تشير التقديرات في جهاز القضاء الإسرائيلي إلى أن المحكمة الإسرائيلية العليا لن تتعجل باتخاذ قرارها المتعلق بقضية إخلاء قرية خان الأحمر الفلسطينية، شرقي مدينة القدس المحتلة، وتهجير سكانها.
ووفقا لتقرير أورده الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" (واينت)، يوم الأحد، فإن أبعاد قضية القرية المهددة بالإخلاء والترحيل وانعكاسات القضية على الساحة الدولية قد يدفع المحكمة إلى تأجيل "التدخل والبت فيها".
يأتي ذلك بالتزامن من طلب رسمي قدمته الحكومة الإسرائيلية، مساء الأحد، إلى المحكمة الإسرائيلية العليا، لتأجيل اتخاذ القرار بشأن إخلاء وتهجير أهالي خان الأحمر لمدة ستة أشهر إضافية تنتهي في آذار/ مارس 2022، وذلك لاعتبارات أمنية وسياسية مختلفة.
وجاء في الطلب الذي قدمته الحكومة الإسرائيلية أن "القيادة السياسية توصلت إلى قرار بأن هناك حاجة إلى فترة زمنية إضافية قبل التمكن من اتخاذ إجراء لتنفيذ أوامر الهدم" في خان الأحمر، وذلك إثر انتهاء المهلة التي منحتها المحكمة للسلطات.
وكتبت الحكومة في طلبها أن "الدولة تطلب مهلة إضافية مدتها ستة أشهر لتقديم موقفها" حول إخلاء وتهجير خان الأحمر، يتم خلالها تقديم وثيقة سرية توضح للمحكمة بالتفصيل جميع الاعتبارات التي تواجه الحكومة في ما يتعلق بالهدم والإخلاء القسري في خان الأحمر.
كما جاء في رد الحكومة أنه "تم إحراز تقدم كبير في العمل على صياغة المخطط المتفق عليه لتنفيذ أوامر الهدم" في خان الأحمر، وأن القيادة السياسية "توصلت إلى قرار" بأن الأمر سيستغرق فترة زمنية أخرى قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذها أوامر الهدم.
وفي 5 أيلول/ سبتمبر 2018، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا نهائيا بهدم وإخلاء خان الأحمر، بعد رفضها التماس سكانه ضد إجلائهم وتهجيرهم وهدم التجمع السكاني.
من جهة أخرى، نقل "واينت" عن مسؤولين في جهاز القضاء الإسرائيلي قولهم إن "المحكمة العليا على دراية بالتعقيدات السياسية والدبلوماسية المتعلقة بهذه القضية والتي قد تتعرض لها دولة إسرائيل".
ولفتت المصادر إلى أن "المحكمة تأخذ في الاعتبار تداعيات القضية على الساحة الدولية - وبالتالي تفضل حل القضية سياسيًا، بدلا من (إخلائها بموجب) قرار قضائي".
ويلقى مخطط تهجير خان الأحمر معارضة دولية واسعة. كما أن مصادر أمنية إسرائيلية أكدت واشنطن طلبت من إسرائيل بوضوح جلي تأجيل إخلاء وهدم قرية خان الأحمر.
وأوضحت المصادر أنه من المتوقع أن ينظر القضاة في طلب الدولة بشأن بلورة "تسوية"، تقضي بنقل سكان القرية إلى مكان بديل ومنح المزيد من الوقت للضغط على أهالي خان الأحمر لدفعهم إلى الموافقة على مقترح التسوية.
وتطالب الحكومة الإسرائيلية من المحكمة تأجيل الإخلاء القسري لحين انتهاء المفاوضات مع الأهالي في خان الأحمر.
وتعرض وزارة القضاء على المحكمة العليا، موقف الدولة بناء على الموقف الذي بلورته وزارة الخارجية الإسرائيلية، بوجود صعوبات سياسية في إخلاء خان الأحمر وأن الإخلاء القسري قد يسبب ضررا سياسيا كبيرا لإسرائيل.
يذكر أنه في تموز/ يوليو الماضي، حذّر وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد من الإخلاء القسري في خان الأحمر، وذلك للتداعيات السياسية والأمنية لهذه الخطوة.
ودعا لبيد إلى إعادة فحص الظروف اللازمة للإخلاء التي تم تأجيله منذ سنوات، وذلك بسبب "ضغوط من المجتمع الدولي الذي يعارض الإخلاء".
وقال لبيد حينها، في رسالة رسمية بعثها إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، والمستشار القضائي للحكومة، افيحاي مندلبليت، إن "قضية إخلاء خان الأحمر موجودة على طاولة (بحث) الحكومات الإسرائيلية منذ عدة سنوات... وفي عام 2018، أذِنت المحكمة العليا بإخلاء المنطقة وهدمها".
وأضاف لبيد مستدركا: "إلا أنه وبسبب حسابات سياسية مختلفة، التي اتّخذت من قِبل الحكومات السابقة، لم تُخلَ المنطقة حتى يومنا هذا". وذكر أن "إخلاء المنطقة يتضمنّ عواقبَ، ويضع عدة تحديات ثقيلة على مستوى السياسة الداخلية (في إسرائيل)، ومن ناحية أخرى على المستوى الدولي، الأمر الذي من شأنه أن يكون له عواقب سياسية كثيرة".
وفي أيلول/ سبتمبر 2020، كان قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية، نوعم سولبيرغ، قد اعتبر أن طلب الحكومة الإسرائيلية حينها، تأجيل إخلاء القرية الفلسطينية بأنه طلب "محرج".
واعتبر أن الدولة التي جادلت المحكمة سابقا وطالبتها بـ"إلحاح وربما باستعجال" المصادقة على قرارتها بإخلاء وتهجير "خان الأحمر"، باتت تطالب بتأجيل تنفيذ القرار.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، أبلغت الدولة المحكمة العليا بأنها لا تعتزم إخلاء قرية خان الأحمر خلال الأشهر المقبلة، وأن هناك حاجة إلى فترة أربعة أشهر لصياغة مخطط متفق عليه لهدم القرية.
وآنذاك، أوضح رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، ووزير الجيش، بيني غانتس أن "القيادة السياسية ما زالت مصرة على ضرورة تنفيذ أوامر الهدم في ‘حان الأحمر‘، وفي هذا الشأن لا يوجد تغيير في موقفها".
وفي ردها على طلب آخر قدمته الحكومة الإسرائيلية في تموز/ يوليو الماضي لتأجيل الإخلاء والتهجير في خان الأحمر تحسبا من ردة الفعل الدولية، قرر قضاة المحكمة بأن المهلة التي توشك على الانتهاء ستكون الأخيرة.
ووافق القاضيان سولبيرغ وجورج قرّا على طلب ممثل الدولة بالتأجيل، في تموز/ يوليو الماضي، مؤكدان أنهما لن يمنحا الدولة مهلة أخرى. وكتب القاضيان في ردهما حينها "قررنا منح تمديد لتقديم الإشعارات المتعلقة بالقضية حتى 5 أيلول/ سبتمبر وليس أكثر".
وتعتبر إسرائيل الأراضي المقام عليها التجمع البدوي "أراضي دولة"، وتقول إنه "بني دون ترخيص".
ويعيش في التجمع عشرات من عشيرة الجهالين، الذين قامت السلطات الإسرائيلية بترحيلهم من أراضيهم في النقب في خمسينات القرن الماضي، إلى مكان سكناهم الحالي.
ويحيط بالتجمع عدد من المستوطنات اليهودية؛ حيث يقع ضمن الأراضي التي تستهدفها السلطات الإسرائيلية لتنفيذ مشروعها الاحتلالي المسمى "E1".
وحذر فلسطينيون من أن تنفيذ عملية الهدم من شأنه التمهيد لإقامة مشاريع استيطانية تعزل القدس الشرقية عن محيطها، وتقسم الضفة الغربية إلى قسمين بما يؤدي إلى القضاء على خيار "حل الدولتين".
وخلال الأيام الماضية، جرت مداولات حول إخلاء وتهجير خان الأحمر في الحكومة الإسرائيلية، وبحسب (واينت)، أوصى جهاز الأمن بعدم إخلاء خان الأحمر حاليا، وأن "تتواصل الاتصالات مع البدو وإقناعهم بالانتقال إلى مكان آخر". وجرى البحث خلال هذه المداولات بأن تطلب السلطات من المحكمة العليا تمديد مهلة الإخلاء.
وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى وجود معسكرين حاليا في الحكومة بشأن إخلاء خان الأحمر. غانتس ووزير الخارجية، يائير لبيد، يؤيدان تأجيل الإخلاء، فيما أحزاب اليمين في الحكومة – وبضمنهم رئيس الحكومة، بينيت، والوزراء أييليت شاكيد، أفيغدور ليبرمان، غدعون ساعر وزئيف إلكين – أصروا في الماضي على الإخلاء.