الأرض تضيع والمعادلات تتغير والشعارات تتراجع ..كيف ننقذ ما يمكن إنقاذه؟!

بقلم: طلال الشريف

طلال الشريف
  • د. طلال الشريف

بعد كامب ديفيد الأول تهنا سنوات في تفاصيل الخلاف العربي حول السلام مع إسرائيل من عدمه ، وهل كانت كامب ديفيد الأولى نقطة إنهاء الصراع أم بداية لشكل جديد من الصراع؟

* تفاقمت الخلافات حينها بين العرب وبقي الموقف الفلسطيني صلباً وجامعاً حول رفض كل ما يحدث.

 ذهب العرب في خلافهم حد القطيعة ونقل الجامعة العربية، وذهب الفلسطينيون في رحلة تيه يبحثون عن البديل إنتهت بكامب ديفيد الثاني ودخول الفلسطينيين معترك السلام تمخض عنه اتفاق أوسلو السري العلني لاحقاً وتاه الفلسطينيون وحدهم هذه المرة واختلفوا مع بعضهم ، ونقلت  المنظمة إلى الأرض المحتلة وقامت سلطة فلسطينية  لأول مرة لتعمل على إدارة الشأن الفلسطيني العام أملاً في إقامة كيان الدولة الفلسطينية على حدود ١٩٦٧ *وتوغل التوهان والفشل بعد أن لم تقم الدولة، وترهل الحال الفلسطيني وبدا كأنه كمين تحت السيطرة الإسرائيلية حين تخلت اسرائيل عن اتفاق أوسلو واحتفظت بالسلطة والمنظمة كرهينة لا حول لهما ولا قوة.

* تفاقمت معاناة الفلسطينيين بعد فشل أوسلو حتى في إدارة الشأن الداخلي الفلسطيني.

 
بعد السنوات الخمس التي مرت على أوسلو  ارتبك الفلسطينيون بشتى قبائلهم وضعفت مواقفهم وتطايرت بعض أوراق القوة لديهم ، ودخلوا في تيه أكبر كيف يعيدون توازنهم بمسؤوليتهم عن شعب دون امتلاك عناصر الوحدة السياسية بسبب أوسلو وممكنات الصمود واحتياجات المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة وما أن بدأوا يلتقطون الأنفاس للإعداد مجتمعين لمواجهة الإحتلال *حتى تكسرت وحدتهم بنكبة مشروع الإنقسام الجغرافي بعد مشوار الإنقسام السياسي وبدا واضحا الصراع على السلطة.

 تباعدت امكانيات الوحدة الجغرافية والسياسية والإدارية بعد الإنقسام ودخلوا في نفق مظلم غير معهود في تاريخهم أثقل كاهل الشعب والقضية فكان التوهان الكبير وتطايرت كل الأوراق التي تجمع عرى  شعب يناضل من أجل الحرية والإستقلال، *وتراجع الدور الفلسطيني وتقدم الدور العربي وأصبح الحل عربياً من جديد كما كان قبل العام ١٩٦٧، ولكن، الفارق في طريقة إدارة الصراع تغير ٣٦٠ درجة، فبعد أن كانت الجيوش العربية هي الأمل والأداة في حسم الصراع، أصبح العمل السياسي وعلاقات العرب الجديدة التي تغيرت فيها النظرة إلى القضية الفلسطينية من التحرير بالقوة إلى التحرير بالمفاوضات والمشاريع التي نتجت مع تطور السياسة الدولية وتداخل العالم في المساهمة في مشاريع السلام والحفاظ على السلم العالمي بالطرق السياسية *وذهبت فكرة التحرير بالقوة والجيوش إلى غير رجعة.

كل ما يعانيه الفلسطينيون بالنتيجة لتلك التحولات وسوء إدارتهم للصراع وإدارة أنفسهم وتطورات المنطقة وتغير شكل الصراع الذي أنتج حالة فلسطينية هشة وتابعة لدول تمد عناصر تلك الحالة ببعض الحياة دون أثر فلسطيني فاعل للسياسة وتتابعت عمليات مد الجسور العربية بدولة اسرائيل بعلاقات طبيعية وتاه الفلسطينيون أكثر وأصبحت اسرائيل تتحكم أكثر بكل تفاصيل حياتهم وتوجيه سياساتهم المنهكة والضعيفة بطرق مباشرة وغير مباشرة ما أوجد فراغا من حلول سياسية، *وتهيأت فرصة قاهرة غير مسبوقة لطرح الحلول النهائية في العلن كما خطة ترامب في الوقت الذي كان  يتراجع دور الفلسطينيين في إدارة الصراع ويتقدم الدور العربي الذي يحاول جاهدا العودة لمشاريع سابقة مثل المبادرة العربية وحل الدولتين على حدود ٦٧ وهي أوسع من مشروع ترامب الذي طرحته الولايات المتحدة ووافقت عليه اسرائيل،  رغم أن خطة ترامب التي وافقت عليها اسرائيل وقدمتها الولايات المتحدة بها شيء غريب وجوهري في نفس الوقت عن ماهية الدولة العبرية وحدودها  ولم تلفت نظر المؤرخين وحتى السياسيين العرب الذين ما انفكوا يتحدثون عن حدود مشروع دولة اسرائيل من النيل إلى الفرات وجاءت خطة ترامب  لتحدد حدود دولة فلسطين في خريطتها الجديدة التي بالنتيجة تحدد حدود دولة اسرائيل الجغرافية لأول مرة منذ نشأتها بغض النظر عن الموقف من تلك الخطة.

 قبل بعض العرب بخطة ترامب ورفضها الفلسطينيون لكنهم دون أوراق قوة بعد أن تاهوا في تفاصيل الحالة الداخلية الفلسطينية وتفاصل التفاصيل في كيفية استعادة التيار الكهربائي وحيثيات المأكل والمشرب وغياب فرص العمل واحتياجات العلاج والسفر وبعض ما تجود به اسرائيل من متطلبات الحياة وادخال المال والقروض والإعمار بعد حروب واشتباكات جرت وستجري في قطاع غزة والضفة الغربية وتفاصيل كثيرة ليس لها علاقة بالإستراتيجي في الصراع *وهو "التحرر والاستقلال أي الدولة وإنهاء الإحتلال " الذي غاب على ما ييدو إلى غير رجعة كما غابت سابقا الجيوش العربية عن محاولة حسم الصراع قبل نصف قرن بالقوة.

الآن لا يوجد مشاريع على الطاولة لدى الأمريكان والاسرائيليين والعالم وهناك محاولات من مصر والمملكة الأردنية لاستعادة مشروع حل الدولتين السابق المتعلق بحدود ما قبل الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ ولكن على ما يبدو أن خطة ترامب أصبحت مرجعية السلام التي تريدها الولايات المتحدة واسرائيل وما يطلق من بالونات تكتيكية للأدارة الأمريكية مثل موضوع عودة القنصلية للقدس ومكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن وعودة بعض المساهمات المالية الأمريكية للسلطة ووكالة الغوث لتمرير الوقت، ولكن الحقيقة ما يلاحظ من مواقف أمريكية  تبدو غامضة تجاه الاستيطان وتصريحات حكومة اسرائيل بينيت وشركاه بعدم وجود رؤية أو نية لديهم لحلول في فترة حكمهم *ما ينبئ بما هو خفي بأن مشروع ترامب مازال هو طريقهم الوحيد وبمرور الوقت واستمرار اضعاف الحالة الفلسطينية الضعيفة أصلا وما نحن فيه ما هي إلا خطة صامتة لإيصال الفلسطينيين للقبول بخطة ترامب ولا شيء غيرها، *هذا هو الاستراتيجي والباقي تفاصيل يشغلون فيها الفلسطينيين، ونحن فعلا تائهون في تلك التفاصيل ونغوص فيها أكثر عمقا، فوهم المصالحة وإنهاء الإنقسام يسيطر على السياسيين دون نتائج، ننتظر أموال العمادي وتنقية أسماء المستحقين مائة دولار قطر وارجاع رواتب الموظفين المقطوعة وادخال المواد الغذائية وتسهيل السفر والكهرباء وتوسيع أميال الصيد والمساعدات والكوبونات والاستعانة بقروض مالية اسرائيلية للسلطة ومطالب رفع الحصار وانتظار موافقة اسرائيل على اجراء الانتخابات في القدس والصراع على من هو خليفة عباس وكيف ستتم الخلافة ولسعات متكررة من حروب لا مكان لها من الإعراب تدخلنا في تفاصيل أكثر هزلية تواكبها محاولات تطبيع علاقات حماس مع العرب والسعي للإحلال أو الاستيلاء على المنظمة والسلطة  يقابلها في رام الله التدهور السياسي والاجتماعي والتدحرج لإغتيال المعارضين وسجنهم وتتابع التظاهر من أجل حرية الرأي، ونداءات الغزيين لفتح المعابر وتسهيل السفر الموحش وضربات مجتمعية من موجات الكورونا ومحاولات تغيير الوزارة وليس انتهاءا بالسعي لتسهيلات وصول الفاكهة للغزيين ... *انقذوا جزءا من الأرض المصادرة في خريطة ترامب قبل فوات الأوان.

أعيد أو ألخص  مرة أخرى، توقعاتي وفهمي للحالة الفلسطينية أنها مجمدة لسنوات ولن يفتح الباب الأمريكي وهذا ما عبر عنه بقوة بينيت وسكتت عنه ادارة بايدن رغم بعض التحايلات كموضوع القنصلية لتمرير الوقت إلى أن يتفق الطرفان حماس وم.ت.ف على القبول بخارطة ترامب التي وافق عليها العرب وتلك أصبحت مرجعية للسلام في الزمن القادم.

بعد أوسلو تقلص الدور العربي الذي يبدو مختلفا عن الستينات وبداية السبعينات وبالتحديد بعد حرب أكتوبر حيث تحولت شعارات التحرير والأرض مقابل السلام  وأصبح شعار العرب ما يرضي الفلسطينيين يرضينا، والآن عاد الدور العربي متقدما للحل على الدور الفلسطيني بالتطبيع والتوافق الخفي على خطة ترامب لتصبح المعادلة والشعار ما يرضى به العرب سيرضى أو يجب  أن يرضى  الفلسطينيون وهو عكس ماكان سابقا  ما يرضى الفلسطينيين يرضينا.

ونعيد القول أيضا، عندما يصبح الحل عربيا لا مجال لمنقسمين وشعب يعاني من كل شيء أن يصنعوا سياسة ..للأسف الحل عربي أو أصبح عربيا منذ العام ٢٠١٧ وتجري بعض الحروب والضغوطات في نفس السياق لتغيير المواقف رويدا رويدا وحقا هي تتغير وما أكثرها من دلائل على ذلك أفجعها ما بعد حرب غزة قبل أربعة أشهر ودوخيني يا لمونة، توهان في تفاصيل تكتيكية وليست استراتيجية تعالج أسس الصراع.
 والسؤال، للفلسطينيين جميعا، اتركونا من فلسفاتكم الحربية والتفاوضية الفاشلة .. الأرض تضيع فكيف ننقذ ما يمكن إنقاذه في خطة ترامب الغور ومناطق سي التي قد تكون ذهبت هي الأخرى بلا عودة ونحن تائهون في تفاصيل سبل الحياة والصراع على السلطة السراب ؟!

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت