- جهاد حرب
مما لا شك فيه أن طرح قضايا اجتماعية كتلك المتعلقة بمساواة المرأة بالرجل تثير حفيظة المتمسكين بمواقف محافظة تتنصل من الاعتراف بجهد النساء في مسائل الدخل والشراكة المادية؛ أي الامتناع عن تحويل الشراكة في المحبة والمودة إلى الشراكة في الكد والسعاية، والامتناع عن تحويلها إلى صيغة قانونية "تعاقدية" بين طرفي العلاقة الزوجية. ما يضعف حفظ الحقوق ويوقف تكريس العدل ويمنع الاعتراف بالجهد والمشقة والعمل. في وقت يغيب التشريع الضامن لمبدأ الكد والسعاية التي يساهم أطراف العلاقة الزوجية بها، وضعف القدرة على إثبات حقوق النساء في حالات الخلاف؛ خاصة أن ما يُعطى أثناء الزواج بالمحبة والمودة لا يتم توثيقه.
يأتي هذا الأمر منسجما مع التحولات الاجتماعية التي طرأت على المجتمع الفلسطيني التي فرضت أساليب حياة باتت بموجبها المرأة معيلة كالرجل في أُسرها من ناحية، ومن ناحية ثانية ما تقوم المرأة به في البيت من عمل غير مدفوع الاجر؛ كتربية وتعليم الأبناء وتحضير الطعام وتنظيف البيت والواجبات الزوجية التي توفر السكينة والسعادة والامان للزوج والابناء، التي تشكل في مجملها دفعات مالية غير ظاهرة يمكن حسابها في الاقتصاديات الحديثة، والتي تزيد بكثير عما يتم تقديره من نفقة واجبة في قانون الأحوال الشخصية. ناهيك عن الكسب الفائت للمرأة لو استثمرت سنوات عمرها، التي قضتها في خدمة بيت الزوجية، في التعليم أو العمل وما قد تجنيه حينها من مال ومكانة علمية واجتماعية بالإضافة إلى النفوذ من ناحية ثالثة.
إن الاشتراك في الممتلكات المتحصلة بعد الزواج يحل مشكلة مركزية في الاقتصاد الفلسطيني بحيث يعترف بالأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر، وكذلك الأعمال العائلية المدرة للربح في ظل اشتراك الزوجين في هذه الاعمال، وهي الأغلب في السوق الفلسطينية أو العمالة في الأراضي الفلسطينية، إلا أنه لا يتم تعترف بجهد النساء وبإنتاجها. كما أنه هذا التطور أو الاعتراف بمبدأ الكد والسعاية يساهم بمنح تكافؤ الفرص في الوصول إلى الثروة من قبل الرجال والنساء، ويعزز من قدرة النساء في المساهمة في الاقتصاد الوطني.
إن مبدأ الاشتراك "المناصفة" في الثروة بعد الزواج مبدأ أصيل في الثقافة العربية يستند إلى تراث فقهي يندرج تحت باب الكد والسعاية "ولكل امرئ ما سعى"؛ أي أن الإنسان لا يملك إلا سعيه، ولا يملك سعي غيره، فملكيته محصورة في سعيه وليس للإنسان إلا ما سعى، ما يترتب بموجبه للزوجة حق في الأموال والممتلكات التي تحصلت لها ولزوجها بالنتيجة بعد الزواج.
أما المعنى الحقوقي لمبدأ لكد والسعاية، يقر بحق المرأة في الثروة التي تنشئها وتكونها مع زوجها خلال فترة الحياة الزوجية، وهذا الحق يضمن للزوجة إذا انتهت العلاقة الزوجية بينها وبين زوجها "الطلاق أو الوفاة" بأن يتم تحديد وحساب مجموع الثروة التي تم تكوينها خلال فترة الحياة الزوجية؛ فتحصل على جزء منها مقابل ما بذلته من مجهودات مادية ومعنوية إلى جانب زوجها. كما ينطبق هذا المبدأ على حق كل فرد من أفراد العائلة إذ جعلوا ما ينتجه مال الزوج شياعا بين أفراد العائلة يقسم بينهم حسب كد كل واحد واجتهاده.
يعكس هذا الاجتهاد إعمالا للعقل وانفتاحا ونضجا لفهم التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلاد، ويمنع الظلم والجور الذي يلحق بالنساء وقت الخلاف أو الاختلاف مع أزواجهم، ويعترف بمساهمات النساء في إقامة بيت الزوجية بغية انصاف نصف المجتمع المحروم من المساواة في الملكية الاقتصادية. إن إعمال العقل وإعادة قراءة النص والأثر والتراث العربي الإسلامي يدفع نحو التغيير الاجتماعي ويتيح تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في الحقوق بمقتضى كرامتهم الإنسانية. هذا التغيير يحتاج إلى قيادة طليعية ونخبة سياسية واجتماعية تتحمل مسؤولية قيادة التغيير لإحداثه بإنضاج ثقافة منفحته، وتقود المجتمع بالسلوك والمنهج من خلال توفير قواعد قانونية قادرة على منح الإنصاف لكلا الجنسين في الواجبات والحقوق.
تنويه: تم الاعتماد في هذا المقال بشكل واسع على مقالٍ نشره ذات الكاتب بتاريخ 2/5/2014 تحت عنوان "المناصفة في الثروة بعد الزواج ومبدأ الكد والسعاية".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت