- بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب
- (فقرة من سيرة ذاتية ... أيلول/سبتمبر 2021)
إذاً، كنّا ثلّة من الفتيان والشبان الصغار المندفعين وطنياً، الحالمين، والذين يريدون أن يغيّروا مسار السياسة والتاريخ. كنت أصغرهم، وكنت أجلس معهم مشدوهاً بحواراتهم والعبارات العالية التي يستخدمونها، فتأثرت بهم أيما تأثر، وأنعكس ذلك على ذاتي، وتيقنت يوماً بعد يوم أن اعظم مُسلمات العلوم الإجتماعية، والعلوم الأساسية، تأخذ بمبدأ أول ومبدأ ثاني، المبدأ الأول، مفهوم "الانعكاس"، فما الكون سوى مرآة تعكس طاقة الافكار في عمق العقل الباطن للفرد الواحد، وهكذا أفكار الناس ومتلقيها، حيث تنعكس الثقافات والأفكار على الأخرين، وتكون في انطلاقها وانعكاسها ذات حضور وتأثير ..!!
كنت حتى في بداياتي تكوين الوعي عندي، أدرِكُ تمام الإدراك، بأن ثقافة الانتماء السياسي الايجابية والفعّالة يجب أن تسود في ساحتنا الفلسطينية المُكتظة بالألوان والمشارب الفكرية المختلفة، ودون أن تقوم على رفض الأخر ونكرانه، ودون العصبيات المقيتة للحزب أو التنظيم، بل يجب أن ترتكز هذه الثقافة على قاعدة حب الوطن ومصلحته العليا ومصلحة جميع ابنائه, ودعم وتأييد أيِ افكار ومواقف وتصرفات ايجابية تَصُبُ في هذا الاتجاه أيٍ كان مصدرها. فمن الجميل أن يكون الإنسان منتمياً إلى مجموعة تُشاطره أفكاره وأهدافه وهمومه بتقاطعاتٍ واسعة... وجميل شعور التعاون والعمل الجماعي نحو تحقيق الهدف، وجميل شعور التحدي والمخاطرة في سبيل الأهداف السامية والنبيلة، ولكن الأجمل من كل هذا أن يكون الانتماء لهذا الحزب بعيداً عن مفهوم العبودية… فأن تكون عضواً في حزب فإن هذا لا يعني أن ترى الخطأ فتصمت عليه من منطلق انه في مصلحة الحزب, أو تفترض بالقائمين على الحزب العصمة، وتسبغ عليهم صفة القداسة أو توافق على خطوات تتنافى مع مبادئك وأخلاقك.
تلك البدايات الجميلة، في مقتبل فتوتي وشبابي، كانت أوقاتاً سعيدة رافقتني في عملي الوطني، التنظيمي، والسياسي، والإعلامي، كنت فيها شعلة من العمل والنشاط بعيداً عن كل مايعكر صفو هذا العمل، كما كنت أتمنى لو أن الزمن تجمَّدَ عندها، ثم استأنف تدفقه بعد وقتٍ طويل، جارفاً بكتلته الثقيلة كل ما يجعل من تلك الأوقات نادرة، بحيث تصبح هي السياق ويصبح عكسها هو القليل.
لم أنتظر أن تتفق الأجيال الموجودة في هذه الحوارات على رؤية واحدة أو حتى على رؤى متشابهة، ومن هنا كانت تسعدني متعة تنظيم هذه الحوارات والمشاركة فيها في ذاك الزمن إياه، وهو ماساعدني في انجاز عملية تراكمية من البناء والزاد المعرفي. لقد كانت المجموعات الشبابية الفلسطينية في مخيم اليرموك، وبالطبع في كل تجمعات الشتات الفلسطيني، وفي سياقات النقد العام لأداء الفصائل الفلسطينية، تتحدث دوماً في البحث عن ما كانت تسميه بـــ (البديل الثوري) حين بدت تلك الفكرة كــ "صرعة" أو "موديل" في استعراض القدرات التنظيرية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت