- بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
7 تموز/يوليو2021
لم يكن الإضراب عن الطعام يوماً هو الخيار الأول أمام الأسرى، كما لم يكن هو الخيار المفضل لديهم، وليس هو الأسهل والأقل ألماً ووجعاً، وإنما هو الخيار الأخير وغير المفضل، وهو الأشد إيلاماً والأكثر وجعاً، فهم لا يهوون تجويع أنفسهم ولا يرغبون في إيذاء أجسادهم، كما لا يرغبون في أن يسقط منهم شهداء في السجون.
لكنهم يلجؤون لهذا الخيار مضطرين ورغما عنهم، وذلك بعد استنفاد الخيارات الأخرى، وبعدما يتوصل الأسرى الى قناعة بفشل تلك الخيارات التي تُعتبر أقل ألما وقسوة، في ظل تقاعس المجتمع الدولي وعجز مؤسساته الحقوقية والإنسانية عن إلزام دولة الاحتلال باحترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجونها ومعتقلاتها، وذلك تجسيداً لثقافة المقاومة، باعتبار الإضراب عن الطعام شكلاً من أشكال المقاومة السلمية خلف القضبان، وعلى قاعدة أن الحقوق تُنتزع ولا توهب، وصوناً لكرامتهم المهانة، ودفاعاً عن مكانتهم النضالية والقانونية ومشروعية مقاومتهم للمحتل.
لقد خاض الأسرى منذ عام 1967 عشرات الإضرابات الجماعية عن الطعام، أقدمها كان في سجن الرملة عام 1968، وأطولها في عسقلان عام 1976 واستمر لـ 45 يومًا، وأشهرها في سجن نفحة في تموز1980 واضراب 1992، وأحدثها "الحرية والكرامة" عام 2017، فيما أعلن المعتقلون الإداريون قبل عامين تقريبا إضرابا متدحرجا رفضا للاعتقال الإداري.
وقد شهد سجن عسقلان في الخامس من تموز/ يوليو عام1970، بدء الإضراب الجماعي، الذي يُعتبر أول إضراب منظم عن الطعام يخوضه الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، واستشهد فيه الأسير عبد القادر أبو الفحم بعد سبعة أيام من انطلاقه. والحق أن هذا الإضراب المبكر، شكّل حافزاً للحركة الأسيرة، نحو المزيد من الإضرابات الجماعيـة المنظمة والنوعية عن الطعام. فتوالت الإضرابات بعد ذلك، في كافة السجون، وقدم الأسرى خلالها تضحيات جساما، وسقط المزيد من الأسرى شهداء، ويٌعتبر عبد القادر أبو الفحم الذي استشهد في سجن عسقلان عام1970 هو أول شهداء الاضرابات عن الطعام، ومن ثم تبعه راسم حلاوة وعلى الجعفري عام 1980 واسحق مراغة عام 1983 وحسين عبيدات عام 1992. هذا بالإضافة الى أن الإضرابات عن الطعام تسببت بأمراض كثيرة واعاقات عديدة لعشرات من الأسرى الفلسطينيين جراء التغذية القسرية والاجراءات التعسفية والاهمال الطبي للمضربين.
ومع مرور الوقت أضحت الاضرابات عن الطعام –رغم مرارتها وقسوتها- ثقافة متجذرة لدى الحركة الوطنية الأسيرة، ومن خلالها استطاع الأسرى الذود عن كرامتهم وانتزاع العديد من حقوقهم المسلوبة وتغيير الشروط الحياتية وتحسين ظروف احتجازهم. ومنذ أواخر العام 2011، ولأسباب ودوافع عديدة وظروف ذاتية وموضوعية فرضتها المرحلة، برزت الإضرابات الفردية وخاض مئات الأسرى والمعتقلون اضرابات فردية، حتى غدت ظاهرة آخذة في الاتساع وأرقامها تسير إلى الارتفاع، وأن غالبيتها العظمى كانت رفضا للاعتقال الإداري.
واليوم نقف احتراماً وتقديرا، ونسجل فخراً واعتزازاً أمام صمود المعتقل الفلسطيني الغضنفر أبو عطوان (28عاما) من مدينة دورا جنوب الخليل، المتسلح بالإرادة والعزيمة والإصرار على مواصلة إضرابه عن الطعام والذي بدأه في الخامس من آيار/مايو الماضي، رفضا لاستمرار اعتقاله الاداري، دون تهمة أو محاكمة.
ان اضراب المعتقل الفلسطيني الغضنفر أبو عطوان، ليس اضراباً عاديا، أو مجرد أيام صعبة يقضيها في ظروف غير طبيعية، وقد تجاوزت الشهرين بأربعة أيام، وإنما يشكل ملحمة بطولية وحالة نضالية ومرحلة حملت في طياتها الكثير من المحطات وتستدعي الوقوف أمامها وتسليط الضوء عليها، كما وتستوجب التحرك الجاد والفاعل لنصرة أبو عطوان ووضع حد لمعاناته المتفاقمة، في ظل تدهور حالته الصحية ورفض سلطات الاحتلال نقله الى المشافي الفلسطينية لتلقي العلاج، ومحاولاتها الالتفاف على اضرابه وسعيها لكسر ارادته من خلال ما يُسمى "تجميد" قرار الاعتقال الإداري، والذي لا يعني الالغاء. لذا قرر "ابو عطوان" الاستمرار في معركة الأمعاء الخاوية، برغم الظروف المحيطة وما يُمارس بحقه من إجراءات قمعية واستفزازية، وما يتعرض إليه من ضغوطات نفسية وجسدية، وهو ما يزال مستمرا في إضرابه عن الطعام حتى تحقيق الانتصار وإنهاء اعتقاله التعسفي وانتزاع حريته المشروعة.
ان معركة "الغضنفر أبو عطوان"، هي معركتنا جميعا، ومن الواجب دعمه واسناده بكل الوسائل الممكنة في مواجهة السجان وسياسة الاعتقال الإداري، وتوسيع الحراك النضالي ودائرة الفعل والتضامن المحلي والاقليمي والدولي، وهذا يشكل عاملا اساسيا وملحا لانتصار نضالات الأسرى خلف القضبان.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت