- عبد اللطيف لعبي
إن الأحداث التي شهدتها تونس في الايام الماضية والتي تطورت بشكل سريع، لتصل الى المفاجئة الغير منتظرة من قبل أكبر المتفائلين، ربما حصلت على تأييد شعبي الى جد ما، ولكنها فتحت الباب على مصراعيه لحملة شرسة من الانتقادات حول مدى دستورية هاته الاجراءات المستندة الى الفصل 80 من الدستور التونسي والذي أولها الإخوان التونسيون على أنها انقلاب متكامل الأركان على الشرعية وجر تونس الى زمن العسكرة والديكتاتورية، التي كان يفترض انها انتهت مع انتصار ثورة الياسمين على نظام بن علي.
تونس السكرانة كما سماها الكاتب التونسي حسن بن عثمان، تعاني الأمرين في ظل أزمة صحية خانقة ادت بانهيار المنظومة الصحية في البلاد دخلت في نفق سياسي مظلم لا يعرف نهايته أحد و في توقيت غير صائب نظرا لخطورة الوضع الاقتصادي للبلاد والذي تتحمل الأحزاب والحكومات المتتالية مسؤوليته، فتعطيل المؤسسات الدستورية التي يرى فيه الرئيس قيس إجراءا كان يفترض القيام به منذ شهور، كانت شرا لابد منه لانقاد الدولة التونسية من تغول المال السياسي الفاسد وانقضاض الاخوان على المشهد وعلى دواليب السلطة ومراكز القرار، ولكن هذه الخطوة وان كانت سليمة مما يشوبها من انتقادات، لن تجد الحلول الكافية للخروج من الأزمة، بل هي أزمة أخرى تضاف الى فصول الوضع المعقد اساسا .
بعد ان استفاق الجميع من سكرات الفرح التي تلت الاجراءات التي اتخذها الرئيس وجدوا أنفسهم بدون حكومة في وضع يستوجب الاستقرار نظرا لما يمليه الوضع الاقتصادي المعقد الذي يغوص بتونس في رمال متحركة، بل ان تجميد عمل البرلمان سيعزز تحالفات القوى الداخلية التي تتعارض مع الرئيس قيس سعيد وسيجد هذا الاخير نفسه في معركة أخرى عند تشكيل الحكومة الجديدة والتي سيحاول برلمانيو النهضة بعد الغاء التجميد عنهم، اسقاطها وسحب الثقة منها بشتى الوسائل القانونية والغير قانونية المتوفرة، للعودة الى المربع الأول لما قبل قرارات الرئيس.
ما يخشاه الجميع هو أن تنقل حركة النهضة الصراع البرلماني وتجره الى حلبة صراع شعبي بين مؤيد ومعارض لقرارات الرئيس، لتخلط الأوراق من جديد وتعطل سيرورة الخطة التي انتهجها قيس سعيد للقضاء على الاسلام السياسي وابعاده عن المشهد بقوة القانون، مستغلة بذلك حالة الاحتقان الشعبي ومحاولة تغذيته من خلال ضخ المال الفاسد لتحريك موجة الغضب في صالحها.
وان كانت الدول العربية تدعم خطوات قيس سعيد الا ان هذا غير كاف لاخراج تونس من المأزق السياسي الذي يستدعي الوقوف معها ماديا للتخفيف من تردي الوضع المعيشي للتوانسة، والذي من شانه أن يتحول الى معادلة مؤثرة سلبا على شعبية الرئيس وقراراته، فمن الواضح أن تقهقر الوضع الاقتصادي للبلاد، وغياب الحلول، سيلقي حتما بضلاله على المشهد وسيحرك البطون الجائعة التي تنتظر جني ثمار الديمقراطية منذ عشرة سنوات.
عبد اللطيف لعبي، من مواليد فاس عام 1942 ، شاعر وكاتب ومترجم مغربي. في عام 1966، مؤسس مجلة souffles الناطقة باللغة الفرنسية. حاصل على جائزة غونكور للشعر في 1 ديسمبر 2009 والجائزة الكبرى للفرنكوفونية من الأكاديمية الفرنسية في عام 2011.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت