- زاهد عزت حرش
منذ اسابيع قليلة شهدت شوارع شفاعمرو، بداية من حي مرشان، حي العين، وحي المكتب، تثبيت يافطات تحمل اسماء شوارع هذه الحارات. ولا شك في ان هذه الخطوة عمل يستحق الاحترام والثناء.. وهو حاجة ملحة وضرورية في بلدة لها تاريخ عريق يعود لأيام الكنعانيين، ومركز دائرة رئيسية منذ ايام الباب العالي العثماني، حيث اعلن عن اقامة مجلسها البلدي الأول منذ عام 1910م. مما يؤكد ان عمرها البلدي يفوق عمر بعض المدن الكبرى في البلاد، اذ يصل الى ما ينيف عن 120 سنة. فيحق لها ان تحمل شوارعها اسماء اناس تركوا بصمات جليلة على تاريخها، بدل تلك الارقام التي ما زالت بعض الشوارع ترزح تحت تسميتها.
ولكن، في فورة هذا العمل المنشود، ظهرت بعض التسميات التي ازعجت الناس، فقام البعض بالاعتداء عليها، في حين ان هذا الاعتداء مرفوض، ولو انه جاء بشكل عفوي كرد فعل على اسم اساء للناس القاطنة في ذلك الحي، وفي البلدة عمومًا! اذ ما معنى ان يطلق على احد الشوارع اسم "شارع العنزة"، و"شارع فلفل" وغير ذلك ايضًا، مما اثار حمية البعض مما ادى الى تخريب تلك الاسماء او ازالتها. بيد اني لا انوي في هذه المقالة ان اناقش هذه المواضيع الجانبية، حيث ان هناك امور اهم من ذلك بكثير. وفي شفاعمرو كما في كل بلدة ومدينة صغيرة كانت أم كبيرة، هناك شوارع يمتد طولها لبضع مئات من الأمتار، وأخرى لا يتعدى طولها بضع عشرات من الخطوات، وعليه يكون اختيار اسماء الشوارع القصيرة بما يرضي سكان احيائها، اما الشوارع الطويلة فعليها ان تحمل اسماء من صنعوا مجدًا وتاريخًا لهذه المدينة.
واحق من يجب البدء بالحديث عنهم، هو طيب الذكر الدكتور موفق دياب، الذي رحل عنا في الأول من نيسان سنة 2008، بعد أن قضى اكثر من نصف قرن من عمره في نثر عطاءه الانساني الطبي لجميع من طرق باب عيادته، اضافة الى عمله طبيبًا متطوعًا لمعاينة نزلاء الملجأ العجزي في عسفيا، وعمله التطوعي اسبوعيًا في دير راهبات الناصرة في شفاعمرو، لمعالجة من يطرق باب عيادة هذا الدير من شفاعمرو وخارجها، اضافة الى تقديم العلاج للناس في كل من ابطن واماكن أخرى من البلدات المجاورة. ولقد عقد المجلس البلدي في شفاعمرو جلسة استثنائية رقم 6/2008 بتاريخ 25 ايار 2008.
وتم البحث بناءً على توصية لجنة التسميات، وذلك حول كيفية تخليد ذكرى المرحوم الدكتور موفق دياب، وجاء القرار كالتالي: "اطلاق اسم المرحوم على الشارع الممتد من الدوار المحاذي لمركز السلام (عمارة سمارة حاليًا)، حتى الدوار المحاذي لمدرسة عمال (والمعروف بالمدخل الغربي للمدينة). وذلك بعد ان تأكدت اللجنة ان هذا الشارع لا يحمل اسمًا عينيًا." وهذا هو النص الحرفي لقرار اطلاق اسم طيب الذكر على شارع مدخل شفاعمرو الغربي.
ولكن للأسف المحزن حقًا، ان هذا القرار لم تظهر نتائجه الفعلية، والمخزية التي تبعث على الشك وسوء الظن الى ما آلت اليه الامور، حيث ظهر الى العلن بعد مرور ثلاثة عشرة سنة من اتخاذ القرار الآنف الذكر، ولكنه ظهر موبئًا مشوهًا عبثيًا وسيئًا جدًا. اذ ان الشارع الذي اتخذ القرار بإطلاق اسم "الحكيم" عليه، اصبح يحمل اسم ظاهر العمر الزيداني..
فهل تعلم البلدية ومن يعطي الامر لتنفيذ قراراتها، ان ظاهر العمر الزيداني ومع خالص الاحترام لشخصه وتاريخه.. انه لم يزر شفاعمرو ولا مرة واحدة في حياته، بل اساء الى شفاعمرو اكثر من مرة، وذلك حين جعل ابنه عثمان واليًا عليها، وحين ارسل كتاب تهديد الى اهالي شفاعمرو، ينذرهم بهدم المدينة فوق رؤوس اهلها، اذا هي لم تتصدى لأبنه عثمان حين انشق عن سلطته، وجاء وحاصر المدينة ليعلن انسلاخها عن سلطة الظاهر؟؟ وان عثمان هذا، قام بالاعتداء على احدى نساء شفاعمرو!! فكيف يحق لكم ان تستبدلوا اسم الدكتور "الحكيم" موفق دياب باسم ظاهر العمر.. هناك طريق القلعة ما بين شارع جبور يوسف جبور وساحة القلعة، يمكنه ان يحمل اسم ظاهر العمر الزيداني..
أما شارع مدخل شفاعمرو الغربي، من مفرق الناعمة وحتى بداية شارع المعلم كمال جنبلاط، فعليه ان يحمل اسم "الحكيم" الدكتور موفق محمد علي دياب، تخليدًا واعتبارًا وذكرى محبة لهذا الانسان العظيم، ولكي ترتفع هامة شفاعمرو بتخليد اسم هذا الانسان، وتنير الطريق لكل عائد الى المدينة ولكل زائر لربوعها. باعتقادي ان الموضوع لا يحتاج الى اكثر من قيام المسؤولين في البلدية بالعمل على تنفيذ القرار آنف الذكر، بمهنية وموضوعية وهدوء والتزام تام. فالعودة عن الخطأ واحقاق الحق هو فضيلة وعمل جليل يحفظ كرامة البلدة واهلها.
وبالنظر لما ورد من اسماء لشوارع شفاعمرو، فإن على "لجنة التسميات" ان تكون على علم ودراية بتاريخ المدينة، وتاريخ الاشخاص الذين خدموا اهلها وقدموا لها من ذاتهم بكل تواضع ومحبة، وسأذكر هنا بعض الاسماء، التي اطلق اسمها على شارع ما، لكن لا يبدو ان من اتخذوا قرار تسمية هذا الشارع او ذاك، يعرفون افضال هؤلاء الناس، وآخرون لم تذكر اسمائهم ابدًا، واليكم بعض المعلومات حول البعض منهم.
داهود تلحمي، رئيس بلدية شفاعمرو منذ 1910م ولغاية 1934م. والجميع يعرف هذه المعلومة، لكن هل يعرفون ان هذا الفاضل خدم كل هذه السنوات دون ان يتلقى اي اجر او راتب لقاء ذلك؟ وهل يعلمون انه كان يدفع اجرة عمال وموظفي البلدية من ماله الخاص (كان العدد قليلاً طبعًا)، وانه كان يرصد ما تملكه البلدية من مال لتحسين ظروف الحياة فيها؟
رشيد الخوري، ولد رشيد الخوري سنة 1895.. تلقى علومه الاولى في المدرسة الاسقفية، من ثم تابع دراسته في مدينة حيفا. وبعد المرحلة العليا (الثانوية) سافر الى اسطنبول لمتابعة دراسته، من خلال منحة وهبتها له سلطة الدولة العثمانية، وتخرج من معاهدها سنة 1912م. بعد تخرجه عين سكرتيراً للوكالة السياسية في القنصلية العامة لدولة ايران، واستمر يشغل هذا المصب حتى سنة 1918م. بعد استيلاء الاحتلال البريطاني على فلسطين، عندها عاد رشيد الخوري الى حيفا وعين سكرتيرًا عامًا لبلديتها. كتب رشيد الخوري العديد من المقالات العلمية والادبية في الصحف الفلسطينية، كما عمل مراسلاً فخريًا لجريدة (المقطم) وغيرها من الصحف العربية، الصادرة في الاقطار العربية المجاورة. وقد كان خطيبًا لامعًا لُقب بخطيب الشرق. ومع ذلك لم يطلق اسمه على احدى شوارع شفاعمرو.
فؤاد صالح سابا، ولد فؤاد صالح سابا في شفاعمرو سنة 1902، تلقى العلوم في مدارسها الاميرية وفي المدارس الابرشية بشفاعمرو، من ثم التحق بالجامعة الامريكية ببيروت، وتخرج منها يحمل شهادة بكالوريوس في العلوم التجارية والاقتصادية. بعدها سافر الى انكلترا للتخصص في الحسابات القانونية وعاد الى فلسطين سنة 1924. كان سابا عضواً في جمعية المحاسبين القانونيين، وجمعية التحكيم والجمعية الاقتصادية في انجلترا. وقد اسس عند عودته الى فلسطين شركة للحسابات القانونية، واقام لها فروع في العديد من المدن الرئيسية في البلدان العربية المجاورة. خدم من خلالها اهالي وطنه على اختلاف مشاربهم. في سنة 1937 انتخب سكرتيراً للجنة العربية العليا، ثم نفي الى جزيرة سيشل وافرج عنه واعيد الى فلسطين سنة 1938.. وفي هذا العام انتخب عضواً في الوفد الفلسطيني الذي سافر الى لندن. له عدة مؤلفات في الاقتصاد والقانون، منها كتاب "النهضة الاقتصادية في الشرق الادنى" وكتاب "ضريبة الدخل" وكتاب "قضايا". عمل سابا مديراً لعدة شركات اقتصادية منها: شركة الطيران وشركة المشرق للاستثمار المالي وشركات اخرى تهتم بالحسابات القانونية. ومع ذلك لا يوجد شارع يحمل اسمه!!
حنا عصفور، ولد المحامي حنا عصفور في بلدة شفاعمرو سنة 1902م. تلقى علومه في مدرسة القرية للمرسلين وفي مدرسة المطران بالقدس وفي مدرسة لوقا في حيفا. من ثم سافر الى لبنان والتحق بمدرسة الصبيان الامريكية في سوق الغرب، وتخرج منها سنة 1916م. بدأ عصفور عمله في الجيش البريطاني وشغل منصب رئيس قلم التعويضات سنة 1919، ثم عين رئيسًا لقسم المحاسبة في ادارة السكك الحديدة حتى سنة 1920، ومع اوائل عام 1921 عين رئيسًا للترجمة في المحكمة المركزية بحيفا، واثنائها انكب على دراسة الحقوق في معهد الحقوق الفلسطيني، وتقدم سنة 1925 للامتحانات المطلوبة ونال اجازة المحاماة بنفس العام. وعمل محاميًا مدافعًا عن حقوق الناس ومعاناتهم، وقد اهتم بأهالي شفاعمرو بشكل خاص. وعمل من خلال مهنته كمحام بمهمة المستشار القضائي لجمعية العمال العربية الفلسطينية في حيفا.. ومن خلال ذلك ترأس وفد العمال العرب لمؤتمر النقابات العالمي الذي عقد جلساته في لندن سنة 1945، وكذلك ترأس وفد العمال الذي اقيم بباريس من نفس العام.
شغل المحامي حنا عصفور ايضًا منصب رئيس مجلس ادارة شركة باصات الكرمل، وشركة سينما النجمة وعضو نقابة المحامين العرب في فلسطين. ويتضح من سجلات المحاضر المحفوظة في ارشيف البلدية ان والد المحامي حنا هو يوسف عصفور مختار البروتستانت في شفاعمرو. كما وتبين ان المحامي عصفور قد شغل منصب مستشار بلدية شفاعمرو منذ بداية سنوات ال 30 من القرن الماضي. "وكان جده يعمل اسكافيًا ووالده تعلم هذه الحرفة عن الجد ثم تحول الى التجارة، وعندما انضم حنا عصفور الى جمعية العمال سنة 1928 كمستشار قانوني لم يكن اكثر من محام مبتدء، ولكنه اصبح فيما بعد من المحامين اللامعين المشهود لهم بالجرأة، كما اصبح فعلاً من الاثرياء. واما العلاقة بينه وبين جمعية العمال فقد ازدادت بمرور الزمن، وقد استفاد من مكانته في المحاماة والقضاء في موضوع اعتراف الحكومة الرسمي بالجمعية. ومن جهة نظر الجمعية فهي تبرر انتخابها له كعضو مراقب (لمعرفته اللغة الانكليزية بشكل ممتاز، وكمستشار قانوني)" بيان نويهض الحوت (القيادات السياسية في فلسطين 1917-1948). ومع ذلك فقد تم اطلاق اسمه على شارع فرعي بالكاد يمر به الناس او الوافدين الى شفاعمرو.
شهداء النكبة، لماذا لا يطلق اسماء شهداء النكبة، الذين قاموا بالدفاع عن شفاعمرو واهلها، كون دخول اي محتل الى بلد يحترم ذاته، ولا يقوم ابنائها بالدفاع عنها، تصنف في مثل هذه الحالة بالنذالة والتخاذل، فمن اريقت دمائهم دفاعًا عن شفاعمرو يستحقون كل تكريم احترام. شهداء مجزرة الخامس من آب، بعد قيام المجرم نتان زادة باغتيال اربعة من ابناء هذا البلد العزيز، واقامة نصب تذكاري لتخليد ذكراهم، اعتقد انه من حقهم ايضًا ان تطلق اسماءهم على شوارع شفاعمرو، حفاظًا على الذاكرة الجماعية للمدينة وتكريمًا للمدينة ولضحايا المجزرة أيضًا.
واقترح ان يستبدل اسم "شارع الفوار" الممتد من دوار النصب التذكاري وحتى المدرسة التكنولوجية في الفوار، وان يطلق اسم "هزار ودينا" على هذا الشارع. اسم سيدة واحدة! بعد مراجعة اسماء شوارع شفاعمرو على برنامج "Waze"، لم اجد ولا اسم سيدة واحدة من شفاعمرو، فقط اسم الكاتبة مي زيادة، اللهم لا اعتراض، ولكن هل خليت شفاعمرو من نسائها؟ الا تستحق بعضهن الاكرام والتقدير؟ ماذا مع اسم القابلتين كاملة المروشي وحنه عازر؟ ماذا مع اسم الممرضة ام زياد الحداد؟ وغيرهن من النساء الفاضلات اللواتي لهن فضل على اهالي المدينة!
ختامًا.. اتمنى على المسؤولين في "لجنة التسميات" البحث عن الجذور، واعدة النظر في اسماء الشوارع المركزية في شفاعمرو، واعطاء كل صاحب ذي حق حقه، فما ستحمله شوارع المدينة من أسماء سيبقى للقادم من الأيام والزمن، وعليكم ان تتحملوا وزر ما تقومون به امام الناس والتاريخ. فمن عمل صالحًا فلنفسه ومن اساء فعليها.
شفاعمرو - اواسط تموز 2021
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت