- د. أماني القرم
تستعر هذه الايام حرب ديبلوماسية شعواء بين مصر الحبيبة والسودان من جانب وأثيوبيا البعيدة من جانب آخر بسبب إعلان هذه الاخيرة البدء في المرحلة الثانية من ملء خزان سد النهضة / منبع الخلاف/ ، والذي من المقرر أن يصل سعته التخزينية الى 74 مليار متر مكعب أي ما يساوي تقريباً الحصة السنوية من مياه نهر النيل لمصر والسودان مجتمعتين، وذلك دون اتفاق مسبق بين الأطراف الثلاثة .
مصر /بلد المصب/التي ارتبط وجودها ونشاطها الاقتصادي والزراعي والتنموي بنهر النيل عبر الاف السنين تخوض معركة وجودية منذ بناء هذا السد في العام 2011 ، حيث تكمن مخاوفها من أن تخزين المياه في السد سيقلل من حصتها مستقبلاً ويؤثر سلباً على قدراتها المعيشية والتنموية بمختلف المجالات..
ما دخل اسرائيل في الموضوع ؟ إن موقف تل أبيب المعلن من قضية سد النهضة مصاغ بشكل ديبلوماسي فج وينحصر في أن وجود السد يعد بمثابة مصدر للتعاون والتكامل الإقليمي لإثيوبيا ومصر والمنطقة بأسرها!
لكن الحقيقة أنه لا يمكننا تجاهل عدداً من المؤشرات الهامة المرتبطة بالصراع الناشئ بين مصر واثيوبيا حول مياه النيل . فالاهتمام الاسرائيلي بمصادر المياه عموماً وبحوض النيل على وجه الخصوص يقع في قلب الفكر الاستراتيجي الصهيوني .
استندت الحركة الصهيونية على أركان ثلاثة في مطالباتها وتطلعاتها لحدود مشروعها الكبير : الأول: تاريخي ديني حيث يقطع الرب ميثاقاً مع ابراهيم حسب سفر التكوين قائلا:"اعطي لنسلك هذه الارض من نهر مصر الى النهر العظيم/ الفرات".
والثاني: استراتيجي : فمنذ بداية المطالبة بالدولة المزعومة، سعى اليهود لأن تضم حدودها منابع نهر الاردن شرقاً وخط نهر الليطاني شمالاً . ونجد أن معركة المياه حاضرة في جميع حروب اسرائيل. فعلى سبيل المثال كانت حرب 1967 في اليوم الذي تقرر فيه السعي ضد تحويل مجرى نهر الاردن والسيطرة على مياه بحيرة طبريا باعتراف أرئيل شارون نفسه. بل إن أحد أسباب حرب 1982 التوسع نحو مياه نهر الليطاني كما تحدث بن غوريون قبل ذلك بسنوات.. ناهيك على أن جميع اتفاقات اسرائيل المبرمة تشتمل على بند المياه ، أما عن سرقة اسرائيل المياه الجوفية من أراضي فلسطين المحتلة وتحويلها للمستوطنات فحدث ولا حرج رغم سيطرتها على 85% من الخزان الجوفي الفلسطيني .
والثالث : اقتصادي بسبب الشح المائي الذي تعاني منه فلسطين المحتلة، ولأن المياه هي منبع الحياة للمشروع الاستيطاني الجيواستراتيجي ومصدر التنمية الرئيسي. وأي أزمة فيها تهدد اقتصاد هذا المشروع وحياته، ولأن مطالبات إسرائيل للمياه تفوق بكثير الموارد المتاحة ، فهي تسعى دوماً الى زيادة الابتكارات في مجال إدارة المياة والحصول عليها ..
ارتباط نهر النيل بالفكر الصهيوني عقيدي واستراتيجي ، ومع فشل المشاريع الصهيونية المتعددة التي تتعلق بالاستفادة من مياهه مثل مشروع هيرتزل ومشروع قناة السلام، فإن تطلعات اسرائيل نحو اثيوبيا بلد المنبع لنهر النيل والأسهل اختراقا بدأت منذ خمسينات القرن الماضي بزيارات جولدا مائير الأربعة الى أديس أبابا، وآمال شمعون بيريس ببناء "مصر" ثانية اقتصاديا وعسكريا في أثيوبيا لمواجهة مصر كأحد أهداف السياسة الخارجية الاسرائيلية المستقبلية بناء على مقابلة اجريت معه في العام 1966. كما أن منحنى العلاقات بين اسرائيل واثيوبيا يثير العجب لتسارعه منذ العام 1989 ، فقد ارتفعت نسبة الصادرات التكنولوجية الاسرائيلية الى أديس أبابا 500% في عام 2004 قياساً بعام 2003 . وشهدت البلدان زيارات مكثفة متبادلة يصطحب فيها الرؤساء وفودا من رجال الاعمال وخبراء المياه والزراعة والتكنولوجيا والاقتصاديين. المفارقة أنه بعد عامين على بدء بناء سد النهضة أي في العام 2013، تم توقيع اتفاق بين تل أبيب وأديس أبابا حول توزيع الكهرباء المنتجة من السد . وتوجت العلاقات بتزويد اسرائيل لأثيوبيا أحدث نظام دفاع جوي تم الانتهاء من نصبه حول سد النهضة في العام 2019 بعد تلويح مصر بإمكانية استخدام الورقة العسكرية .
والسؤال من بنى السد؟؟ فخر أثيوبيا كما يقولون!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت