- د. رائد موسى
بدون تعمق بالتاريخ الافغاني ولا بتاريخ طالبان ونزاعاتها ، ان ما يمكن ادراكه هو ان أمريكا وبدعم ومشاركة الغرب غزت افغانستان بعد احداث سبتمبر 2001 لأن أمريكا والغرب لا يقبلوا بان يكون هناك مكان في العالم خارج عن المنظومة الدولية التي وضعوها ، بمعنى ألا يكون هناك اقليم خارج عن ضوابط القانون الدولي ويوفر ملاذ آمن للجماعات التي تمارس أعمال مضادة لمصالح الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا ، فقد كانت افغانستان في عهد طالبان ملاذ آمن لتنظيم القاعدة بغض النظر عمن صنع القاعدة ومولها .
لذلك الغزو الامريكي هو ليس احتلال بمفهوم الاحتلال الراسخ بعقول الفلسطينيين انما هو سيطرة عسكرية بهدف ضبط القواعد التي تحكم هذا الاقليم . مشكلة المواطن الفلسطيني انه عالق بمفاهيم الاحتلال الاسرائيلي العنصري الإحلالي الاستعماري ، ويقيس أي نزاع دولي على نفس مقاييس صراعه مع الاحتلال الاسرائيلي ويرى ان انسحاب المحتل هو النصر المظفر الذي من بعده يتوقف الكلام ، بينما في الحقيقة ان لكل غزو واحتلال خصوصيته والكثير من الدول التي غزاها الجيش الأمريكي لفرض قواعد سياساته عليها قد نجحت وارتقت بفضل هذا التدخل الأمريكي وخير مثال على ذلك كوريا الجنوبية والمثال المعاكس لها كوريا الشمالية .
الآن نعود الى ماذا تريد أمريكا من افغانستان . بشكل مبسط وبدون تعقيد وبدون خبرة وتعمق في الموضوع أعتقد انها تريد منها ان تكون دولة مضبوطة بمعايير القانون الدولي ولها سلطة تتعاون مع المنظومة الدولية في تحقيق الأمن الدولي ، والا تكون ارضها ملاذ آمن لأي جماعات تمارس اعمال عنف او اعمال غير قانونية تهدد مصالح وسلامة امريكا وحلفائها وغيرهم من دول .
طالما طالبان تعهدت بانها ستؤمن المطالب والغايات الأمريكية من تواجد قواتها في افغانستان ولن تسمح لأحد باستغلال اراضي افغانستان كقاعدة آمنة له في الاضرار بالمصالح الأمريكية فهنا لن يبقى حاجة للوجود الأمريكي في افغانستان . أمريكا لم تنجح في الاعتماد على الحكومة الافغانية التي ساعدت على تأسيسها لأن طالبان ستستمر بالشغب الى ان تنال السلطة ، ولأن جماعة طالبان ببساطة لا تجيد شيء مفيد لها غير ممارسة سلطة تعتاش من ورائها ولهذا لن تهدأ الا اذا نالت نصيبها من تلك السلطة .
اما قضية الارتقاء بافغانستان من خلال حكم علماني ديمقراطي فهي قضية لا تؤرق احد في هذا العالم سوا الشعب الافغاني. حاولت أمريكا مساعدتهم ولكنهم فشلوا لأنه يبدو ان الشعب الافغاني غير جاهز لا حضارياً ولا ثقافياً ، ولا يزال جزء كبير منه يؤمن بطالبان وبحقها بالسلطة لذلك بعد ان اخذت امريكا ضمانات بما تريد من طالبان يغلقون باب افغانستان ورائهم ويغادروا ولسان حالهم يقول فخار يطقش بعضه .
هنا نعود للشأن الفلسطيني . حماس تفاءلت بما حصل بأفغانستان وخصوصا وان قادتها يجلسون بنفس الحضن الذي هذب طالبان وعلمهم ما هو المطلوب منهم لنيل القبول الأمريكي ، الحضن القطري الوكيل للمصالح الأمريكية .
وهنا حماس تستغرب طول الوقت وطول السنين التي تحتاجها اسرائيل لتمنحهم شرعية حكمهم لغزة والتسهيلات اللازمة لذلك رغم استعدادهم لتقديم كل الشروط اللازمة لذلك من توفير للأمن وحماية للسياج الفاصل ومنع أي عمليات هجومية وبدون أي مطالب سياسية تؤرق الاحتلال وبدون حتى أي سيادة حقيقية على غزة انما باستمرارها لإقليم خاضع لسلطات الاحتلال . مشكلة حماس لا تدرك بان الاحتلال رغم سعادته بالانقلاب والانفصال بغزة وبحكمهم لغزة ، الا ان الاحتلال لا يريد لغزة أي انتعاش اقتصادي انما يريدها بقعة طاردة لأهلها لأنه لا حل لديه للتضخم الديمغرافي الهائل في غزة ، الا بالدفع تجاه الهجرة الطوعية لأهلها لهذا يحافظ على بقاء غزة بائسة ، ولهذا على حماس ان تدرك ان ما هي فيه هو اقصى ما يمكن ان يمنح لها مقابل خدمات الأمن والحفاظ على الانقسام المدمر لمشروع استقلال الدولة الفلسطينية .
وعلى حماس ان تدرك بانه حتى لو اراد الاحتلال تحسين أوضاع حكم حماس فهو أيضا عاجز عن ذلك فأفضل ما تمكن من ان يقدمه لحماس هو توفير دولة ممولة بشكل دائم لغزة كما تفعل قطر وهذا لا يكفي لانعاش الوضع . فحالة غزة لا يمكن لاحد ان يتبناها ويرعاها ويحل اشكالياتها الا السلطة الوطنية الفلسطينية ذات الموارد الدائمة المقبولة والقادرة على تحمل مسؤوليات غزة بشكل دائم ومستمر .
لذلك امام حماس خيارين اما الاستمرار في هذا الوضع الذي من الممكن ان ينفجر في وجهها شعبيا بأي لحظة ، او تسليم مسؤوليات غزة للسلطة الفلسطينية ، وهذا بمثابة انتحار لحماس . لذلك ستفضل الخيار الأول على أمل ان تستمر الى أطول وقت ممكن في هذا الواقع البائس للجمهور في غزة والمنعش لها .
د. رائد موسى
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت