- د. فايز أبو شمالة
الغريق في ماء البحر لا يخشى من البلل، وهذا حال غزة التي تعاني الحصار الإسرائيلي، وتتوجع من إجراءات محمود عباس العقابية، والرافض للديمقراطية، والذي يتعمد إعاقة إعمار غزة، وعدم مد يد العون لها، مهما صرخت، وتأوّهت.
غزة بحاجة إلى قراءة التجربة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى من جديد، والاستفادة من الإصرار الفلسطيني على المقاومة في تلك الفترة، رغم ممارسة العدو الإسرائيلي لكل أشكال القمع والذبح والحصار والقصف، بما في ذلك تقطيع أوصال غزة ـ لمن خانته الذاكرة ـ وتدمير أحياء سكنية بكاملها في مناطق الاحتكاك مع المستوطنات الصهيونية، ومواصلة الاقتحامات الليلية بالدبابات، وإطلاق النار اليومي على عابر السبيل، وقتل العشرات.
ولا أظن أهل غزة ينسون تلك الفترة من المواجهات اليومية مع الاحتلال، والمعاناة اليومية، حين كانت طائرات الاحتلال تقوم بتصفية النشطاء بشكل يومي، وكانت طائراته تقصف في كل ساعة تجمعاً للمواطنين، وكانت صواريخ الاحتلال ورصاصه تدوي ليل نهار، وكانت التجارة متوقفة، وكان العمل معطل، وكانت الطريق الفاصل بين غزة وخان يونس مقطوعة بالدبابات، وأجبر الناس على المبيت على قارعة الطريق عند حاجز المطاحن "أبو هولي" أكثر من ليلة، بل وصل الأمر بالعدو الإسرائيلي إلى إغلاق الطريق الواصل بين غزة والمنطقة الوسطى، وفي مرات عديدة قطع بالدبابات طريق خان يونس رفح.
ويذكر أهل غزة عذاب السفر إلى مصر العربية، وكيف كانوا ينتظرون عند البوابة الإسرائيلية لساعات؟ وكان التفتيش الإسرائيلي للحقائب مهيناً، وكان منع السفر للمئات بأمر المخابرات الإسرائيلية لا يتوقف، وعاش الناس أحوال معيشية لا تقل صعوبة عما هي عليه اليوم.
المقاومة الفلسطينية طوال فترة انتفاضة الأقصى التي امتدت قرابة خمس سنوات، لم تقتل إلا 1113 إسرائيلياً، ولم تجرح إلا 4500، وفق مصادر العدو، بينما قدم الفلسطينيون حوالي 4412 من الشهداء، وحوالي 48 ألف جريحاً، إضافة إلى الدمار الشامل في المؤسسات والمنشآت والمصانع والمتاجر والمباني، إضافة إلى تفشي البطالة والجوع والانفلات الأمني، وتردي الأحوال المعيشية والتعليمية والحياتية، وخسائر مادية في كل المجالات، بل قتلت إسرائيل واعتلقت معظم قيادات الصف الأول للتنظيمات، ومع ذلك، كانت النتيجة هزيمة العدو الإسرائيلي في غزة على أقل تقدير، ورحيل جيشه ومستوطنيه.
خلال انتفاضة الأقصى لم يكن هناك وسطاء، ولم تكن تهدئة، ولا اتفاقيات وقف إطلاق النار، باستثناء بعض التدخلات الأجنبية، والتي كانت تفضي إلى نداء للتهدئة دون أن يجد له صدى على الأرض، واستمر هذه الحال من المواجهات في غزة دون الضفة الغربية، حتى بعد توقيع اتفاق التهدئة، الذي تم في لقاء شرم الشيخ، وضم كلاً من الرئيس المنتخب حديثاً محمود عباس، ورئيس وزراء إسرائيل شارون بتاريخ 8/2/2005
اليوم، غزة تعاني الحصار والتجويع والبطالة والتدمير المتعمد بشكل لا يقل عما كان سائداً أثناء انتفاضة الأقصى، ولا ينقص غزة تحت هذا العذاب إلا أن تعاود تجربة انتفاضة الأقصى بكل حيثياتها، وعنوانها: مواجهات دون توقف، ودون أفق لتهدئة، مواجهات وتخريب يربك الحسابات الإسرائيلية، ويفرض على قيادة غزة وسكانها أن يعيشوا على أسنة الرماح لعدد من الشهور أو السنين، قد تزيد أو تقصر حسب قدرة العدو على التعايش مع الفوضى الخلاقة، ومع الإرباك، والإزعاج والاحتكاك والمواجهات اليومية المفتوحة على كل احتمال، وفي كل مكان من فلسطين، وبما يتوفر من وسائل وامكانيات ومقدرات، دون الالتفات إلى هدنة أو تهدئة أو أي شكل لوقف إطلاق النار.
الأمر لا يحتاج إلى تفكير ودراسة، الأمر يحتاج إلى السير على الطريق الذي مشى عليه الدكتور عبد العزيز الرنتيسي رحمه الله، حين قال للقيادة الفلسطينية سنة 2001، في حديث مسجل مع إذاعة لندن: اتركونا نقاوم المحتلين بلا ملاحقة لمدة خمس سنوات فقط، وأنا أعدكم بتحرير غزة والضفة الغربية.
لقد تحررت غزة من الاحتلال المباشر بعد أربع سنوات، وهي اليوم بحاجة إلى قرار الرنتيسي كي تتحرر من وجع الحصار، وكما يقول المثل: وجع ساعة، ولا وجع كل ساعة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت