الاحتلال والفقر أصل الشرور الاجتماعية والاقتصادية في فلسطين

بقلم: نهى نعيم الطوباسي

نهى نعيم الطوباسي
  • نهى نعيم الطوباسي*

في عام 2015 أعلنت الأمم المتحدة، عن خطة التنمية المستدامة 2030، التي تتألف من 17 هدفا، و 169 غاية، و244 مؤشرا، في سبيل تهيئة الظروف المناسبة للنمو الاقتصادي المستدام والمطرد، وخلق أوضاع جديدة ومتطورة لشعوب العالم. وتحولت هذه الخطة المشتركة إلى مظلة خطط التنمية في العالم.

ورغم التحديات التي تواجه التنمية في فلسطين، فلقد تعهدت دولة فلسطينا الالتزام بالخطة، خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول 2015. تلا ذلك قرار مجلس الوزراء عام  2016، وتشكيل فريق وطني يترأسه مكتب رئيس الوزراء وعضوية الوزارات والمؤسسـات ذات العلاقـة، إضافـة إلـى ممثليـن عـن المجتمـع المدنـي والقطـاع الخـاص، بهدف تحديد الأولويات الوطنية لأهداف التنمية المستدامة ضمن الخطط الإستراتيجية القطاعية، والتدخلات التي تحقق تلك الأولويات، فهل يمكن أن تفي فلسطين بهذا التعهد والالتزام مع استمرار الاحتلال وانتهاك حقوق الإنسان، واستمرار الانقسام الفلسطيني؟ هذا المقال سيكون الأول ضمن سلسلة مقالات تتناول مدى واقعية تحقيق هذه الأهداف في فلسطين.  

الهدف الأول من تلك الخطة المشتركة، هو القضاء على الفقر بكافة أشكاله، فلطالما كان الفقر الشرارة التي أشعلت الثورات، وغيرت مجرى التاريخ، وسببا رئيسيا لكل مظاهر التخلف الاجتماعي والاقتصادي، ومؤشرا لغياب حقوق الإنسان، خصوصا أن عدد الفقراء في العالم ارتفع إلى 800 مليون شخص، أما في المنطقة العربية فتقرير الإسكوا، حول نتائج مسح التطورات الإقتصادية والإجتماعية 2019-2020، أشار إلى ازدياد إجمالي الفقراء في 14 بلد عربي، من 101 مليون في عام 2019 إلى 116 مليون، وبالتأكيد ستكون تداعيات ذلك كارثية على الفئات الضعيفة، والمهمشة مثل النساء والأطفال، الذين لا يستطيعون الوصول إلى برامج الحماية الاجتماعية والتأمين ضد البطالة. المهم في ما طرحه تقرير الإسكوا، عندما أشار إلى ضرورة التأكيد على أن الجائحة أبرزت اتجاهات كانت قائمة أصلا للفقر، فالمنطقة العربية هي المنطقة الوحيدة التي ارتفعت فيها معدلات الفقر، ويعود ذلك إلى الصراع والركود الإقتصادي، بحيث أضحى الفقر تحديا إنمائيا ومتفاقما، ليست الجائحة سببه الرئيسي. وبالتالي لم تكن الجائحة إلا القشة التي قسمت ظهر البعير، وكشفت عن كل تلك الهشاشة والتشوهات في تلك الدول.

فكيف الحال بفلسطين الرازحة تحت الاحتلال، وفي ظل التصعيد الاسرائيلي، وما يفرضه الاحتلال من حصار وقيود على حركة الناس والبضائع، والبنود المجحفة في بروتوكول باريس وعدم التزام اسرائيل بتطبيقها، وارتفاع نسبة البطالة، ودخول فئات جديده الى دائرة الفقر، فضلاً عن الأزمة السكانية، نتيجة قيود الاحتلال على البناء ومصادرة الأراضي وهدم الممتلكات، والعدوان على قطاع غزة ؟ الحديث عن الواقع المأساوي يطول، ومن يدفع الثمن هم بالعادة المهمشون والفقراء، حيث ارتفعت نسبة الأسر الفقيرة في قطاع غزة من 53 إلى 64 في المائة، ومن 14 إلى 30 بالمائة في الضفة الغربية عام 2021، حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية.

هناك إحصائيات مفصلة ومرعبة عن الفقر وأشكاله، في الكثير من المصادر، ولكن هذه النسب ليست مجرد أرقام، لكن وراءها تفاصيل وقصص، وحكايات مؤلمة، تمس الكرامة لشرائح واسعة من الفقراء والمهمشين، حيث تشكل تلك المعاناة ذاكرتهم ومشاعرهم، وتحدد علاقتهم بالمجتمع، وهم الفئة القابلة للكسر والانهيار عند أية أزمة.

وقد يكون صعبا لأي خطة تنموية، أن تعالج الآثار النفسية والتراكمية للفقر، رغم أن الخطط التنموية الجديدة الدولية والمحلية، تتعامل مع  الفقر بتعريفه الشمولي المتعدد الأبعاد، وليس فقط بتعريفه التقليدي أو المادي. الفقر عدو حقيقي، ويشكل خطرا  يهدد مستقبل دولة فلسطينية مستقرة وآمنة، حتى بعد الإستقلال، وهذا يتطلب تكريس التكافل الاجتماعي، وتعزيز نظم الوقاية والحماية الاجتماعية، التي تصل إلى جميع الفقراء في كافة المناطق، وذلك ليس عبر مساعدة مالية لا تكاد تفي احتياجاتهم، وإنما المطلوب شراكة حقيقية بين كافة القطاعات، وبرامج وأنشطة تعزز فرص صمود الفقراء، وإدماجهم ومساهمتهم البناءة بالمجتمع، خصوصا في التجمعات السكانية، التي تنمو وتتكاثر فيها جيوب الفقر وتتطور لتصبح أماكن ينبعث منها العنف، والتعصب والكراهية التي تهدد الأمن المجتمعي.

هل أدركت الأمم المتحدة، أنها في الوقت الذي ستحتفل فيه بنجاحها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، في بعض الدول ستخفق وتخذل آمال شعوب أخرى من الدول منخفضة الدخل، والأكثر هشاشة بسبب الصراع ومحدودية الموارد؟ على سبيل المثال، أعلنت الصين عن نجاحها بتحقيق الهدف الأول، بالقضاء على الفقر بكافة أشكاله عام 2020، رغم الكثافة السكانية ، وجائحة كورونا. الرئيس شي جي بينغ أوضح أن سر نجاح التجربة الصينية بالقضاء على الفقر، هو الفلسفة المرتكزة على الشعب، واستخدام الموارد الطبيعية والبشرية والتكنولوجيا، والإدارة المثلى للثروة.

قد لا يستسيغ البعض هذه المقارنة بين الصين وفلسطين، بسبب الاختلاف في الواقع السياسي والاقتصادي والإمكانيات ، فكيف يمكن لفلسطين أن تخفض نسبة من يعانون الفقر بجميع أبعاده، بمقدار النصف على الأقل بحلول عام 2030؟  هذه ليست غاية مستحيلة، فعلى الرغم من أن التجربة الصينية، تجربة ملهمة، لكن هذا لا يعني أن الصين، أوفر حظا بالذكاء والكفاءات من غيرها، ففلسطين قادرة على تقديم نموذج مبدع وفريد من نوعه بالتنمية، لو وحدت الجهود والأجندة الفلسطينية على بوصلة واحدة، وهيأ المجتمع الدولي لفلسطين الفرصة والبيئة المستقرة الملائمة، وذلك بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتطبيق السيادة الدائمة والكاملة للشعب الفلسطيني على أرضه وعاصمته، وعلى المصادر الطبيعية والأرض، والحدود والمعابر والأجواء الفلسطينية. وعلى الأمم المتحدة إن أرادت أن تنجح وتفي بالتزاماتها للعالم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة بعام 2030، أن تتحمل مسؤولياتها بتحقيق مبدئي السلم والأمن الدوليين، وإلا فإن فكرة العيش الكريم، وتحقيق الرخاء والمساواة ومستقبل أكثر استدامة للجميع دون استثناء، ستبقى مجرد أمنيات صعبة المنال للدول التي تعاني من الصراعات، وبعيدة جدا عن ملايين الفقراء والمهمشين في العالم.

*ماجستير في التنمية وحل الصراع

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت