سليمان النجاب في ذكرى الرحيل: ما زلنا نحصد مما زرعت بشجاعتك وحكمتك وصوابيه رؤيتك.

بقلم: وليد العوض

سليمان النجاب
  • بقلم/ وليد العوض*

في الثاني عشر من آب عام 2001 غابت شمس من شموس فلسطين التي ملأت بنورها فضاء الارض، سنديانة انغرست في الأرض وبقيت شامخة في جيبيا الرابضة على اكتاف جبال رام الله.
في ذلك اليوم ذوت شمعة انارت لسنوات طريق الكفاح الوطني حيث رحل القائد الوطني التقدمي الكبير سليمان النجاب أبو فراس عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني وعضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
هذه الايام تمر ذكرى رحيله المؤلم الممتدة لأكثر من عقدين من الزمن، وقد ترك هذا الرحيل ندوب ما كان لها أن تكون في جسم الحزب ومسيرته، ندوب مؤلمة أوجعتنا وما زالت وما كان لها ان تكون لولا هذا الرحيل المبكر لأبا فراس ورفاقه الأصايل.
اليوم نفتقد شجاعة وحكمة وفراسة أبو فراس على الصعيد الوطني حيث تمر قضيتنا الوطنية بمرحلة من أخطر المراحل، هذه الايام يفتقد شعبنا وحزبنا ايضاً لحكمته في ادارة الاختلاف والتباين الذي يعصف بالساحة الفلسطينية.
 نفتقد بقوة لحنكته السياسية التي عركتها السنين الطوال وهو الذي أمضى خيرة سنوات عمره مناضلاً عنيداً وقائداً بارزاً من قادة حزبنا وقادة الكفاح الوطني والتقدمي الفلسطيني بمختلف الساحات والميادين.
في ذكرى رحيله المؤلم نستذكره ونحن حزبياً في اقصى درجات الحاجة له ولقدرته الجامعة ورؤيته الثاقبة التي تميز بها لسنوات حيث صقلته سنوات السجن الطويلة التي لم تنلْ من عزيمته بل زادته إصراراً على التمسك بقيم العدالة والحرية والمساواة التي تربى عليها منذ انخراطه المبكر في ميدان النضال الوطني التقدمي في مطلع خمسينات القرن الماضي مناضلاً صلباً مدافعاً عن العمال والفلاحين في مواجهة كافة اشكال وصنوف الاستغلال، ومناضلاً وطنيا من اجل التحرر والاستقلال سعى بدأب لتربية وتثقيف الرفاق بكل اهتمام حيث كان يرى في ذلك السبيل الأسلم للتصدي لنزعات التسلط والتفرد التي تسللت لأعلى المواقع  في الزمن الرديء، وقد كان جل اهتمامه يتمثل في نشر الوعي بين الرفاق وتحفيزهم على ممارسة قول كلمة الحق امام كل سلطان جائر، بهذه الروح كان أبو فراس يغذي الرفاق يرفع من روحهم المعنوية ويحفزهم على الوقوف في وجه نزعات التسلط والتفرد وهي في بداية نموها لكنها غدت مرضاً عصياً يتطلب  العلاج الجدي لضمان التقدم والسير على ذات الطريق.
في ذكرى رحيله نستذكره ونحن في أمس الحاجة الى قدرته الخلاقة في تعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز اسهامات الحزب فيها على مختلف الصعد، وتكريس مكانة الحزب فيها حزباً يمتاز برؤية صائبة صادقة بعيدة عن الانفعالات والقفزات البهلوانية التي لا تليق بحزب قادته الراحلون كبشير البرغوثي وسليمان النجاب وتيسير العاروري ومحمد ابو شمعة ومعين بسيسو وعبد الله ابو العطا ووليد الاغبر وفؤاد رزق ومحمود الرواغ وداوود عريقات وسمير البرقوني ومحمود نصر وعبد المجيد كحيل والعشرات ممن لم يتسع المقال لذكرهم.
حزب قادته لهم طول العمر نعيم الاشهب وعبد الرحمن عوض الله وعبد المجيد حمدان ووليد مصطفى ومحمود شقير وماهر الشريف ومازن الحسيني وسعيد مضية والعشرات غيرهم.
كما انها بدون شك لا تليق بتضحيات الاف الشيوعين الفلسطينيين رفيقات ورفاق وعذاباتهم على مر السنين في مختلف الساحات والسجون هؤلاء المناضلون الذين ينظرون لواقع الحال بألم كبير وامل بان يستعيد حزبهم المجد الذي يستحق.
نحن اليوم في أمس الحاجة لهم جميعاً ولأبي فراس ولدوره الوطني التقدمي والديمقراطي الذي ميز مسيرته خلال سنوات نضاله كقائد بارز ومؤسس من قادة الحزب الشيوعي الفلسطيني ولاحقا في حزب الشعب الفلسطيني وممثلا له في اللجنة التنفيذية.
نتذكره هذه الأيام لما تميز به من ديناميكية رائعة وفكر مستنير سخره للحفاظ على استمرارية الحزب وتوطيد مكانته على الصعيد الاممي.
 نحن بحاجة لبعد الرؤية والفراسة التي تميز بهما عندما عصفت الأزمة التي أدت الى انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية وبالاستناد الى فكره المتنور ورفيقه المؤسس الذي رحل عنا قبله بعام بشير البرغوثي واسهامات العديد من القادة المجهولين في الحزب حيث تمكن الحزب من الحفاظ على مكانته في قلب الحركة الوطنية الفلسطينية كفصيلٍ أساسي من فصائلها.
الرؤية الثاقبة تلك  التي امتلكها أبو فراس ورفاقه تتطلب التطوير والتقييم بمنظور ذلك الزمان المحدد وليس البحث عن طرق ملتوية في محاولة للتنصل منها دون وفاء بل وتحميلها مسؤولية ما آلت اليه الأحوال اليوم، في تهرب واضح من تحمل المسؤولية عما حلْ، ويغيب عن البال بكل أسف ان الفضل في البقاء يعود لتلك الرؤية التي عززت مكانة الحزب وحمته من الانواء في حينه ومنها ما زلنا نغرف اكسير البقاء للاستمرار في مسيرة الكفاح ومواصلة العطاء، انها المكانة التي يجري تبديدها بنزق طفولي وفوضى تأخذ اشكالاً متعددة يجب وقفها دون تردد.
في ذكرى رحيل النجاب اليوم تزداد الحاجة وطنياً لخبرته الطويلة في الحوار الوطني وطول النفس للخروج من الازمة الراهنة التي تعصف بالنظام السياسي ومغادرة حالة التمزق والانقسام التي تعيشها الساحة الفلسطينية في هذه المرحلة الصعبة بعد ان تصدر المشهد في العديد من المستويات الأغرار والمراهقين وقادة الصدف الذين باتوا يتحكمون بكل شيء دون وازع ورادع.
نفتقدك يا أبا فراس بعد أن فقدت الحركة الوطنية الفلسطينية معك قادة من رموزها وقادتها الميامين الذين كتبوا تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بأحرف من دم ونور، وبفضل كفاحهم غدت قضية شعبنا من أبرز قضايا العصر، لكنها بكل اسف غدت الان في وضع لا تحسد عليه.
 في هذه الظروف ما أحوجنا لتلك الخبرة العظيمة التي تميز بها أبو فراس حيث بذل جهودا مضنية لمنع اقتتال الأخوة في اليمن الديمقراطي عام 1986 في محاولة لإنقاذ تجربة اليمن الديمقراطي لكن جهوده لم تكلل بالنجاح، إلا أن جهوده ورفاقه في رأب الصدع الفلسطيني أثمرت ذات يوم من نيسان عام 1987 بانعقاد الدورة التوحيدية للمجلس الوطني في الجزائر بعد أزمه الانشقاق الحاد التي تعرضت لها منظمة التحرير الفلسطينية ولقد كان للراحل سليمان النجاب ورفاقه بصمات واضحة قي إنجاز الوحدة تسجل له وللحزب الذي ينتمي إليه في صفحات تاريخ النضال الوطني الفلسطيني.
في تلك الدورة التوحيدية للمجلس الوطني احتل الحزب الشيوعي موقعه الذي استحقه عن جدارة في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وكافة مؤسساتها وانتدب آنذاك أبا فراس ليكون خير ممثل للحزب في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
وكما كان يوصي دائما حافظوا على منظمة التحرير وصونوها بحدقات العيون واعملوا بكل جهد لإصلاحها وتطويرها وتعزيز مكانتها كممثل شرعي وحيد لشعبنا الفلسطيني، وآهٍ يا ابا فراس لو عدت اليوم لترى الحال الى أين وصل اليوم.
ونحن نتذكر بشير البرغوثي هذه الأيام ومعه رفيق دربه سليمان النجاب وكل الذين سبقوهم وتبعوهم على الدرب نقول لهم باقون أنتم في قلوبنا أنتم أيها الأعزاء نستلهم من خبرتكم الدروس والعبر ونواصل المسيرة التي رسمتم معالمها ولن نحيد عنها مهما كانت المصاعب.
افتقدناكم في ظروف صعبة ونتذكركم وما يزال أمامنا الكثير من المهام من اجل الدفاع عن حقوق وحرية شعبنا وتحقيق الاماني التي ناضلتم من اجلها. ومن اجل الحفاظ على الحزب الذي بنيتم واحببتم وصون مسيرته وتعزيز مكانته وتنقيته من كل شائبة انه العهد يا أبا فراس وكثرٌ كثر هم الذين لن يتخلوا عنه رغم الصعاب.
في ذكرى رحيلك يا أبا فراس نقول لك والحزن يعتصر قلوبنا بانك باقٍ في قلوبنا لم ترحل ستبقى مشعلاً تنير لنا طريق الكفاح نحو تحقيق كل الأهداف والأماني التي نذرت حياتك من اجلها.  

*عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني
١١-٨-٢٠٢١

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت