- علي ابو حبلة
بعد نصف قرن من الاحتلال الإسرائيلي عادت للواجهة الحديث عن اهمية الانفكاك الاقتصادي مع الاحتلال واهمية تفعيل الاتفاقات الاقتصاديه العربيه وباتت الاولويه لدى غالبية الشرائح الفلسطينيه التكامل الاقتصادي مع الاردن ومصر على طريق التحرر الاقتصاديه وانهاء التبعيه مع الاحتلال الصهيوني الذي بات يتحكم في كل مفاصل الحياة المعيشيه للفلسطينيين بسبب تعقيدات وقيود اتفاق باريس والذي بات من الماضي، التبعية على خلفية فشل كافة الوسائل التفاوضية ووعود المجتمع الدولي بحل إشكاليات العلاقة الاقتصادية مع الاحتلال.
وكذلك بسبب سياسات الاحتلال التي ضيقت الخناق على كافة مناحي الحياة الاقتصادية، وقوضت كل فرصة متاحة للتنمية الاقتصادية الفلسطينية، ووضعت الاقتصاد الفلسطيني في حالة مواجهة مستمرة مع الاستيطان والاحتلال. منذ توقيع الاتفاقيات «المرحلية» (التي لم تعد مرحلية) بين م.ت.ف. وحكومة إسرائيل في العام 1995، بما فيها البروتوكول الخاص بالعلاقات الاقتصادية الملحق بها، يخوض الاقتصاد الفلسطيني معركة للتخلص من قبضة الاستعمار الاقتصادي الاسرائيلي، سلماً أو تفاوضاً أو مواجهةً، وذلك بعين مصوبة نحو بناء اقتصاد منتج، متنوع، مستدام، يجسد في مساره التنموي عملية تراكم عناصر السيادة للدولة الفلسطينية المستقلة.
رغم كل تلك الجهود، فإن هيمنة الاقتصاد الإسرائيلي وآليات التحكم للاحتلال بمفاتيح السياسات،الاقتصادية الفلسطينية التجارية والمالية والنقدية والعمالية ما تزال العقبة الرئيسية، بل الوحيدة، أمام تنمية مستدامة للاقتصاد الفلسطيني. حيث يقف صناع القرار الاقتصادي الفلسطيني عاجزين عن ممارسة تلك السياسات الاقتصادية السيادية التي من شأنها توليد النمو المستدام والمستقل. لكن ضرورة الانفكاك ما زالت بعيدة عن بال الخبراء مع انها ممكنه، هذه التبعية وتحرير الاقتصاد الفلسطيني من القيود باتت من الاهميه بمكان كمقدمه للتحرر من همينة الاحتلال وفرض سيطرته وسطوته على القرار الفلسطيني، لذلك كثفت الجهود الرامية الى تقليل التبعية أو فك الارتهان هي موضع اجتهاد ولكنها حتمية في المحصله وهي ليست مؤكدة على الاقل في مرحلة غياب إرادة سياسية وتسخير الأدوات الذكية المناسبة.
هذا بالإضافة إلى عدم حسم الجدل مع بعض الاقتصاديين ورجال الاعمال حول ماهية وامكانية هذا الانفكاك، والتبعات الخطيرة المحتملة لتحول مثل هكذا توجه الى محاولة «الانفصال» الاقتصادي، التي تعتبر مهمة مستحيلة، بل خاطئة بوجهة نظر البعض. لكن في المحصله هناك توجه حقيقي من قبل الغالبيه للقوى الفلسطينيه وشرائح المجتمع الفلسطيني لضرورة العمل لتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية مع الدول العربيه وتحديدا الاردن ومصر ضمن عملية التكامل الاقتصادي والانفكاك التدريجي مع الاحتلال.
لم تأخذ حكومة بايدن العبر من الادارات السابقه أن السلام الاقتصادي مع إسرائيل لن يقيل عثرات الفلسطينيين ولن يؤدي لتحقيق السلام او تحريك المياه الراكده، بعد سنوات عدة من الشلل، بادر وزير التعاون الإقليمي في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، عيساوي فريج، من حزب ميرتس اليساري، إلى العمل على تفعيل اللجنة الإسرائيلية – الفلسطينية المشتركة للقضايا الاقتصادية، وإزالة الحواجز التي من شأنها تسهيل النشاط الاقتصادي للسلطة الفلسطينية. وحسب مصدر مقرب من فريج، توجد محادثات متقدمة مع السلطة الوطنية في رام الله لإعادة تشكيل وتفعيل اللجنة. وهو ينسق خطواته بهذا الشأن مع عدد من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية، على رأسهم وزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ.
