- د. فايز أبو شمالة
يكثر الحديث في مؤسسات غزة الحكومية عن الحاضنة الشعبية للمقاومة، وضرورة مراعاة ظروف الناس المعيشية، وعدم فتح ثغرة في حائط الصد الداعم للمقاومة في وجه العدوان الإسرائيلي، حديث بمجمله طيب، ويعكس حرصاً على المصلحة العامة، ولكن حين تخوض في التفاصيل، تحتار في تحديد هوية الحاضنة الشعبية!
فمن هم الحاضنة الشعبية للمقاومة؟
هل هم أولئك الذين يركبون ظهر الحمار والكارة، ويعيقون المرور، ويسيرون في الاتجاه المعاكس في شارع صلاح الدين، ويتسببون بحوادث الطرق، ويربكون حركة السير؟
هؤلاء ليسوا هم الحاضنة الشعبية للمقاومة، وبئس هؤلاء من حاضنة شعبية تشتم المقاومة والمقاومين، ولو انطلق الحبل لهؤلاء المخالفين لقواعد المرور، لداسوا تحت عجلات كاراتهم كل شعارات الوطن والوطنية.
فهل الحاضنة الشعبية للمقاومة هم أولئك الذين اعتدوا على الأرصفة، وأقاموا فيها البسطات؟ بل أن بعضهم صار يبيع ويشتري ويؤجر الرصيف، فهل هؤلاء هم الحاضنة الشعبية؟ وهل تركهم في وسط الشارع نصرة للمقاومة ورجالها؟ وهل صارت لغزة فلسفة تقول: إن تنظيم الشوارع والأرصفة يعيق عمل المقاومة، ويهدم قيم النصرة للمقاومين؟
وهل الحاضنة الشعبية هم أولئك الذين لا يدفعون ثمن الماء والكهرباء، بل أن بعضهم يبيع الكهرباء للجيران، وتراهم في النهار والليل لا يطفئون الضوء، ولديهم كل أنواع الأدوات الكهربائية، ويستخدمون المروحة والدفاية في اللحظة نفسها، وبعضهم يترك المياه تسيل على الرمل دون استعداد لإغلاق الصنبور؟ هل هؤلاء هم الحاضنة الشعبية للمقاومة؟
وهل الحاضنة الشعبية للمقاومة هم سائقي السيارات الذين يقفون على مفرق الطرق، وهم يعطلون السير؟ أم هم أولئك الذين يقفون بسياراتهم في وسط الشارع، كي ينزل الراكب، ويترك عشرات السيارات من خلفه تصرخ وتنادي بالخلاص من اختناق الطريق؟
وهل الحاضنة الشعبية هم سائقي تلك السيارات موديل 1970، وهي تنفث الدخان والزكام في أنوف الناس؟ أو ربما الحاضنة هم سائقي السيارات دون ترخيص؟
وهل الحاضنة الشعبية هم أولئك الذين يلقون بالقمامة في الشوارع، ولا تأخذهم رحمة بالناس من الروائح الكريهة، والمنظر المشوه لمعظم المدن، وهي تعج بأكياس النايلون والمخلفات؟
وهل الحاضنة الشعبية للمقاومة هم أصحاب (التكتك)، وهم يتجاوزون السيارات عن اليمين والشمال دون مراعاة لقواعد المرور، ومن خلفهم نسائهم وأطفالهم يسابقون الريح على عجلتين؟
وهل الحاضنة الشعبية هم أولئك الذين يضعون مكبر الصوت على الكارة أو السيارة، ويطوفون في الشوارع حتى منتصف الليل ينادون على المانجا والبطيخ والغاز والكلور، ومن عنده أدوات خربانة للبيع؟
الحاضنة الشعبية للمقاومة ليس كل ما سبق، وليس كل محطم للنظام، ولا كل من تلوث وعيه، وحسب الوطن فريسة، سيقطع من أطرافها ما يشاء، لتظل الحاضنة الشعبية الحقيقية للمقاومة هم كل أولئك الذين يدفعون ثمن فاتورة المياه، وثمن الكهرباء، ولا يزاحمون ببضائعهم على الأرصفة، ولا يلقون بالقمامة في الشوارع، ولا يعتدون بمكبر الصوت على آذان الناس، ولا يصرخون في الشوارع ويولولون، ولا يعتدون بفاحش اللفظ على الآخرين، ولا يتسولون، ولا يسترزقون ولا يتفننون في الكذب والدجل،
الحاضنة الشعبية هم من يدفعون أولادهم وأكبادهم لتسير في درب المقاومة، ويقدمون أرواحهم فداءً للمقاومة، ولا تهون عليهم البندقية، ولا القذيفة التي دفعوا ثمنها من قوت عيالهم؟ هؤلاء هم بأخلاقهم وسلوكهم وانضباطهم هم الحاضنة الشعبية للمقاومة، وهؤلاء هم الأغلبية من شعبنا، أما أولئك المشجعون للانفلات فإنهم الأقلية من شعبنا، والذين صار الاعتداء والتسلط والعربدة والصراخ جزاءً من سلوكهم، وهم ليسوا حاضنة شعبية.
أيها المسؤولون: لا تحرصوا على مهادنة ومرضاه الأقلية دون الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأغلبية الذين يحتضنون المقاومة بروحهم وعقلهم وعملهم وبكل وجدانهم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت