نتائج الثانوية العامة وتوتر الانتظار

بقلم: فايز أبو شمالة

فايز أبو شمالة
  • د. فايز أبو شمالة

ما أقسى ساعات الانتظار! طويلة وباردة ومملة، وتخبئ في أحشائها القلق والاضطراب والخوف، ومع الانتظار يزداد الانفعال القائم على التوقع، وبين نعم ولا، وبين تفاؤل وتشاؤم، وبين ثقة وخذلان، بعيش الطلاب وذويهم حالة من التوتر القلق، والارتباك اليومي الذي يزداد مع اقتراب الإعلان عن نتائج امتحانات الثانوية العامة.

كل الآباء والأمهات يعيشون  توتر الانتظار مع أبنائهم، ويغرقون معهم في بحر التوقع بين النجاح أو الفشل، أو بين مستوى المعدل، أو بين التفوق والتدني، حتى يصل الأمر ببعض أولياء الأمور حد التماهي مع توتر الانتظار مع أبنائهم، وهم ينزوون جانباً، أو يسرحون بنتائج الساعات القادمة، وأفق المستقبل.

أزعم أن واجب الأسرة في هذه الحالة هو تعزيز الثقة لدى طلاب الثانوية، ومواساتهم في مأساة الانتظار، وتشجيعهم المتواصل، وذلك بالتأكيد على أنهم قدموا كل طاقتهم، وانهم اجتهدوا على مدار العام، ولم يقصروا في لحظة، وقاموا بواجبهم، وأن الأهل سيرتضون بالنتيجة مهما كانت، وأن فرصة النجاح والتطور لم تقف عن حدود نتائج الامتحانات، فما أمضى سلاح الأمل!

توتر الانتظار يعيشه الأسرى خلف القضبان، فهم ينتظرون أخبار صفقة تبادل أسرى، وينتظرون أخبار المواجهات مع الاحتلال، وينتظرون زيارة الأهل، وينتظرون نهاية مشكلة ألمت بالأهل خارج الأسوار، أو انتهاء مشكلة يعيشها الأسير داخل غرف السجن، أو انتظار تنفيد إدارة السجن عملية تنقل السجناء داخل غرف السجن، فحياة السجناء كلها انتظار، والأمل نسمتهم التي تهدئ من توتر الانتظار.

وعلى مر التاريخ، فإن علاج الانتظار هو الانشغال، وعدم صب الاهتمام على الشيء المنتظر، فتشتيت الاهتمام يخفف من وجع التوقع، فكلما فتح الأنسان في واقعة نوافد عمل وتفكير وإشغال للنفس بعيداً عن الانتظار، بمقدار ما يجري الوقت خفيفاً، وهذه خلاصة تجربة من خلف الأسوار، حين كان السجناء ينتظرون موعد زيارة الأهل في يوم الجمعة، حيث يبدأ مكبر الصوت في السجن بالنداء على عدد من الأسرى للخروج إلى غرفة الزيارة، وحين يصمت مكبر الصوت لمدة نصف ساعة، تكون ثقيلة جداً على السجناء الذين يتوقعون أسماءهم في الفوج الثاني من الزيارة، وهكذا، يتثاقل الانتظار بعد الانتهاء من قراءة أسماء الفوج الزائر، ليبدأ الانتظار لمدة نصف ساعة أخرى ثقيلة ومملة، يتوقع خلالها السجين الاخبار السيئة والطيبة من زواره، فهو قلق على أخبارهم واحوالهم، ويريد الاطمئنان، لتستمر حالة القلق لمدة نصف ساعة أخرى، فإذا بدأ مكبر الصوت بقراءة الأسماء، تسود حالة من الخشوع والانتظار، فمن ورد اسمه خرج للزيارة، ومن لم يرد اسمه، عليه الانتظار، وهكذا حتى الساعة الثالثة مساء.

تلك الحالة من توتر الانتظار، وتباطؤ الزمن، تقابلها نصف ساعة الزيارة، حيث يعبر الوقت سريعاً، بحيث لا يدري السجناء كيف انقضت نصف ساعة الزيارة، بينما نصف ساعة الانتظار التي تسبق الزيارة كانت ثقيلة جداً، من هنا أدرك السجناء كيف يتغلبون على توتر الانتظار؟ وذلك من خلال الانشغال بالكتابة والقراءة والتعلم، أو فتح مواضيع للنقاش، أو ممارسة لعبة الشطرنج؛ التي تلهي السجناء عن التركيز في موعد زيارة الأهل.

وإذا كان للنجاح معانٍ جميلة، فإن للفشل معانٍ نبيلة، ولاسيما الفشل الذي يشكل حافزاً لنجاح أوسع مدى!

نهنئ المتفوقين، ونبارك للناجحين في امتحانات الثانوية العامة، ونتمنى السلامة لمن لم يحالفهم الحظ، فالكرة الأرضية لن تتوقف عن الحركة وفق نتائج امتحانات الثانوية العامة.

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت