- بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب
حضرت القابلة القانونية اليافاوية أم خليل علوش، ( وكنا نُسميها الداية) الى دارنا في اليرموك، واطلعت على وضع والدتي وحِملَها، فقالت للحضور على الفور : سخنوا المي ...
كانت عبارة : سخنوا المي ... اشارة أن نضوج حالة الولادة، وانها قد أزفت فـــ (جاء الطلق)، وكان أمر الولادة الإلهي، على يد تلك الداية التي كانت تعمل بهذه المهنة اساساً في مدينة يافا زمن ماقبل النكبة، حتى تكرّست في المهنة، وباتت كأنها من خريجي ارقى جامعات العالم في اختصاص الحوامل ورعاية الأطفال، رحمها الله.
إذاً، أبصرّتُ نور الحياة في مخيم اليرموك في الشهر الأول عام 1959، في مربعه الأول الكائن على مداخله الشمالية، فنشأت, وترعرعت, بين رفاقي وأحبتي وأصدقائي من أبناء شعبي، من رحمِ شعبٍ مازال منذ أزل التاريخ صاحب الأرض، والماء، والحجر، والهواء، من العصر الحديدي والبرونزي، والعصر الديفوني، والكمبري، والبريكامبري، من عهد الكنعانيين وسليمان وداود والعرب العاربة والبائدة والقيس واليمن ...
عشت طفولتي وفتوتي، في مخيم اليرموك، أبحَثُ عن تلك الأيقونة الفلسطينية التي طلبوا من شعبنا أن ينساها، فأضاعوها لنا، وحاولوا على الدوام طمسها وإماتتها. فكنت على الدوام مُتخمٌ بشقاوة التعتير منذ زمن الأسنان اللبنية، كما كنت عيونٌ تَفَتَحَت تحت نور الشمس بين وطن وشعب النكبة، وفي عوالم نكباتِ أمةٍ بأسرها في بلادٍ مسلوبة من المحيط للخليج، بلادٍ يمشي فيها المواطن مقلوباً على رأسه دون أن يِشعُر بالدوّار.
كنت، ومازالت، أبحَثُ على الدوام من أجل فلسطيننا في شتى الشتات في مكنونات العالم اللامنتهي، وفي أراشيف الدول والجامعات، مع العلم أن شجرة شعبنا وورقها، ووريقاتها، وأزهارها، وجلنارها، وورودها، وزنبقها ... كلها كفيلة في تقديم الأجوبة القاطعة التي تَبِزُ كل بحثٍ أكاديمي مهما أمتلك من مالٍ، وعنادٍ، وزاد،ٍ وعتادٍ.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت