قانون المواطنة في إسرائيل: أول الغيث قطرة

بقلم: سنية الحسيني

سنية الحسيني

د. سنية الحسيني

فشل الائتلاف الحاكم في إسرائيل في تمديد قانون المواطنة بعد ثلاثة أسابيع فقط من تسلمه مهامه، وواجهت الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت أولى هزائمها المتوقعة، والتي جاءت على الرغم من توصل الحكومة إلى تسوية بين أعضاء ائتلافها، لكن دون الوصول إلى إجماع  من الصعب الخروج بأي قرار مستقبلي شبيه، في ظل مواجهة عنيدة من المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو، وفي ظل التباين الأيديولوجي الشديد بين أعضاء الائتلاف.

 

في ظل معطيات المعادلة السياسية القائمة في إسرائيل، يبدو أن نتنياهو بدأ يلعب دور المقوض والمعطل للحكومة الجديدة، واضعاً مصلحته الشخصية، على حساب أي مصالح أخرى في بلاده. وتبدو المفارقات واضحة عندما نعلم أن الأحزاب اليمينية التي دعمت تمديد العمل بهذا القانون على مدار أكثر من ١٨ عامًا، وطالب العديد منها باستبداله العام الماضي بقانون أساس دائم، قد صوتت جميعها بالاجماع ضد تمديد العمل به يوم الثلاثاء الماضي، ممثلة بجميع أعضاء الليكود والحزب الصهيوني الديني ويهدوت هتوراه وشاس - باستثناء عضو واحد فقط. وبات موقف الأحزاب اليمينية في إسرائيل اليوم ينسجم مع موقف الأحزاب العربية بجميع أطيافها وحزبي العمل وميرتس التي قامت بالتصويت ضد تمديد العمل به، دون نتيجة، بل تقدم حزب ميرتس خلال العقدين الماضيين بثلاثة التماسات ضد القانون، رفضت جميعها من قبل المحكمة العليا.

 

لم يكتف نتنياهو بتقويض عمل حكومة بلاده صراحة، بل اعتمد أسلوب المساومة الصريحة، لتمرير تشريعات متطرفة، تهدف في الأساس وبشكل مباشر لكسر تماسك ائتلاف الحكومة الهش. عرض حزب الليكود على  الحكومة الائتلافية تأييد تجديد العمل بقانون المواطنة المؤقت مقابل موافقتها على تشريع يعترف بالبؤر الاستيطانية المبنية بشكل غير قانوني في الضفة الغربية، الأمر الذي يفتح جبهة خلاف واسعة في الائتلاف ليس فقط بين يمينه ويساره بل ومع الوسط أيضاً. كذلك عرض نتنياهو على حكومة بينيت سن قانون أساس للمواطنة، ليحل بشكل دائم مكان القانون المؤقت الذي ساهم في عدم تجديده، مؤكداً إنه إذا تم تمرير مشروع القانون الدائم بالقراءة الأولى، فإنه سيدعم تمديد العمل بقانون المواطنة المؤقت لمدة محددة. إن ذلك من شأنه أن يتسبب في صدام جديد بين أعضاء الائتلاف الحكومي القائم، الذي قد يحول الاجراء العنصري المؤقت الذي يرفضه بشده الفلسطينيون والتيار اليساري في الائتلاف إلى قانون أساس دائم. 

 

يتمحور قانون المواطنة، الذي سنه الكنيست بشكل مؤقت عام ٢٠٠٣، على أساس تجديده سنوياً، حول منع لم شمل الفلسطينيين المقيمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ بأزواجهم الفلسطينيين المقيمين في أراضي  الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨ من حملة الجنسية الإسرائيلية أو سكان القدس. ويشكل هذا الاجراء استثناءً خاصاً موجهاً ضد الفلسطينيين، يتضح عند مقارنته بالإجراءات العامة في إسرائيل، إذ يسمح القانون لأي شخص غير فلسطيني يحمل جنسية بلد ثالث أن يحصل بزواجه من شخص إسرائيلي على إقامة مؤقتة تمهد له الطريق للحصول على الجنسية الإسرائيلية. ووسع  القانون من شريحته المستهدفة عام ٢٠٠٧، فباتت تشمل أيضاً مواطني أربع دول أخرى، هي سورية ولبنان والعراق وإيران، على أساس أنها دول معادية، مع أنها عملياً تشمل دولاً عربية أخرى بما فيها الأردن ومصر، وأي بلد يقيم فيه الفلسطينيون.

 

لجأت الحكومة الإسرائيلية لامتصاص حدة الانتقادات المحلية والدولية على التمييز العنصري الصريح ضد شريحة إثنية من مواطنيها، بإجراء تعديل على القانون المؤقت عام ٢٠٠٥، سمح بحصول الأزواج الفلسطينيين، الذين تزيد أعمار الرجال منهم عن ٣٥ سنة والنساء عن ٢٥ سنة، على تصاريح إقامة من وزارة الداخلية، تجدد سنوياً، دون أن يضمن ذلك حصولهم على الجنسية الاسرائيلية. وبقي لم شمل الفلسطينيين مرهوناً طوال العقدين الماضيين ما بين تعقيدات قانون المواطنة المؤقت وبين البيروقراطية الممنهجة في وزارة الداخلية. وتتمسك إسرائيل بهذا النهج حتى وإن لم يجر تمديد القانون الآن، بل أن هناك مساعي لإقراره بشكل دائم كقانون أساس ومنظم تشريعي تقوم على أساسه التشريعات الأخرى. يأتي ذلك على الرغم من أن الذريعة الأمنية التي تم التحجج بها لإقرار قانون المواطنة المؤقت، والذي جاء بعد أن وصلت الانتفاضة الثانية ذروة تأجيجها عام ٢٠٠٢، قد انتهت منذ وقت طويل.

 

جاء قانون المواطنة المؤقت في الأساس كي يحد من عدد الفلسطينيين داخل إسرائيل، من خلال تعقيد إجراءات انتقال مزيد من الفلسطينيين إلى إسرائيل. ويتضح ذلك عندما نعلم أن فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة الذين تزوجوا من فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية أو هوية القدس قد واجهوا أيضا الكثير من الصعوبات في الحصول على الإقامة والمواطنة الإسرائيلية بعد توقيع اتفاق أوسلو عام ١٩٩٤، ولكن ليس بالقدر الذي جاء بعد إقرار القانون.

 

وصف يائير لابيد رئيس الوزراء الاسرائيلي البديل القانون بأنه «أحد الأدوات المصممة لضمان الأغلبية اليهودية في إسرائيل»، بينما اعتبر بيني غانتس زعيم حزب «أزرق أبيض» ووزير الحرب الاسرائيلي أن القانون كان «حاسماً للحفاظ على الطابع اليهودي للدولة»، في حين اعتبرت أييليت شاكيد وزيرة الداخلية الاسرائيلية بأنه ضروري «لأسباب ديموغرافية». لم يتعد عدد الفلسطينيين القادمين من الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ والمقيمين حالياً  في إسرائيل بسبب الزواج من إسرائيلي منذ عام ٢٠٠٣ حتى اليوم ١٥ ألف فلسطيني، في حين كان يشكل هذا العدد مجموع عدد الحاصلين على الإقامة من ذات الفئة في العام الواحد قبل صدوره.

 

لا ترجع مشكلة في هذا القانون سواء على المستوى المؤقت أو الدائم إلى تمييزه ضد الفلسطينيين فقط، فبالاضافة إلى التمييز الواقعي والفعلي لدولة الاحتلال ضد الفلسطينيين المواطنين في أراضيها، ميز قانون الأساس للدولة اليهودية، الذي صدر عام ٢٠١٨، بوضوح بين اليهودي وغير اليهودي في إسرائيل. يعد الهدف الرئيس منه الحد من عدد الفلسطينيين في بلادهم، اذ لا يقتصر هذا الهدف داخل حدود إسرائيل فقط، بل يمتد أيضاً إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧، فإسرائيل لا تزال تسيطر على سجل السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧، وتسيطر على حدودها، تحدد فعلياً من يدخل اليها ومن يحصل على بطاقة الهوية الفلسطينية. إن التهديد الديموغرافي يبقى حاضراً في الذهنية الصهيونية، خصوصاً بعد أن نعرف أن عدد الفلسطينيين واليهود بات متعادلاً تقريباً فوق أرض فلسطين، رغم كل ما يمارسه الاحتلال من إجراءات لتقليص عدد الفلسطينيين سواء في أراضي ١٩٤٨ او عام ١٩٦٧.

 

يبدو أن التحديات القادمة أمام الحكومة الإسرائيلية الجديدة كبيرة، فنجاح نتنياهو في تقويضها وتعطيل تمرير قانون جرى تمريره على مدار ١٨عاما سيشكل حافزاً له لتبني مزيد من المؤامرات في الأيام القادمة. ومن المتوقع أن يكون القانون الأساسي للمواطنة الذي تقترحه النائب ماي جولان عن حزب الليكود، ليحل مكان قانون المواطنة المؤقت والذي انتهت صلاحية العمل به يوم الثلاثاء الماضي، من بين تلك المخططات القادمة. كما أن الحكومة، التي منيت بهزيمة أمام المعارضة، بإمكانها أن تعيد طرح القانون من جديد الأيام المقبلة من أجل التصويت عليه. لا يعني ذلك أيضاً أن عدم تجديد قانون المواطنة المؤقت قد أنهى مشكلة الفلسطينيين في إسرائيل، فقد أكدت شاكيد أنه في حال عدم تمديد العمل به، بإمكانها استخدام صلاحياتها كوزيرة داخلية لرفض طلبات لمّ الشمل بشكل فردي.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت