- * المحامي علي أبوهلال
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي احتجاز جثامين الشهداء وذلك في مخالفة صريحة للقانون الدولي الإنساني، ولقواعد الشرعة الدولية لحقوق الانسان حيث تحتجز 81 جثمان شهيد وشهيدة، الى جانب 254 شهيدا وشهيدة، محتجزون فيما يسمى بـ"مقابر الأرقام" منذ ستينيات القرن الماضي حتى الآن.
ويطلق مصطلح "مقابر الأرقام" على مدافن بسيطة، كشف عن أربع منها، محاطة بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوق كل قبر لوحة معدنية تحمل رقما وليس اسم الشهيد، ولكل رقم ملف خاص حول الشهيد تحتفظ به الجهة الأمنية الإسرائيلية. وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية وأجنبية في السنوات الأخيرة عن 4 مقابر، إحداها في منطقة عسكرية عند ملتقى الحدود الإسرائيلية ــ السورية ـــ اللبنانية، واثنتان بمناطق عسكرية في غور الأردن، والرابعة شمال مدينة طبريا.
وإمعانا في هذه السياسية غير القانونية أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية، في شهر أيلول/ سبتمبر 2019، قرارا يجيز لسلطات الاحتلال استمرار احتجاز جثامين الشهداء على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بقرار أغلبية 4 قضاة مقابل 3. وبحسب قرار المحكمة العليا، فإن للقائد العسكري صلاحية احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين ودفنهم مؤقتا لأغراض استعمالهم كأوراق تفاوض مستقبلية وفقا للمادة 133(3) لأنظمة الطوارئ، علماً أن قوانين الطوارئ لا تمنح لجيش الاحتلال صلاحية احتجاز الجثامين كورقة مساومة في المفاوضات، وأن احتجاز الجثامين يخالف أسس القانون الدولي.
يعتبر هذا القرار هذه سابقة تاريخية، لم يحدث في التاريخ أن سمحت محكمة لدولة باحتجاز جثامين شهداء شعب موجود تحت احتلالها واستخدامهم كورقة مساومة في المفاوضات، وينتهك أسس القانون الدولي وعلى رأسه اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
يعبر القرار عن سياسة خطيرة وممنهجة تقوم بها سلطات الاحتلال، حيث تعد سياسة احتجاز الجثامين من جرائم الحرب الدولية لما تتركه من اثار واضحة على العائلات واسر الشهداء والمجتمع الفلسطيني، وترقى إلى المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة، وهي تنتهك مواد القانون الدولي لحقوق الانسان وخاصة المادة 7 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والقانون الدولي العرفي، الذي يحظر التعذيب وسوء المعاملة، بما في ذلك القاعدة 90 من دراسة القانون الدولي العرفي، التي يتوجب على دولة الاحتلال الالتزام بها في تعاملها مع السكان بالأراضي الفلسطينية المحتلة، وتحرم سياسة حجز الجثامين من الضحايا الفلسطينيين وعائلاتهم المنكوبة والتحقيق في ملابسات عمليات القتل، وباحتجازها لجاثمين الشهداء تمنع سلطات الاحتلال فتح وإجراء التحقيقات والمعاقبة والملاحقة لمرتكبي هذه الجرائم، متسترين على الجرائم البشعة حيث تحيل عمليات الحجز السماح بإجراء تشريح طبي مناسب بواسطة فاحص شرعي مستقل إذا طلبت الأسرة ذلك او التقدم للمحاكم الدولية ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم .
في 27 أغسطس/ آب من كل عام يحيي الفلسطينيون بفعاليات مختلفة "اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب"، وقد أكدت سلوى حماد، منسقة الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء أن هذا العام سيشهد تفاعلا أكثر على الصعيد الدولي، وإقامة الفعاليات والحملات الاعلامية في اليوم الوطني للمطالبة باسترداد جثامين الشهداء، والذي يصادف يوم 27 آب/ أغسطس.
لا يزال ملف استرداد جثامين الشهداء ملفا مفتوحا منذ عشرات السنين، حيث تتكثف معاناة مئات العائلات الفلسطينية من ذوي الشهداء المحتجزة جثمانيهم لدى سلطات الاحتلال، كونها تجهل مصير أبنائها، وهذا بحد ذاته يلقي عبئا نفسيا قاسيا على هذه العائلات، وخاصة تلك العائلات التي استشهد أبنائها خلال السنوات والأشهر والأيام القريبة الماضية، وهذه المعاناة ترتقي إلى مستوى التعذيب المادي والمعنوي والنفسي.
إن استمرار احتجاز سلطات الاحتلال الإسرائيلي جثامين الشهداء، وعدم الكشف عن المفقودين مخالفة واضحة لمعاهدة لاهاي لسنة 1907 والتي تتعلق بقوانين وأعراف الحروب، وأيضًا مخالفة لاتفاقية جنيف الأولى في البند 15 و17 والتي تلزم الدولة المحتلة بتسليم جثامين الشهداء لذويهم ودفنهم مع المحافظة على كرامتهم حسب معتقداتهم الدينية قدر الإمكان.
ومن هنا ينبغي مواصلة الجهود الوطنية والرسمية والأهلية، من أجل إنهاء هذا الملف الذي يعتبر جرحا داميا في الجسد الفلسطيني، والذي يزداد نزفا وألما كلما استشهد فلسطينيا جديدا وتم احتجاز جثمانه، وينبغي مواصلة العمل بفعالية أكثر وعدم حصرها بمناسبة "اليوم الوطني لاسترداد جثامين الشهداء الفلسطينيين والعرب"، بل ينبغي تدويل هذه القضية وتفعيل دور المنظمات الدولية الحقوقية، للضغط على حكومة الاحتلال، من أجل إنهاء سياسة الاحتلال غير القانونية في الاستمرار باحتجاز جثامين الشهداء، والافراج الفوري عن هذه الجثامين، واغلاق هذا الملف نهائيا.
محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت