الرقص...والقوة الأخلاقية

بقلم: خالد معالي

خالد معالي
  • د. خالد معالي

انتشر على مواقع التواصل صور لحفل مختلط في مدينة روابي شمال رام الله، وهو ما اثار شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني، كون الحفلات والرقص ليست ذات اولية لدى شعب واقع تحت احتلال، ومخالف لمنظومة القيم والاخلاق الحميدة التي يتصف بها الشعب الفلسطيني المقاوم.

لا يختلف اثنان على أن القوة الأخلاقية تشكل عنصر قوي في جلب النفوس وتتكامل مع القوة العسكرية والفكرية، ولا يصح ما جرى بروابي مهما كانت التبريرات، لان الأصل ان التجمعات تكون على شاكلة تجمع بلدة بيتا الرافض للاستيطان.

القوة الأخلاقية هامة للفلسطينيين، ولا تحرير ولا ثورة دون اخلاق، وهي في غاية الأهمية لمن أراد أمنا لمجتمعه وشعبه ولمن أراد أن تتقبله الشعوب ويذكره التاريخ بخير. الدول التي تريد أن تنشر فكرها وطريقتها في الحياة  يجب أن تحرص على التميز الأخلاقي بحيث يبقى الضمير الإنساني حيا ومتحفزا دائما، من أجل الإيثار والوفاء والصدق والإخلاص في العمل والقيام بالواجب والدفاع عن الحق وعدم الانجرار وراء  متاع زائل.

جميع الحضارات عبر التاريخ والتي احتلت مكانة مرموقة في عقول وقلوب الناس كانت تمتلك ما يكفي من القوة الأخلاقية لاستمرارها، بموازاة القوة العسكرية والفكرية واللتان لا بد منهما للحفاظ على الاستمرارية.

لاحظ ان الاحتلال في فلسطين يملك من القوة العسكرية ما يمكنه من فرض سيطرته عليها والتلويح بها أمام الدول العربية والإسلامية ولو إلى حين، ونقول الى حين لان غزة وهي محاصرة قصفت قلب الاحتلال وعاصمته الوهمية، فهل هذه دولة دائمة وقوية؟!

عبر التاريخ لم تستمر قوة عسكرية بقوتها في  ظل غياب القوة الأخلاقية. وأمريكا سرعان ما ستتهاوى في ظل ضعفها الأخلاقي، والاحتلال ((الإسرائيلي)) لفلسطين سرعان ما يتهاوى ويتساقط طال الزمن أو قصر تحت أقدام أناس يملكون من القوة الأخلاقية ما يمنعهم من قتل طفل أو امرأة، 'ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا'.

القوة الأخلاقية لدى الاحتلال صفر ان لم تكن بالسالب، من خلال  ما يمارسه بشكل يومي ضد المواطنين الفلسطينيين، فالحواجز تسوم  ثلاثة ملايين فلسطيني سوء العذاب في الضفة الغربية، ومواصلة الاستيطان وتوسيع الجدار وقطع أرزاق الفلسطينيين وحصار غزة عدا عن قتل  67 طفلا في غزة جهارا نهارا وامام الكاميرات في جولة سيف القدس قبل اسابيع.

القوة الأخلاقية قبل القوى الأخرى، وإذا توفرت القوة العسكرية دون وجود القوة الأخلاقية   فإنها لا تصمد. وما حصل في الأندلس عبر معركة بلاط الشهداء من قوة عسكرية كبيرة للمسلمين سرعان ما تهاوت أمام ضربات الأوروبيين يعود لضعف القوة الأخلاقية مع أن القوة العسكرية والفكرية كانت في أوجها. جيوش المسلمين كانت لحظتها تبحث عن الغنائم والكراسي خلافا لتعاليم وأخلاق الإسلام مع تراجعات أخلاقية في المجتمع الأندلسي المسلم وقتها.

بث وإشاعة الكراهية للاحتلال بصناعة الاحتلال نفسه، وما يترتب عليه من مقاومة يسميها الاحتلال 'إرهابا'، وفي نظر المنطق والعقل والعلم والتاريخ والبشرية جمعاء وأمة المليار المقاومة هي  شرف وكرامة وعزة وعمل يرفع الرأس، وليست ارهابا.

الذين يدعون أن الإسلام انتشر بقوة السيف مخطئين ويكذبهم التاريخ، فقد انتشر الإسلام في  اندونيسيا وماليزيا بقوته الأخلاقية حيث لم تصل جيوش المسلمين إلى هناك بتاتا. ولا احد يصدق أن هناك في  العراق  أو في  فلسطين من يؤمن بقوة الأخلاق لدى أمريكا  أو ألصهاينة. القلة القليلة ممن يقولون بعكس ذلك هم  من المنتفعين والباحثين عن مصالحهم الشخصية، وأمريكا والاحتلال  يدركوا ذلك ولكنهم تأخذهم العزة بالإثم وبالتالي لا يريدوا أن يسيروا حسب المنطق التاريخي والسنن الكونية.

صحيح أن الإنسان يلحق بالقوي ويعجب به ويريد أن يقلده بتصرفاته، ولكن هذه التبعية سرعان ما تنهار في ظل غياب القوة الأخلاقية. وما يجري في العالم العربي والإسلامي من كره وبغضاء  متصاعدة لأمريكا و((اسرائيل)) هو لغياب القوة  الأخلاقية لديهما، فالحيوانات عندما تقتل بعضها تقتل لتأكل ولتستمر في حياتها، أما عندما تقتل أمريكا أو ((اسرائيل)) فإنهما يقتلون للتلذذ بعملية القتل والتخريب والتدمير... حتى الشياطين تتأفف من افعالهم.
--

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت