شيع يوم الثلاثاء، جثمان الشابة سهى جرار ابنة الأسيرة خالدة جرار من منزلها في مدينة البيرة بالضفة الغربية، دون أن تتمكن والدتها من إلقاء نظرة الوادع على جثمانها.
وودعت الأسيرة خالدة جرار ابنتها سهى باكليل من الزهور كتب عليه عبارة :"حرموني من وداعك بقبلة.. أودعك بوردة".
وكانت عائلة جرار أعلنت في وقت سابق، وفاة الشابة سهى غسان جرار في منزلها خلف مستشفى رام الله، في ظروف طبيعية، مشيرة إلى أنّ التشخيص يظهر أن سبب الوفاة نوبة قلبية حادة.
وبالتزامن مع الإعلان عن وفاة سهى- باحثة رئيسية في دائرة البحث القانوني والمناصرة الدولية بمؤسسة “الحق”- انطلقت حملات للضغط على الاحتلال الإسرائيلي للإفراج عن الأسيرة خالدة جرار والسماح لها بإلقاء نظرة الوداع على ابنتها، إلى جانب تنظيم وقفة احتجاجية مساء أمس أمام سجن “عوفر”.
ورفضت مديرة مصلحة السجون الإسرائيلية طلب السماح للأسيرة خالدة جرار بالمشاركة في تشييع جثمان ابنتها سهى، وفق ما ذكرت مؤسسة “الضمير”.
وشيع جثمان سهى من منزل العائلة في البيرة إلى مسجد العين في البيرة ومن ثم إلى مثواها الأخير في مقبرة رام الله الجديدة.
وشارك المئات من أبناء الشعب الفلسطيني بمراسم التشييع وكان هناك العديد من الكلمات من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومن هيئة شؤون الأسرى، ومن محافظة رام الله، ومن عائلة جرار.
وأعربت الأسيرة خالدة جرار، في كلمة لها نقلها المحامون وألقتها شقيقتها سلام، عن عميق حزنها وألمها على رحيل ابنتها، ولعجزها عن المشاركة في الجنازة وتقبيل جبين سهى بسبب اعتقالها في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت جرار "أنا موجوعة لأني مشتاقة لضم سهى، ومن قوة هذا الوجع عانقت سماء الوطن، من خلال نافذة زنزانتي في قلعة الدامون في حيفا. أنا أم شامخة وصابرة رغم القيد والسجان، ولكني أيضاً أنا موجوعة من الاشتياق. لا يحصل كل هذا إلا في فلسطين، فقد أردت أن أودع ابنتي بقبلة على جبينها وأقول لها: احبك بحجم حبي لفلسطين. ولكن اعذريني يا ابنتي لأنني لم أكن في عرسك هذا".
وأكدت عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، أنها ستبقى قوية بقوة جبال فلسطين رغم ألم الفراق، وأن إكليل الورود الذي أرسلته ليوضع على ضريح ابنتها سهى، سيشكل قبلة تطبعها على جبين الراحلة رغماً عن سجاني "الدامون".
من جانبها، قالت محافظ رام الله والبيرة ليلى غنام، إن وداع سهى جرار جمع كل الأطياف الفلسطينية في مشهد يجدد التأكيد على أهمية الوحدة الوطنية.
وأضافت: "وحدتنا يجب أن تشكل البوصلة التي تهدينا الطريق الطويلة لإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، تحت علم فلسطين الذي دفع شبابنا وصباينا دماءهم من أجله، ويجب أن نخجل من أنفسنا حين نرى عذابات الأسرى والأسيرات".
وأشارت غنام إلى أن بكاء المناضلة خالدة جرار على فراق ابنتها لن يقلل من شموخها، بل سيخفف عن قلبها المكلوم ويعكس جانبا إنسانيا يفتقده الاحتلال الفاشي.
وفي كلمة العائلة، قال سهيل جرار عم الفقيدة، إن سهى كانت محبوبة من الجميع، وشرّفت عائلتها بالأخلاق والعلم والإنجازات على الصعيدين المهني والمجتمعي.
وأكد أن الراحلة التي فتحت عينيها على الحس الوطني، كانت من أوائل المبادرين لحملات مقاطعة الاحتلال ومشاريعه وبضائعه منذ كانت على مقاعد الدراسة وفي الجامعة، كما أنها مثلت فلسطين في العديد من المحافل والمؤتمرات الدولية، وكانت خير سفير بشهادة من عرفوها.
وفي كلمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قال رزق البرغوثي، إن خبر رحيل سهى جرار كان صاعقاً وترك حزنا وألما كبيرين، ضاعفهما رفض سلطات الاحتلال لمحاولات إطلاق سراح الأسيرة خالدة جرار من خلف القضبان، لتشارك في وداع فلذة كبدها.
ونيابة عن هيئة شؤون الأسرى والمحررين، قال مدير عام العلاقات العامة والإعلام في الهيئة ثائر شريتح، إن قدر الفلسطينيين أن يعيشوا في ظل مجتمع دولي كاذب وغير قادر على الافراج عن أم تتألم لوداع ابنتها، ومؤسسات دولية غير قادرة على الوفاء لرسالتها الإنسانية
واستهجن عدم تجاوب الاحتلال الإسرائيلي مع كل المساعي والجهود التي بذلت للإفراج عن الأسيرة خالدة جرار، وإصراره على حرمانها من المشاركة في تشييع ابنتها وتقبيلها للمرة الأخيرة.
وأضاف شريتح: "إن هذه جريمة يتحمل الاحتلال مسؤوليتها بالشراكة مع المجتمع الدولي، مشيرا إلى أن الراحلة استقت من أمها الأسيرة وأبيها المعتقل المحرر معنى النضال والصبر والتضحية والفداء، ولامست النضال منذ اليوم الأول في حياتها.
ونقل تلفزيون فلسطين الرسمي، مراسم التشييع على الهواء مباشرة، لكي تتابع الأسيرة خالدة جرار، تشييع جثمان ابنتها سهى من خلف الشاشة، داخل سجنها.
وكانت الأسيرة خالدة جرار قد قالت لمحاميها عقب إبلاغها بوفاة سهى (31 عاما) "الخبر كثير موجع، وموجوعة على فراق سهى حبيبة قلبي لأني مشتاقة لها، بس سلموا على الكل...أنا قوية".
وخالدة جرار معتقلة في سجن "الدامون" الإسرائيلي، وهي قيادية بارزة في الجبهة الشعبية، وعضوة سابقة في المجلس التشريعي الفلسطيني، ومعتقلة منذ عام 2019.
وصدر بحقها حكم بالسجن لمدة عامين؛ بتهمة "توليها منصب في تنظيم الجبهة الشعبية المحظور بأوامر عسكرية إسرائيلية".