وأكدت أن مبادرة فريج، تعد الخطوة الأولى التي تقودها الحكومة الإسرائيلية الجديدة، برئاسة نفتالي بنيت ويائير لبيد، مع السلطة الفلسطينية، وهي تنال رضى الإدارة الأميركية. وأكد المصدر أن الطرفين اتفقا على التداول خلال الأسابيع القليلة القادمة حول عدد من القضايا الملحة، بينها، إزالة عشرات الحواجز العسكرية التي أقامتها إسرائيل على مداخل البلدات والقرى الفلسطينية وتشكل حصاراً خانقا للحياة اليومية والاقتصادية، وبينها إضافة حوالي 17000 تصريح عمل للعاملين الفلسطينيين داخل إسرائيل في قطاعي البناء والصناعة، وتنظيم سلطة الوقود الفلسطينية وتوفير أدوات النجاح لها، وغير ذلك من القضايا.
لكن لم يؤخذ الاخفاق بعين الاعتبار في معالجة الواقع السياسي والاقتصادي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني المحاصر والذي لن يؤدي إلا لتكريس الوضع الراهن للاحتلال الإسرائيلي، كما سيؤدي على الأرجح إلى مزيد من العنف. وبرأي الخبراء الدوليين أن التعاطي مع الواقع بالتشجيع على إقامة علاقات اقتصادية بين إسرائيل وفلسطين -حسبما بات شائعا في العواصم الغربية - ليس هو الحل.
ويجب العمل على بناء اقتصاد فلسطيني مستقل والضغط على إسرائيل لوضع حد لاحتلالها للضفة الغربية والقدس الشرقية وحصارها المدمِّر لغزة، عوضا عن تكريس الوضع الراهن. ان «خطط السلام الاقتصادي» المتعلقة بإسرائيل وفلسطين ما انفكت تُطرح في كل مكان وهكذا تحاول ادارة بايدن ان تعود من بوابة الاقتصاد ضمن حلقه متكامله بدءا من خطة وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري في 2013، وخطة جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، في 2019، وانتهاءً بتقارير مؤسسات من قبيل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الداعية إلى علاقات اقتصادية دون عوائق بين شركات القطاع الخاص الفلسطيني والإسرائيلي. وتقع تلك المقترحات تحت مظلة «السلام الاقتصادي»، وهي نظرية معيبة تفترض وجود حل اقتصادي لأي مشكلة سياسية. بمعنى آخر، هناك اعتقاد سائد وسط من يُسمَّون «خبراء» بأن الحوافز الاقتصادية سوف تثني الفلسطينيين عن المطالبة بحقهم في تقرير المصير.
الـ50 سنة الماضية لم تجلب تقاربا بين فلسطين وإسرائيل اقتصاديا او سياسيا. فمن حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، تجاوز الاقتصاد الإسرائيلي نظيره الفلسطيني بمقدار الضعف في عام 1967 عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة.
أما اليوم، فقد زادت الهوة بينهما بأكثر من 11 ضعفا. ثم إن التقارب الجغرافي بين إسرائيل وفلسطين تسبب في «أسوأ» صيغ التبعية الاقتصادية التي يمكن تخيلها، فلطالما كان الاقتصاد الفلسطيني طيلة العقود المنصرمة محبوسا في دوامة من التخلف إذ ظل عاجزا عن بناء قاعدة إنتاجية قوية في قطاعي التصنيع والزراعة، وارتفع العجز التجاري بشكل مذهل، وبقي معتمدا على تصدير العمالة إلى إسرائيل وعلى أسواق السلع فان الاقتصاد سيصل الى ادنى مستوى له، وهنا تبرز اهمية التكامل الاقتصادي مع الاردن ومصر واهمية ذلك في التحلل التدريجي والانفكاك عن التبعيه للاقتصاد الاسرائيلي وهذا قد يكون اهم مفتاح على طريق انهاء الاحتلال والتحرر ووضع حد للاستيطان وتجفيف ينابيعه ووقف تهويد القدس ووضع اسس للسلام العادل وتحقيق رؤيا الدولتين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت