مع بداية شهر تموز من كل عام، تشهد الأسواق الفلسطينية غزوا لثمر الصبار " التين الشوكي"، ويمكن مشاهدة بائعيه على الأرصفة وداخل الأسواق، باعتباره مردودا اقتصاديا لكثير من العائلات، ولكونه نباتا لا يحتاج إلى العناية والري والسماد والمتابعة الدائمة وتكاليف إنتاجه قليلة جدا.
هذا العام تغير المشهد تماما. فلم تشهد الأسواق ظهورها لثمار الصبار الا القليل، عقب اصابة النبات بمرض يطلق عليه "الحشرة القرمزية" أو "المن القطني"، والذي يشكل طبقة تشبه القطن حول الواح الصبر والثمار، وتحول الثمر من اللون الأخضر إلى القرمزي أو الأحمر الفاتح، ما ينذر بخطر بيئي لسنوات مقبلة.
وتشتهر عدد من القرى في رام الله وسلفيت ونابلس وجنين، إضافة إلى قطاع غزة، بزراعة نبات الصبار وتسويقه على مستوى الوطن، وبعضها اتخذ منه سمة عامة كما في بلدة نعلين غرب رام الله والتي تنظم مهرجانا سنويا للتسويق والتعريف بثمار الصبار.
رافد اقتصادي ومشغل للكثير من العائلات
رئيس بلدية نعلين عماد الخواجا، أكد أنه قبل حوالي ثمانية شهور ظهر مرض يُعرف بالحشرة القرمزية على نبات الصبار في احدى القرى المجاورة ومن ثم انتقل إلى بلدة نعلين، وجرى تبليغ وزارة الزراعة والجهات المختصة، من أجل السيطرة ومكافحة هذه الحشرة التي اطاحت بنحو 70% من محصول ثمار الصبار لهذا العام.
وقال في حديث لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، إنه جرى التعامل مع الحشرة القرمزية ورش مبديات حشرية، لمكافحتها والحد من انتشارها، الا أن الأمر خرج عن السيطرة وبحاجة إلى دعم مالي لارتفاع التكاليف، وبحاجة إلى معدات خاصة لرش هذه المبيدات.
وأضاف، أن "بلدة نعلين تشتهر بثمار الصبار وفيها ما يقارب 2000 دونم مزروعة من الصبار والتي تنتج ما يقارب 75 طنا سنويا؛ وهي تشكل مصدر رزق لعدد من العائلات وتعتاش من ورائه كباقي المواسم الزراعية".
وتابع الخواجا: "هناك تخوف من تدمير وتلف نبات الصبار في البلدة إذا لم يتم السيطرة على الحشرة القرمزية".
وفي بلدة فقوعة شرق جنين، حاول المزارع راسم الخطيب، المسؤول عن 12 دونما مزروعة بنبات الصبار، مكافحة الحشرة القرمزية ورش النبات لأكثر من ست مرات، وباستخدام أكثر من نوع من انواع المواد الكيماوية، الا أنها لم تنجح.
المزارع الخطيب ينتج سنويا نحو 4 أطنان من ثمار الصبار، وبيعها في الاسواق، أكد أن موسم قطف ثمار الصبار يشكل مصدر دخل للكثير من العائلات ويوفر عمل للكثير من المواطنين.
وقال: "هذا العام نعاني من انتشار من مرض "المن القطني" وتم التواصل مع وزارة الزراعة من أجل مكافحته، وجرى رش النبات لأكثر من ست مرات وهو أمر مكلف نكافح، إضافة إلى أنه يجب أن تكون المكافحة بشكل جماعي وعلى مستوى الوطن".
وأضاف الخطيب "لم يبق سوى نسبة ضئيلة من المحصول، هناك تخوف من موت النبات".
قيمة غذائية خاصة لثمر الصبار
وتعتبر فاكهة الصبر من الفواكه المميزة خلال فصل الصيف بمنطقتنا، ويحبها الناس نظراً لطعمها المميز، كما تحتوي على فوائد صحية عديدة، حسب ما أكدته أخصائية التغذية، المحاضرة في قسم التغذية والتصنيع الغذائي في جامعة النجاح الوطنية، ألما إرشيد.
وقالت إرشيد: إن "ثمرة الصبار تمتاز بأنها من الفواكه معتدلة السعرات الحرارية فكل حبة متوسطة الحجم تعادل حوالي 50 سعر حراري، كما تعد من الفواكه المناسبة لمرضى السكري حيث أنها لا تؤدي إلى ارتفاع مفاجئ بسكر الدم، إضافة لوجود كمية عالية من الألياف الغذائية المفيدة لأمراض عديدة من ضمنها ارتفاع الكوليسترول، ووجود معدن المغنيسيوم المفيد لحركة العضلات وانتظام ضربات القلب، إضافة لتحسين كفاءة عمل الإنسولين بالجسم، حيث كل حبة متوسطة تغطي حوالي 21٪ من احتياجات الجسم الكلية من هذا المعدن والذي قد يصعب الحصول عليه من مصادر كثيرة، إضافة لاحتوائه على كميات بسيطة من الكالسيوم والبوتاسيوم، كما أنها تحتوي على عدة أحماض أمينية و بالتالي تساهم بتغطية جزء من احتياجات الجسم منها.
كارثة بيئية وخطر يهدد حياة الصبار لثلاث سنوات مقبلة
بالنسبة للمدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية في فلسطين، عماد الاطرش، الذي وثق الحشرة القرمزية، فيرى أن ما اصاب نبات الصبار خطر حقيقي ويهدد حياتها ووجودها لثلاث السنوات المقبلة إذا لم يتم مكافحة هذه الحشرة، التي جرى اكتشافها أول مرة في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال افريقيا، وعانت منها مملكة المغرب كثيرا.
وأوضح في حديث لـ"وفا"، لهذا المرض عدة أسماء حسب التقسيم الدولي والمحلي والاقليمي، منها ما يطلق عليه "المن الأبيض"، كونه يشبه القطن وناصع البياض، وأخرى تطلق عليه "الحشرة القرمزية" كونها تحول ما بداخل الثمر من الأخضر إلى اللون القرمزي الاقرب إلى لون الدم، وهناك من يطلق عليه "حشرة البق الدقيقي".
وبين أن الحشرة تغزو ساق نبات الصبار كنقطة واحدة، ثم تبدأ ببناء مستعمرة على الالواح والثمار وتبدأ بإفراز مادة قرمزية، بعد امتصاص العصارة الموجودة بداخل الألواح والثمار.
وأشار الاطرش إلى أن عدة عوامل تساعد في انتشار وانتقال هذه الحشرة، ومن الممكن أن يكون الهواء أحد هذه العوامل، إضافة الى الأدوات الزراعية والحيوانات التي ممكن أن تلتصق بها، مؤكدا أنها تكثر في المناطق عالية الرطوبة مثل قرى غرب رام الله نعلين، وعابود، وفي قريتي فقوعة وجلبون شرق جنين.
وأوضح أنه ممكن مكافحة الحشرة القرمزية من خلال اداة طبيعية، مثل استخدام بعض الحشرات كالصمل الذي يعتبر من عائلة الدبابير والنحل. وناشد وزارة الزراعة والمزارعين بضرورة العمل الفوري، من أجل مواجهة انتشار هذه الحشرة، ووضع خطة واستراتيجية فورا، إضافة إلى المكافحة عن طريق خطوات على الأرض، من خلال استخدام مواد مكافحة لوجود هذه الحشرة، التي اصبحت تهدد حياة نبات الصبار والتي قد تؤثر على التنوع الحيوي ولو بشكل ضئيل.
الزراعة: يجب تكاثف الجهود من أجل السيطرة على انتشار "الحشرة القرمزية"
وزارة الزراعة بدورها تتابع انتشار الحشرة القرمزية عن كثب، وتحاول جاهدة الحد من انتشارها.
وتحدث رئيس قسم أمراض النبات في وزارة الزراعة، عماد عيد، عن "الحشرة القرمزية" واصفا اياها بأنها حشرة قشرية رخوية على شكل بيضوي لونها أرجواني داكن يتحول الى قرمزي إذا ما تم طحنها، وهي حشرة تصيب ألواح الصبار وتتغذى عليه وتضعفه.
وقال عيد في حديث لـ "وفا"، إن هذه الحشرة تشكل خطرا بعد التزاوج بين الذكر والانثى، وعادة ما تتم هذه العملية في فصل الربيع، وينتج عنها بيوض تتحول إلى حوريات فيما بعد لها أرجل بدائية، تستغني عنها عند مرحلة البلوغ، والتي تستخدمها للتنقل من نبات إلى آخر، إضافة لذلك تفزر مادة خيوط شمعية مع الهواء تنقلها إلى نبات آخر.
وأضاف "أن الحشرة تنتشر بأعداد كبيرة وتمتص العصارة داخل النبات وتضعفه، بعد تشكل طبقة تشبه القطن الأبيض، ومع امتداد وانتشار الاصابة ممكن أن تؤدي الى سقوط الواح الصبار، وموت النبات بالنهاية.
وأكد عيد أنه لا خطورة على صحة الانسان إذا تناول الثمار المصابة، كونها لا تدخل إلى داخل الثمرة وانما تمتص العصارة منها؛ بناء على دراسات وفحوصات.
وبين أن أول ظهور للحشرة القرمزية كان قبل عامين في الضفة الغربية عندما جرى اكتشافها في قرية فقوعة شرق جنين، وجرى التعامل معها حسب الأصول والسيطرة عليها؛ كون المساحة كانت صغيرة ومحدودة، لكن الاصابة تنتشر بكثرة هذا العام في بعض قرى رام الله وسلفيت ونابلس وجنين، والتي تتسم بالرطوبة العالية والمحاذية لجدار الفصل العنصري منها.
وشدد عيد على ضرورة مواجهة الحشرة القرمزية والسيطرة عليها؛ من خلال الوقاية بحيث لا يتم نقل ألواح الصبار المصابة إلى مناطق سليمة، والعمل على وضع الثمار السليمة عند قطفها في صناديق بلاستيكية وليس خشبية من اجل تعقيمها في كل مرة للحد من نقل الاصابة.
وبين أن من الحلول أيضا اجراء عمليات زراعية للصبار رغم صعوبة التعامل معها والمناطق المحيطة بها، واجراء عمليات تقليم للصبار حتى يصل لها الهواء بشكل أفضل وبالتالي الحد من نسبة الرطوبة، والمساعدة في وصول أكبر قدر من المبيدات الحشرية في حال استخدامها، والمحبذ استخدمها مع بداية فصل الربيع مع التركيز على المناطق السفلية من النبات.
وناشد عيد المزارعين والمجالس المحلية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية بضرورة تكاثف الجهود، من أجل التعامل مع الحشرة القرمزية، خاصة أن وزارة الزراعة ليس لديها الامكانيات للتعامل مع هذه المساحات الواسعة من نبات الصبار.
يذكر أنه في العام 2017 أكد البروفيسور عبد الله غرة الباحث في علم الأحياء، أن "حربا بيولوجية" تشهدها البلاد من أجل إنقاذ شجرة الصبار الفلسطينية من الانقراض جراء تفشي حشرات خطيرة بعدما قضت على أعداد هائلة من الصبار في شمال فلسطين، وهي تتجه الآن نحو جنوبها بسرعة. ولفت إلى أن هذه الحشرة التي تنتقل مع الريح أو العصافير قد ظهرت قبل ثلاث سنوات في بلاد حوض البحر المتوسط خاصة إسبانيا وتسللت للجليل من جنوب لبنان على ما يبدو