لتحقيق أهدافها عبر منهج وسلوك يولد من رحم الأفكار التي تحتضنها، وقد تولد جماعات من ذات الفكرة إلا أن كل منها يشق طريقه بمعزل عن الآخر إما لفهمها المختلف للفكرة ذاتها أو نتيجة التباين في السلوك لتحقيق الأهداف، والجماعة في السياسة قد تحمل فكراً ومنهجاً تتجاوز فيه الجغرافيا أو أنها تكتفي بقطريتها أو قد تتمحور حول فرد، وليس بالضرورة أن تحمل الجماعة فكرة نبيلة تدافع عنها بل منها من تسعى لتحقيق مكاسب ذاتية بعيداً عن المصلحة العامة.
ولسنا هنا بمعرض البحث في الجماعات سواء تلك التي تحركها عقيدة دينية أو فلسفة سياسية والتنقل بين ما تحمله من فكر يميني أو يساري وما بينهما، وإنما حول جماعة الوقواق التي تجدها في كافة الجماعات، والوقواق طائر صغير يصنف على أنه أخبث وأنذل الطيور، ويبني حياته الخاصة على المكر والخديعة فلا يكلف نفسه عناء بناء عش يحفظ فيه صغاره، بل يفتش عن عش طير آخر ليضع بيضة واحدة فيه مستغلاً غياب الطائر صاحب العش عنه، وكي لا يلفت انتباه صاحب العش إلى خديعته يقدم أولاً على إلقاء بيضة خارج العش ليضع مكانها بيضته ويتركها في حضانة الطائر صاحب العش، والتي عادة ما تفقس قبل غيرها، العجيب في النذالة المتأصلة في هذا الطائر أنه بمجرد أن يخرج من البيضة وقبل أن يشتد عوده يبدأ بإزاحة باقي البيض من العش واحدة تلو الأخرى لينفرد وحده بكل ما يأتي به صاحب العش من طعام، المهم أن خديعة الوقواق تنطوي على صاحب العش الذي يواصل إطعام الفرخ الصغير معتقداً أنه ابنه الشرعي.
فلسفة الخبث والنذالة التي يتسم بها طائر الوقواق تجدها داخل كل الجماعات السياسية بغض النظر عن طبيعتها، وجماعة الوقواق هذه تتغلغل في الأحزاب والحركات لتحقق مصالحها الخاصة دون أن تكرس شيئاً من جهدها في خدمة الصالح العام، هي لا تكتفي بالاحتيال بل تنشط في تزوير التاريخ وطمس الحقائق التي لم تكن في يوم من الأيام جزءاً منها، وبديهي أن المنتمين لهذه الجماعة وهم كثر تجدهم يستعرضون في كل شاردة وواردة خدماتهم الجليلة للوطن والمواطن، ليس هذا فحسب بل أنهم يدعون بأن لهم في رأس المال ما ليس لغيرهم، ولو قدر لنا أن نحصي ما دفعوه وغيرهم في رأس المال لوجدنا لدينا رصيداً لا يكفي فقط لتحرير فلسطين وإنما يفيض منه الكثير بما يكفي لتحقيق العدالة في ربوع الوطن العربي.
المشكلة مع جماعة الوقواق لا تتعلق بالمطلق بالمعادلة المختلة بين ما قدموه للوطن وما أخذوه منه، بل التصرف بالوطن على اعتبار أنه مزرعة هم مالكيها وما نتج عنه من انقلاب في مفهوم المواطنة حيث تحول المواطن من موقع الشريك في الوطن إلى الأجير فيه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت