- د. فايز أبو شمالة
عندما اختار أعداؤنا الصهاينة اسم (بيغاسوس) لعملية التجسس على الهواتف النقالة، كانوا يستدعون الزمن الماضي لخدمة أطماعهم في الزمن الحاضر، لذلك اختطفت شركة NSO اسم (بيغاسوس) من الأساطير الإغريقية القديمة، والتي تعني: الحصان الأسطوري المجنح، إنه بيغاسوس Pegasus، ذو اللجام الذهبي، الذي شارك في المعارك ضد الوحوش الأسطورية، وقد عاش في اسطبلات الآلهة "زيوس" ومن مهماته حمل البرق، لذلك توطدت العلاقة بين بيغاسوس والربيع، فأينما وقع حافره على الأرض، انفجر الربيع الخصيب.
وبين البرق الخاطف في التجسس الإسرائيلي على دول العالم دون استثناء، بما في ذلك الدول العربية، والتجسس على الشخصيات السياسية والقيادية، اتسع ربيع الأطماع الإسرائيلية في السيطرة على مقدرات الشعوب، وتمدد نفوذ المخابرات حتى وصل إلى مخادع الحكام العرب؛ الذين سلموا أمر أمنهم الشخصي، ومستقبل بلادهم إلى يد عدو شعوبهم الإسرائيلي، فصار الحصان الطائر بيغاسوس رمزاً للتكنولوجيا الإسرائيلية التي تفاخر بها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نتانياهو، الذي ادعى توفير التغطية الأمنية لكثير من الأنظمة العربية.
برنامج بيغاسوس للتجسس في الزمن الحديث يحاكي برنامج الصهاينة للتجسس قبل أكثر من ألفي سنة، حين تمكنت "استر" من اختراق حصون ملك فارس، والتجسس على الوزير هامان، والقضاء عليه، وهناك قصة الجاسوس الصهيوني "بولارد" الذي تجسس على أمريكا لصالح حليفتها إسرائيل، وقد تفاخر رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق باختراق المفاعل النووي الإيراني، وتفاخر رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال شلومو غازيت، بحصوله على تسجيلات القمة العربية التي عقدت في المغرب عام 1965.
اختراق الحصون الخاصة، والتسلق على الجدران العالية، واكتشاف الأسرار الخاصة مؤشر على قوة الصهاينة، وبها انتصروا على الجيوش العربية في عدة حروب، وفي هذا المقاوم، لا بد من التذكير بأن جهل العدو الإسرائيلي بما تخفيه المقاومة الفلسطينية في غزة، كان من أهم الأسباب التي حالت دون الإسرائيليين وتحقيق أطماعهم.
لقد أكتشف رجال المقاومة الفلسطينية في غزة أنظمة التجسس الإسرائيلية قبل سنوات طويله، فقد أدركوا أن جهاز الهاتف النقال مصدر معلومات للعدو الإسرائيلي، فصدرت التعليمات إلى رجال المقاومة بعد عدوان 2009، بعدم استخدام الهواتف النقالة، فالهاتف النقال يمكن الطيران الإسرائيلي من تحديد مكان المقاوم، واستهدافه بالصاروخ، وقد حظر قادة المقاومة في كل اجتماعاتهم مع الإعلاميين والكتاب والصحفيين والوجهاء اصطحاب الهواتف النقالة، وكان يتم إبعادها عن أماكن الاجتماع، وقد دأب أهل غزة على وصف الهاتف النقال بالجاسوس التكنولوجي، ولو تساءل البعض عن كيفية تواصل رجال المقاومة مع بعضهم البعض، أثناء سير المعارك مع العدو الإسرائيلي، فالجواب المعروف؛ أن هناك شبكة اتصال أرضية، أقامها رجال المقاومة على طريقتهم الخاصة، تمكن المقاومين من التواصل الآمن، وقد حاول العدو الإسرائيلي اختراق هذه الشبكة أكثر من مرة، وفشل حتى اللحظة في التسلل إلى نبض المقاومة، ومعرفة ما يخفيه باطن الأرض، ولعل هذه الشبكة إحدى مصادر القوة والإعجاز الوطني.
ضمن هذا السياق الذي حرك الرأي العام العالمي ضد التجسس الإسرائيلي، وصل وزير الحرب الصهيوني إلى فرنسا، لمعالجة آثار التجسس الإسرائيلي على الرئيس الفرنسي، وشكلت وزارة الحرب الصهيونية لجنة من عدة فرق لمناقشة الاتهامات الموجهة لبرنامج بيجاسوس، وأزعم أن تشكيل اللجنة يهدف إلى تبرئة المجتمع الزائف من العمل الفاضح، ومحاولة التفافية على المحاكم الدولية لذر الرماد في عيون مؤسسات حقوق الإنسان، التي باتت في اشتباك دائم مع جرائم العدو الإسرائيلي، ضد شعوب العالم، بما في ذلك الشعوب العربية.
فأين هي الشعوب العربية مما يحاك ضدها، لماذا تكتفي الشعوب العربية بالتفرج على الأحداث، ومتابعة تفاصيل الجرائم ضد مستقبلهم دون رد فعل؟ لماذا تنام المؤسسات العربية في الوقت الذي يستيقظ فيه العالم ضد الممارسات الصهيونية المعادية للإنسانية كلها، وإلى متى؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت