- د. أسامه الفرا
حقيقة لا تقبل الجدل بأنه لا تقدم على الصعيد الوطني الفلسطيني طالما بقي الإنقسام على حاله، وهذا لا يعني بالمطلق أن القضية الفلسطينية تراوح مكانها منذ أن ضرب الإنقسام أنيابه في خاصرتها بل هي في تراجع وتآكل، سواء داخلياً من خلال تغييب السلطة التشريعية وانصهار السلطة القضائية إلى حد كبير في بوتقة السلطة التنفيذية وتغول الأخيرة على المواطن ولم يعد الشعب مصدر السلطات بقدر ما تمسك بتلابيبها فئة قليلة تدافع عن مصالحها الفردية وسط غياب كامل للمؤسسة، والانقسام لم يفض إلى واقع داخلي يسير بنا من سيء إلى أسوأ عبر تفتيت رأسي وأفقي للنظام السياسي والمجتمعي فقط بل كان له الأثر الأكبر في تراجع القضية إقليمياً ودولياً وأدخل المكونات الفلسطينية في إصطفافات متناقضة مكنت بعضها من التصرف بطريقة الوصي على تاريخنا ومستقبلنا.
حاولنا على مدار عقد ونيف الخروج من جب الإنقسام وكلما بدا لنا بأننا على وشك تحقيق ذلك لا نلبث أن نسقط في قاع الجب من جديد، وسواء كانت المحاولة لا تستقيم مع المنطق أو أن المستفيدين من بيننا من الإنقسام وضعوا عصي التفاصيل في الدواليب، فالمؤكد أن المحاولات دوماً إفتقدت إلى المرجع القانوني الناظم لها وظلت حبيسة المزاج الفصائلي المتقلب تبعاً لعناصر قوتها وضعفها اللحظية، جربنا التوافق بصيغة الإتفاق "إتفاق مكة، إتفاق القاهرة" وفشلنا، وشكلنا حكومة وحدة وطنية فلم يكن لها من إسمها شيء، وذهبنا إلى إنتخابات علها تفتح لنا أبواباً مغلقة وتراجعنا، وفي كل مرة نفكر بذات الطريقة بأن نعود إلى وثيقة الأسرى وإتفاق القاهرة ونكرر فشلنا، ألا يجدر بنا أن نفكر بطريقة مغايرة يضبط أيقاعها مرجعاً دستورياً نلجأ إليه، ما أصابنا من إنقلاب أو إنقسام أو حتى أحداث "وليسمها كل منا بما يروق له" أفضت إلى هذا الشرخ العميق في البنية الفلسطينية ولا تختلف البتة عما حدث في العديد من الدول العربية المحيطة بنا، بل يمكن لنا القول أن ما أطلق عليه لاحقاً الربيع العربي بدأ في غزة قبل أن ينتقل إلى عواصم عربية، وبالتالي من المفيد أن نفكر بطريقة مغايرة عما سلكناه خلال السنوات السابقة في معالجة الإنقسام وتداعياته من خلال الإستفادة من تجارب الدول العربية التي حط فيها بتوصيف أدق الخريف العربي، سيما "مصر وتونس" التي خرجت منه بأقل الخسائر، المقاربة تقوم على التالي:
1_ يتم تشكيل مجلس تأسيسي توافقي من 100 شخصية فلسطينية من أصحاب الإختصاص والخبرة على أن يراعى تمثيل الكل الفلسطيني في الداخل والخارج، يوكل إليه وضع دستور يكون دون سواه المرجع والحكم، تكون ولاية المجلس لمدة عام واحد.
2_ يحدد الدستور بشكل واضح العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية، ويتضمن إجابات واضحة حول مستقبل السلطة الفلسطينية وإن كنا بحاجة إلى إنتخابات طبقاً لمقاس اتفاقية أوسلو "انتخابات تشريعية ورئاسية للسلطة الفلسطينية" أم إنتخابات برلمانية ورئاسية للدولة الفلسطينية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة.
3_ يخضع الدستور لإستفتاء شعبي في داخل الوطن وحيث أمكن ذلك في الشتات، وتكون المصادقة عليه بالأغلبية المطلقة للمشاركين في الإستفتاء.
4_ تشكل حكومة وحدة وطنية ويكون المجلس التأسيسي صاحب الصلاحية في منحها الثقة وحجبها عنها ومساءلتها، تكون صاحبة الإختصاص في توحيد المؤسسات المدنية والأمنية بين شقي الوطن ومعالجة موضوع الموظفين.
5_ تشكل قيادة مؤقتة لمنظمة التحرير الفلسطينية من الأمناء العامين للفصائل بما في ذلك حركتي حماس والجهاد الإسلامي تكون بالإضافة إلى كونها مرجعاً لعمل الحكومة والمجلس التأسيسي مسؤولة عما يتعلق بالشأن السياسي.
6_ يتم إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالتزامن طبقاً للدستور وقانون الانتخابات المقر من قبل المجلس التأسيسي فور إقرارهما.
لا يعقل أن يستمر الوضع الفلسطيني على ما هو عليه من التيه والتوهان، ومحاولة ترقيع الثوب البالي لا تجدي نفعا، ولن يأتينا من يحمل بيده عصا موسى ليضرب بها الانقسام فيجعله نسياً منسياً، وليس من المنطق أن نسلك نفس الدرب الذي أوصلنا مراراً للفشل بل علينا التفكير بطريقة مغايرة للخروج من جب الانقسام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت