حواتمة: نظامنا السياسي بات عاجزاً عن تعبئة القوى لمواصلة المسار نحو أهدافنا الوطنية

نايف حواتمة

في حوار مطوّل مع «الوسيط المغاربي» الجزائرية

  • حواتمة:
  • -ندعو لحوار وطني شامل لرسم استراتيجية جديدة وبديلة، تعيد بناء مؤسساتنا ونظامنا السياسي
  • -الانقسام والصراع الفئوي بدّد الكثير من انتصارات «معركة القدس»

 

قال نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إن النظام السياسي الفلسطيني، بات عاجزاً عن تعبئة القوى السياسية للحالة الفلسطينية للفوز بالحقوق الوطنية، الأمر الذي يتطلب العودة إلى الحوار الوطني، للاتفاق على آليات لإنجاز انتخابات شاملة تعيد بناء مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، على أسس ديمقراطية وائتلافية، تستعيد قيم حركات التحرر، وترسم إستراتيجية وطنية جديدة وبديلة لشعبنا، لمواصلة المسار نحو الحقوق الوطنية في تقرير المصير والعودة والاستقلال.

جاء ذلك في حوار مطوّل مع حواتمة، أجرته صحيفة «الوسيط المغاربي» الجزائرية، والذي نشر كاملاً على صفحاتها يوم الثلاثاء في 7/9/2021.

قدمت الصحيفة، حواتمة إلى قرائها الجزائريين بالقول:

نايف حواتمة، الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قائد وطني كبير، من أهم مؤسسي الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وأبرز قادتها الميدانيين، نجح، ورفيق دربه، ياسر عرفات (أبو عمار) في تثوير منظمة التحرير الفلسطينية، ونقلها من تحت عباءة الأنظمة العربية إلى موقعها، ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعب فلسطين.

قدم للثورة الفلسطينية برنامجها السياسي (العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة)، وبذلك قطع الطريق على محاولة بعض العواصم العربية، برعاية أميركية، لانتحال تمثيل الشعب الفلسطيني، وتذويبه وشطب قضيته.

وما زال هذا البرنامج عنوان وحدة شعب فلسطين، والراية التي تستظل بها م. ت. ف. ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعب فلسطين.

قائد فلسطيني، عروبي، أممي، امتدت علاقاته إلى كل أنحاء الوطن العربي، وإلى معظم قوى حركات التحرر في العالم، وأسس للقضية الفلسطينية جسور صداقة مع العديد من العواصم.

يقدس الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، ويرى فيها السلاح الأمضى لمواجهة العدو الإسرائيلي. اتخذ مواقف شجاعة منذ اليوم الأول لانقلاب حماس على السلطة الفلسطينية في قطاع غزة (14/6/2007)، واتخذ مواقف صارمة من كافة المحاولات لتشكيل أطراً بديلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، وبقي على تمسكه بالمنظمة، وبرنامجها الوطني رغم الأنواء والعواصف التي ثارت ضدها، وثارت ضده.

ما زال على رأس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قائداً ميدانياً، يتحدى الزمن، مفكراً سياسياً.

له العديد من المؤلفات عن القضية الفلسطينية، وعن «الربيع العربي» وأزمات حركات التحرر العربية، ترجمت إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية.

عن المسار النضالي الذي قطعته الجبهة الديمقراطية منذ انطلاقتها قال حواتمة:

ربما يحتاج هذا السؤال، لنجيب عليه إجابات موضوعية غير متيسرة إلى مجلدات، لأنه يفترض أن نستعرض تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وإنجازاتها وإخفاقاتها. فالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين هي جزء لا يتجزأ من هذا النسيج الوطني الفلسطيني، بل هي جزء رئيس من هذا النسيج، قدمت له الكثير من الإنجازات، في مقدمها أن الجبهة الديمقراطية كانت أول تنظيم سياسي يساري عربي يعتمد الكفاح المسلح ضد الاحتلال، طريقاً إلى التحرير، بينما كانت القوى اليسارية العربية الأخرى، بما في ذلك الحزب الشيوعي الفلسطيني (الذي اندمج في الشيوعي الأردني) تلتزم «الحل السياسي» انسجاماً مع سياسات الاتحاد السوفييتي، التي كانت تدعو للحل تحت سقف القرار الأممي 242، متجاهلاً قضية اللاجئين وحق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها داخل فلسطين في مناطق الـ68 هذا أولاً.

ثانياً: الجبهة الديمقراطية هي التنظيم الفلسطيني اليساري الأول الذي دخل م. ت. ف. وقدم في هذا السياق، رؤاه وخططه السياسية والتنظيمية، لتطوير مؤسسات م. ت. ف. لتشكل الجبهة الوطنية المتحدة للشعب الفلسطيني، انطلاقاً من قناعة ثابتة، لم تغادر الجبهة الديمقراطية يوماً واحداً، بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية، السياسية والبرنامجية، والمؤسساتية لعموم أبناء شعبنا وقواه السياسية، هي السلاح الأقوى الذي نجابه حالة التشتت المكاني لشعبنا، وحالة التعدد السياسي والفصائلي لمكونات الحركة الوطنية المعاصرة. ودعونا، منذ الأيام الأولى، إلى علاقات ائتلافية، تستلهم قيم ومعايير وتقاليد حركات التحرر الوطني، ومبدأ التشاركية في صنع القرار الوطني، وبناء المؤسسات، وصون الوحدة، وحل الخلافات بالحوار. فالاقتتال والانقسام، كما أثبتت تجاربنا، هما أقصر الطرق لتدمير القضية الوطنية.

ثالثاً: نفتخر أننا كنا السباقين إلى طرح برنامج النضال الوطني، الذي يأخذ بالاعتبار موازين القوى، وطبيعة الحال العربية، والعلاقات الدولية، فأطلقنا البرنامج النضالي المرحلي [برنامج النقاط العشر] الذي اصطدم بمعارضات واسعة، لكن تطور الأحداث، سرعان ما أكدت صوابية هذا البرنامج، وبفعل نضالنا وتضحيات رفاقنا، شق هذا البرنامج طريقه لتعتمده الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، البرنامج الوطني لعموم الحالة الوطنية والبرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية. برنامج «العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران (يونيو) 67».

رابعاً: وتحت راية هذا البرنامج، اعترفت القمة العربية في الجزائر بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلاً شرعياً ووحيداً لشعبنا الفلسطيني، وأغلقت باب الوصاية العربية على القضية الفلسطينية، وتحت راية هذا البرنامج اقتحمت منظمة التحرير قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي اعترفت بالمنظمة عضواً مراقباً، وممثلاً شرعياً ووحيداً لشعب فلسطين. كما اعترفت بالحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا في تقرير المصير، والخلاص من الاحتلال وقيام الدولة المستقلة، وعودة اللاجئين إلى مناطق 48، وتحت راية هذا البرنامج، تفجرت الانتفاضة الوطنية الكبرى عام 1987، وتم إعلان الاستقلال في 15/11/1988، باعتباره الأفق السياسي الملزم للنضال الوطني الفلسطيني. وكذلك تفجرت الانتفاضة الثانية في وجه الاحتلال، وفي وجه اتفاق أوسلو. وما زال النضال الوطني الفلسطيني يتقدم على هدي هذا البرنامج، وحتى الذين حاولوا التطاول على هذا البرنامج، وجدوا أنفسهم في نهاية المطاف في عزلة سياسية وجماهيرية فلسطينية وعربية ودولية، ولم يكن أمامهم سوى الإقرار بواقعية وثورية هذا البرنامج، برنامج نضالي، يحتاج لتحقيقه إلى كل أساليب النضال المسلح، والجماهيري، والسياسي، والدبلوماسي، والثقافي، والاجتماعي، لأن المعركة مع الاحتلال هي معركة متعددة الميادين، لا يمكن الانتصار فيها إلا من خلال تلبية الضرورات النضالية لكل هذه الميادين مجتمعة

ورداً على سؤال حول المهام التي ما زالت على عاتق الجبهة قال حواتمة:

مشوارنا النضالي طويل، بسبب تعقيدات القضية الوطنية، وطبيعة الاحتلال الإسرائيلي فهو احتلال استعماري استيطاني، اقتلاعي [يقتلع الناس من أراضيها] وإحلالي (يحل مكانهم المستوطنين اليهود) تقوم مبادئه على التطهير العرقي [التهجير الجماعي] والتمييز العنصري (التهميش والإقصاء والحرمان وتدمير مقومات الحياة الكريمة). وبالتالي فإن نضالنا ضد هذا الكيان شديد التعقيد، ونقدم في سياقه تضحيات كبرى.

أمامنا مواصلة النضال ضد الاحتلال، ليدفع كلفة الاحتلال لأرضنا، و«يقتنع» في نهاية المطاف أن احتلاله لأرضنا لم يعد يعود عليه إلا بالخسارة، وأن لا حلّ إلا بأن عصاه ويرحل عن هذه الأرض.

مواصلة النضال ضد الاستيطان والمستوطنين، بحيث تتحول الأرض تحتهم إلى نيران ملتهبة تقنعهم باستحالة البقاء في المستوطنات، وضرورة الرحيل عنها.

أي بتعبير آخر، ما زالت أمامنا رحلة طويلة لطرد الاحتلال وإجلاء المستوطنين، وهذه هي المهمة المركزية التي ينجزها شعبنا بقواه السياسية وفي القلب منها الجبهة الديمقراطية، بالتراكمات اليومية، وبالدعم العربي الشعبي والرسمي، ودعم القوى الصديقة في العالم.

أما على الصعيد الداخلي، فنحن أمام واجبات العمل اليومي لإنهاء الانقسام المدمر بين فتح وحماس، واستعادة الوحدة الداخلية، وإعادة بناء مؤسسات م. ت. ف. لتستعيد دورها في قيادة العمل الوطني، والخروج من اتفاق أوسلو، والتحرر من قيوده السياسية والأمنية والاقتصادية، واستعادة البرنامج الوطني الموحَّد والموحِّد، وإعادة تقديم قضيتنا باعتبارها قضية تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال، وإعادة بناء السلطة الفلسطينية لتصبح سلطة متحررة من الفساد والبيروقراطية وقيود أوسلو، وتكون سلطة معنية بتقديم عناصر ومقومات الثبات والصمود لشعبنا في معركة الاستقلال والعودة، والعمل في السياق نفسه على تعزيز عناصر الوحدة بين مناطق الانتشار الفلسطيني، في الضفة، وقطاع غزة، ومناطق اللجوء والشتات، ومناطق الـ48، هذا كله برنامج نضالي، يحتاج إلى تضافر الجهود ليشق طريقه، ونزيل من طريقه العراقيل والعقبات، مع إدراكنا لطبيعة هذه العراقيل والعقبات، وإدراكنا أن الكثير منها ناشئ عن التدخل العربي والضغط الإسرائيلي والأميركي، للأسف

وعن عيوب وسلبيات «اتفاق أوسلو» قال حواتمة:

اتفاق أوسلو شكّل انقلاباً سياسياً على البرنامج الوطني، برنامج الإجماع في المجالس الوطنية. جرى التوصل إليه في شكل سري من خلف الهيئات الرسمية للجنة التنفيذية في م. ت. ف.، والأمناء العامين لعموم الفصائل، ومن خلف حتى اللجنة المركزية لحركة فتح نفسها. استبدل البرنامج الوطني بحكم إداري ذاتي على السكان، واعتبر الأرض أمراً متنازعاً عليه وليست محتلة، يتم حسم أمرها في مفاوضات الحل الدائم، التي كان يفترض أن تعقد في العام الثالث للاتفاق. والآن، ومنذ 13/9/1993 لم تعقد هذه المفاوضات، وما زال الحكم الإداري الذاتي هو الصيغة المفروضة، وما زالت إسرائيل تسيطر على الأوضاع، وما زال الاستيطان يتوسع يوماً بعد يوم. عند توقيع الاتفاق كان عدد المستوطنين في الضفة (والقدس) حوالي 90 ألف مستوطن. اليوم صار عددهم حوالي 800 ألف مستوطن، وتحولت السلطة إلى وكيل أمني للاحتلال، وتحول اقتصادنا الفلسطيني جزءاً من الاقتصاد الإسرائيلي، وصار الشيكل الإسرائيلي هو العملة الرسمية للسلطة، وصارت المعابر الحدودية بيد إسرائيل، كما تم الاعتراف في الاتفاق بحق إسرائيل في الوجود (أي بمشروعية المشروع الصهيوني الذي يقول إن فلسطين هي أرض بني إسرائيل)، فضلاً عن أنه شطب حق ملايين اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم التي شردوا منها منذ العام 1948 على يد العصابات الصهيونية.

هذا هو اتفاق أوسلو، الذي دمّر الحالة الوطنية وأفسدها، وقيّد الحركة الجماهيرية، وأعطى الفرصة لدولة الاحتلال لتمارس القمع اليومي، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، بذريعة مكافحة الإرهاب، أي جعل من نضالنا إرهاباً، في معايير الولايات المتحدة وإسرائيل

ورداً على السؤال حول إذا ما كانت «صفقة القرن» قد انتهت أجاب حواتمة:

رحل ترامب ورحل نتنياهو لكن «صفقة القرن» لم تمت. فما زالت الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما زالت تعترف بالجولان المحتل أرضاً إسرائيلية.

وما زالت مفوضية م. ت. ف. في واشنطن مغلقة، بذريعة أن المنظمة قوة إرهابية. وما زالت القنصلية الأميركية في القدس مغلقة، وما زال الاستيطان (وكل استيطان هو ضم فعلي) ناشطاً في القدس وأنحاء الضفة الفلسطينية. إدارة بايدن تتحدث عن حل الدولتين، لكنها لا تقدم رؤية وتعريفاً لحل الدولتين. لذلك لجأت إلى ما نسميه احتواء الصراع، وإدارة الصراع، بدلاً من حل الصراع. طلبت من السلطة الفلسطينية التعاون مع الاحتلال وتعزيز العلاقة في إطار ما يسمى «بناء إجراءات الثقة» والدخول في مفاوضات اقتصادية وأمنية لملء الفراغ السياسي. الأمر الذي يمكن أن يقودنا إلى نتيجة تقول أن ما تمّ التوصل إليه من تفاهمات هو التطبيق العملي لحل الدولتين. فيحل «الحل الاقتصادي» محل المشروع الوطني. تسهيلات اقتصادية إضافية واتفاقات أمنية صارمة بديلاً لحق تقرير المصير، والدولة المستقلة وعودة اللاجئين. وتبقى القدس عاصمة لإسرائيل، وتسمى «جيروزالم» وتحويل عدد من البلدات العربية إلى «القدس العربية» عاصمة «للدولة الفلسطينية» التي ستبقى في بطن الحوت الإسرائيلي منزوعة السلاح، معابرها الحدودية تحت السيادة الإسرائيلية، جبالها وتلالها الاستراتيجية قواعد عسكرية لدولة الاحتلال ... فضاؤها ومياهها الإقليمية تحت السيادة الإسرائيلية. أي تحويل الحكم الإداري الذاتي، بحالته الراهنة إلى الحل الدائم، ويطلق عليه اسم «دولة»، لا تستجيب للحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين وتنتهك، ليس فقط للبرنامج الوطني بل حتى قرارات الشرعية الدولية التي أقرت انسحاب إسرائيل من كامل الأرض المحتلة في حرب 1967، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، ودولة مستقلة على حدود 4 حزيران (يونيو) وعاصمتها القدس المحتلة، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194، الذي يكفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948.

هذا إلى جانب أن التطبيع العربي الإسرائيلي، كما تلاحظون ما زال على نشاطيته في تبادل العداء، وعقد الاتفاقات السياسية والأمنية والاقتصادية وغيرها ... من المغرب حتى البحرين

وعن تأثير التطبيع العربي على الحالة النضالية الفلسطينية قال حواتمة:

اتفقت الأنظمة العربية في قمة بيروت (2002) على رهن التطبيع مع إسرائيل بانسحابها من الأرض العربية والفلسطينية المحتلة، وقيام دولة فلسطينية، وحل عادل لقضية اللاجئين.

ما جرى من تطبيع هو انتهاك صارخ لقرارات القمة العربية في بيروت، والقمة العربية في الرياض. أي أن بعض الأنظمة العربية تقول أمراً، وتطبق أمراً آخر. أي إنها أنظمة ذات وجهين ولغتين. فضلاً عن ذلك هذا التطبيع يندرج في خدمة سياسة الولايات المتحدة، ويشكل اعترافاً بشرعية المشروع الصهيوني، على حساب الحق المقدس لشعب فلسطين، هو طعنة في ظهر القضية والشعب، والمصالح العربية.

فإسرائيل دولة استعمارية تطمح ليس فقط لابتلاع الأرض الفلسطينية والجولان، ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا في لبنان، بل وابتلاع الإنسان العربي اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، عبر الهيمنة في كافة المجالات، وتدمير المصالح القومية للشعوب العربية.

وبعض الاتفاقيات مع بعض الدول الخليجية، مثالاً، ستلحق الضرر بمصالح الشعب المصري، عبر تجاوز قناة السويس. هذا مثال بسيط حول الأذى الذي يمكن للتطبيع أن يحدثه، فضلاً عن أنه يزرع الخلافات والفتنة في الصف العربي، ويخرج هذه الدول من خندق إسناد الشعب الفلسطيني، لتتحول إما إلى حلفاء ميدانيين لدولة إسرائيل، أو – كما يقولون – إلى وسطاء محايدين. وفي الحالتين هذا ضرر يلحق بالقضية الوطنية، ويولد عند إسرائيل قناعة أن العرب تخلوا عن القضية الفلسطينية، وأن الفلسطينيين أصبحوا وحيدين، لكن بالمقابل نعول على دول عربية مبدئية، ما زالت ترفض التطبيع وتعتبره إجراماً وخيانة، كالجزائر وتونس والكويت والعراق وسوريا ولبنان، وغيرها من الدول التي ما زالت على وفائها للقضية، كما نعول على الحراكات الشعبية التي ترفض التطبيع، وهذا ما نلمسه لدى الأنظمة التي طبعت حديثاً أو قديماً دون استثناء

ورداً على سؤال حول الجناح العسكري للجبهة ودوره في معارك الدفاع عن الشعب وضد الاحتلال قال حواتمة:

نحن لم نغادر العمل العسكري ضد الاحتلال يوماً واحداً، ولا نفهم معنى استراحة المحارب في حرب مفتوحة ضد الاحتلال، نخوضها يومياً بلا تردد، وندفع مقابلها ثمناً غالياً.

لقد تأسست الجبهة الديمقراطية، في الأساس، حزباً مقاتلاً. وشكلت ما أطلقنا عليه يومها «القوات المسلحة الثورية»، التي خاضت المئات من العمليات القتالية ضد الاحتلال، ونفذت عمليات تحتل مكانة مميزة في وجدان الثورة، منذ عملية معالوت، وعين زيف، وبيسان، والقدس الأولى، والقدس الثانية، وعيون الدولة (المرصد الإسرائيلي على قمة جبل الشيخ) وحصن مرغنيت (في قلب مستوطنات قطاع غزة) ومناحل الشمال وهوشيه منه (إكراماً للقائد الفيتنامي الكبير) والشهيد خليل الوزير، والشهيد صلاح خلف (أبو إياد) وكثير غيرها مما تعجز الذاكرة عن استعادته.

كنا السباقين إلى بناء خلايا العمل المسلح في الداخل المحتل، من أبطالها الأسير الشهيد عمر القاسم (مانديلا فلسطين لكونه أقدم الأسرى في زمانه) والأسير الشهيد أنيس دولة، والأسير المحرر الشهيد اللواء خالد عبد الرحيم، والأسير المحرر الشهيد صلاح شاهين، هؤلاء وغيرهم شكلوا خلايا العمل المسلح في أنحاء الضفة التي حملت اسم «كتائب النجم الأحمر».

كذلك شكلنا في قطاع غزة كتائب «المقاومة الوطنية الفلسطينية – قوات الشهيد عمر القاسم»، التي قاتلت ببسالة في حرب «سيف القدس»، واحتلت الموقع الثالث من حيث القدرة والفعالية، باعتراف حماس (كتائب القسام) والجهاد الإسلامي (سرايا القدس) وهما الفصيلان الأول والثاني، وقواتنا في غزة كانت في الموقع الثالث. واستطاعت قواتنا في غزة قصف العديد من المواقع والمدن الإسرائيلية حتى عسقلان وجنوب تل أبيب وغيرها. ولو توفر لنا الدعم المالي والعسكري الذي يتوفر لغيرنا، لكان مقاتلينا بالضرورة أكثر تأثيراً. نحن لا نتلقى الدعم من أي من الدول. نحن نبني قواتنا، ونشتري سلاحنا بأموال المناضلين وبالاعتماد على الذات، وهذا يشرفنا، لأننا بذلك نبقى نحن أصحاب القرار، ولا تؤثر فينا أية جهات مانحة

وعن واقع الجبهة الديمقراطية في ظل التطورات الكبرى ومنها انهيار الاتحاد السوفييتي قال حواتمة:

انهيار الاتحاد السوفيتي شكل زلزالاً عالمياً، كانت له تداعياته الكبرى على العالم كله، ومن الطبيعي أن تكون له تداعياته على القضية الفلسطينية، وكان فرصة للغرف السوداء أن تنظم الحملات الإعلامية، لتنال من الفكر اليساري، ولتنال من القوى اليسارية، ولتمدح الفكر اليميني، حتى أن الولايات المتحدة تعاونت مع «القاعدة»، ومع طالبان ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان. ومن ضمن هذه الحملة، كان للجبهة الديمقراطية نصيب، كما كان للقضية الفلسطينية هي الأخرى نصيب. ولولا الضعف الذي أصاب الاتحاد السوفييتي، لما انعقد مؤتمر مدريد للسلام بالشروط الأميركية – الإسرائيلية، ولما حوصر الوفد الفلسطيني، وجرى دمجه في الوفد الأردني، ولما تجرأت القيادة الفلسطينية الرسمية لتتسلل إلى اتفاق أوسلو، بكل ما أحدثه هذا الاتفاق من إخلال كبير بموازين القوى في إقليمنا، حيث باتت دولة الاحتلال معترفاً بها رسمياً من قبل القيادة الرسمية الفلسطينية، وبكل ما أحدثه هذا الاتفاق من إخلال في موازين العلاقات الفلسطينية الداخلية.

بعد أوسلو، وما تلاه من انقسام فلسطين في 14/6/2007 على يد حماس، لم نعد، في الصيغة القديمة، أي فصائل مقابل فصائل، بل بتنا فصائل معارضة في مواجهة ثلاث قوى: سلطة في رام الله، وسلطة في قطاع غزة، واحتلال إسرائيلي. ومع ذلك أقول أن الجبهة الديمقراطية لم نشهد تراجعاً في وضعها الفلسطيني. نعم خسرنا العديد من الأصدقاء في العالم، خسرنا دعمهم وإسنادهم، لكننا اعتبرنا بدلاً من ذلك على جهد رفاقنا وكادرنا والتفاف شعبنا حولنا.

ما هي معايير التقدم أو التراجع

• في السياسة ما زلنا في مقدمة الصفوف في إنتاج الفكر السياسي. هذا باعتراف الفصائل الفلسطينية دون استثناء، واعتراف أصدقائنا العرب والأجانب.

• في العمل العسكري، نحن الفصيل الثالث بعد حماس والجهاد، باعترافهما رغم أننا نعتمد على لحمنا الحي لنشتري سلاحنا وذخائرنا، ونزود قواتنا ومقاتلينا في غزة بما يحتاجون من عتاد وقضايا إدارية، لولاها لما تمكنا من الحفاظ على هذا الموقع المتقدم.

• على الصعيد الجماهيري. نحن في الموقع الثاني، بعد فتح، في ترتيب المجالس المحلية والبلديات، في الضفة الفلسطينية، أما في قطاع غزة، فلم تنتظم الانتخابات، لذلك تسيطر حماس على كل المجالس المحلية بالتعيين، من موقعها سلطة أم واقع.

كذلك نحن في الموقع الثاني في الاتحاد العام لعمال فلسطين، في الضفة، وفي لبنان، وفي سوريا، وفي أوروبا. علماً أن فتح تستند إلى سلطة تضم آلاف الموظفين الذين يصبون أصواتهم لها باعتبارها هي رب العمل. أما نحن فنعتمد على دورنا النضالي وتضحيات رفاقنا.

كذلك نحن في الموقع الثاني بعد فتح في الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الضفة ولبنان وسوريا.

أما في الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، فنحن في الموقع الأول في لبنان، وفي الموقع الثاني في الضفة الفلسطينية، وقطاع غزة، وسوريا.

هذه معايير ملموسة وليست مجرد أقاويل.

فضلاً عن ذلك نحن القوة الوحيدة – أؤكد الوحيدة – التي حافظت على انتظام مؤتمراتها الداخلية، وتعزيز الديمقراطية في صفوفها، وإنتاج صف جديد من القادة الشباب الذين تؤهلهم في الميدان لتولي القيادة. وخير مثال على ذلك أننا، في الانتخابات التشريعية، التي ألغاها أبو مازن، رشحنا قائمة من الشباب، منهم على سبيل المثال، رئيس القائمة إبراهيم أبو حجلة، أسير محرر وقائد نقابي عمالي، ومحمد دويكات، أسير محرر وقائد في المقاومة الشعبية الميدانية في الضفة الفلسطينية، وزياد جرغون، أحد قادة المقاومة البارزين في قطاع غزة، وهؤلاء كلهم، شباب، لم يتجاوزوا الأربعين عاماً، وهم أعضاء في المكتب السياسي.

أما في لبنان، وفي سوريا، وفي قطاع غزة، وكذلك في الضفة، فإن معظم رفاقنا في الهيئات القيادية، الأولى، والثانية والثالثة، من الشباب، وهذا لم يكن ليتحقق لولا التقدم الذي تشهدها الجبهة الديمقراطية في الميدان، وقدرتها على استقطاب الأكاديميين والجامعيين والعمال والناشطات في صفوف المرأة والمقاتلين ذوي الاستعداد الكفاحي المتقدم.

نحن نتقدم إلى الأمام، ولا نعطي بالاً لكل ما يقال من تشويهات وإشاعات، تحاول أن تنال ليس من الجبهة فقط، بل من الحالة الفلسطينية، باعتبارنا ركناً أساسياً، وعنصراً رئيسياً، من أركان القضية وعناصرها. وأي إضعاف لنا هو إضعاف بالضرورة للقضية

وعن نتائج «سيف القدس» أوضح حواتمة:

شكلت معركة «سيف القدس» من 10 – 21/5/2021 محطة سياسية كبرى، أجمعت الحالة الفلسطينية، على أن لها ما قبلها، ولها ما بعدها، لما حملته من تداعيات كبرى، كان لها الانعكاس الواسع على مجمل النضال الوطني الفلسطيني، سياسياً، وجماهيرياً، وعسكرياً، وحملت في طياتها الكثير من الدروس والاستخلاصات والعبر.

ولعل أهم ما في هذه المعركة، أنها أبرزت الوحدة الداخلية للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده، في كامل فلسطين، وفي مناطق اللجوء والشتات، ووحدة القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، كما أبرزت النهوض الجماهيري الواسع والالتفاف الكبير حول القضية رغم مظاهر الانقسام في الحالة السياسية الفلسطينية، ورغم التشتت السياسي على المستويات القيادية، الرسمية والفصائلية.

كذلك قدمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة نفسها، باعتبارها الدرع الواقي للحركة الجماهيرية، تساندها وتدعمها، ما يوفر لهذه المقاومة، في الوقت نفسه، الغطاء الجماهيري، في ظل التحام قوي بين كل أشكال النضال، دفاعاً عن القدس، والأرض، والحقوق السياسية للشعب، في كافة تجمعاته.

كما نجحت معركة القدس، في استقطاب تأييد المزيد من القوى السياسية والمجتمعية، على الصعيدين العربي والدولي، لصالح القضية والحقوق الوطنية، وأبرزت حالة العزلة السياسية لدولة الاحتلال، باعتبارها دولة عدوان وتطهير عرقي، وتمييز عنصري واستعمار استيطاني، أدانتها العديد من المؤسسات الحقوقية العالمية لارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق شعب فلسطين.

بالمقابل دفع الشعب الفلسطيني غالياً ثمن هذه الانتصارات من حياة أبنائه، فقدم       شهيداً، عدد كبير منهم من الأطفال والنساء والشيوخ، كما شهد القطاع دماراً واسعاً، أثار غضب العالم، بعد أن طال المساكن الآمنة والمستشفيات والمدارس والمؤسسات الاقتصادية وقسماً واسعاً من البنية التحتية.

ومع وقف إطلاق النار، في 21/5/2021 سجل العالم لشعب فلسطين وحركته الجماهيرية ومقاومته الباسلة، الانتصار الباهر على الاحتلال والعدوان، في الوقت الذي وقفت فيه الحالة الوطنية أمام الاستحقاق الكبير: تثمير هذا النصر العظيم، بما يخدم مسيرة النضال ومدها بالمزيد من الزخم، وفاء لدماء الشهداء، وعرق المناضلين، وحرصاً على المصالح الوطنية، بكل ما يتطلبه ذلك من إرادة سياسية وجدية وتوفير آليات جديدة تعزز المسار الوطني، وتصون الانتصارات حتى لا تضيع هباء، كما ضاعت من قبل الانتصارات العظيمة لمعركة التصدي للعدوان في العام 2014.

وهذا يتطلب من الجميع، خاصة أطراف الانقسام، فتح وحماس، الترفع عن المصالح الفئوية، والنظرة السياسية الضيقة، والاستجابة لنداء المصالح الوطنية العليا لشعبنا، للجلوس إلى طاولة الحوار للتوافق على استراتيجية وطنية جديدة وبديلة، نستلهم عناصرها من قرارات الإجماع الوطني في المجلس الوطني عام 2018 (الخروج من أوسلو) وقرارات الاجتماع القيادي الفلسطيني في 19/5/2020 (التحلل من أوسلو وتعليق الاعتراف بإسرائيل) وقرارات اجتماع الأمناء العامين في 3/9 بتشكيل القيادة الوطنية الموحدة، وإعادة بناء مؤسسات السلطة وم. ت. ف. بالانتخابات الديمقراطية (مجلس تشريعي للسلطة، رئاسة السلطة، ومجلس وطني جديد لمنظمة التحرير تشارك فيه القوى السياسية كلها ودون استثناء)

وعن رؤية الجبهة لواقع النظام السياسي الفلسطيني في وضعه الحالي قال حواتمة:

داهمت المعركة قيادة السلطة الفلسطينية، والنظام السياسي يعاني حالة انسداد وضعفاً شديداً وتراجعاً مكشوفاً، بعد أن فشل في تحمل مسؤولياته الوطنية.

• فقد عجز النظام السياسي عن تجديد نفسه وإعادة بناء مؤسساته، حين فشل منذ أن وقع الانقسام في 14/6/2007 لست مرات متتالية في تنظيم الانتخابات الشاملة التي دعيت لها، مما عمق حالة التشوه التي يعانيها هذا النظام، بانزياحاته المستمرة  من نظام رئاسي برلماني إلى نظام رئاسي سلطوي، يدير الشأن العام بالمراسيم، مستفرداً بالقرار الوطني، وقد أدار ظهره كاملاً لمبادئ الائتلاف الوطني وقيم حركات التحرر الوطني والقانون الأساسي للسلطة، وإعلان الاستقلال، وميثاق م.ت.ف، وقرارات الإجماع والتوافق الوطني، الأمر الذي عمَّق من أزمته السياسية وأضعف دور المؤسسات، ما أدى إلى إضعاف قدرته على تحمل مسؤولياته في مختلف الميادين.

• أثبت هذا النظام عجزه عن توفير الأمن الغذائي للشعب، حين فشل أكثر من مرة في خوض معارك تطوير الأداء الاقتصادي خارج قيود بروتوكول باريس الاقتصادي. ولعل معركة استيراد العجول، والتي انتهت بهزيمة السلطة أمام سلطات الاحتلال وإدارته المدنية، تشكل نموذجاً فاقعاً في هذا المجال.

• فشلت في حماية المال العام حين فشل في إدارة معركة أموال المقاصة، رداً على اقتطاع سلطات الاحتلال لما تعتبره رواتب الأسرى وعوائل الشهداء. وبعد معاناة لسبعة أشهر كاملة، شهدت فيه المناطق الفلسطينية اضطرابات اقتصادية عميقة بفعل توقف السلطة عن تسديد الرواتب كاملة لموظفيها، رضخت قيادة السلطة لواقع الاحتلال وإجراءاته، وامتثلت للإجراء الإسرائيلي، ما كرس واقعاً جديداً، فرضته دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، أعطت من خلاله حقها (المزعوم) في مصادرة أمواله، بذرائع مختلفة، منها اقتطاع رواتب الأسرى وعوائل الشهداء و«عقوبات» تفرضها المحاكم الإسرائيلية على الجانب الفلسطيني بذرائع مختلفة.

• فشل في توفير الأمن الاجتماعي للشعب الفلسطيني، حين وقف عاجزاً عن مواجهة مصادرة الاحتلال للأرض، ومصادر المياه، وممتلكات المزارعين من جرارات ومركبات زراعية، وهدم المنازل، وإلحاق الضرر بالمزروعات وبساتين الزيتون، وفرض الحصار الاقتصادي على مدينة القدس، ومواصلة عمليات تهويدها وطمس معالمها، وتهجير سكانها عبر إجراءات وذرائع مختلفة.

• فشل في توفير الحماية الأمنية لمواطنيه، بما في ذلك لسكان المناطق المصنفة (أ) التي تنص اتفاقات أوسلو على تحريم اجتياحها من قبل سلطات الاحتلال. وبدت عمليات الاقتحام الليلي لمدن الضفة وبلداتها وقراها ظاهرة يومية، والاعتقالات الجماعية للمواطنين هي الأخرى ظاهرة يومية، دون أي رد فاعل من قبل أجهزة السلطة، التي يفترض أنها لحماية المواطنين على يد فوات الاحتلال. ولعل أقصى ما تقوم به السلطة في مثل هذه الأحوال، هو إصدار البيانات وإطلاق النداءات، في تأكيد إضافي لحالة العجز، وانكفائها عن واجباتها، وافتقارها للإرادة الوطنية لمجابهة الأعمال العدوانية لدولة الاحتلال.

عمَّق من أزمة السلطة، باعتبارها التمظهر المؤسساتي للنظام السياسي الفلسطيني، افتراقها عن المزاج السياسي للحالة الجماهيرية، التي عبرت عن تمردها على أداء السلطة، ومزاجها السياسي، بالانتفاضات الشعبية المتنقلة في أنحاء مختلفة من مدينة القدس والضفة الفلسطينية والانتقادات الواسعة كما جرى التعبير عنها في وسائط الاتصال الجماهيري، والعمليات الفردية التي شكلت ذرائع لقوات الاحتلال لارتكاب جرائم القتل العمد بحق المواطنين الفلسطينيين، واحتجاز جثامينهم، ومعاقبة أقربائهم بنسف الدور والمنازل.

ولعل عمليات اقتحام قطعان المستوطنين للأقصى، وإلحاق الأذى اليومي بالقدس وأبنائها، بما في ذلك التخطيط للتهجير الجماعي من الأحياء، وغياب أي رد فاعل عملي للسلطة الفلسطينية وقيادتها، أسهم في دفع الأمور إلى حافة الإنفجار، تمثل بأكثر من هبة جماهيرية، شملت أنحاء الضفة ضد سلطات الاحتلال، وقطعان المستوطنين، كانت السلطة هي الغائب الأكبر عنها، فقد تساقط الشهداء والجرحى والمصابون، وقيادة السلطة تقف متفرجة، ينتابها قلق عميق من اتساع حالة الانفجار الجماهيري ما يربك سياستها القائمة على ما يسمى رفض العنف لصالح الالتزام بالتنسيق الأمني.

لذلك، وكما أسلفنا، ندعو لحوار وطني، للاتفاق على استراتيجية وطنية بديلة، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بالانتخابات الشاملة، في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وفي الشتات حيث أمكن

وعن تقييم حواتمة ورؤيته لحكومة إسرائيل الجديدة قال:

أفضت الانتخابات الإسرائيلية إلى رحيل حكومة نتنياهو، بعد أن تربع على كرسي السلطة فترة أطول من اللازم، أحدثت في المنطقة حرائق كبرى، ووضعتها، بشكل شبه دائم، على حافة انفجار، كان يمكن له لو وقع، أن يحدث زلازل تعيد صياغة جيوسياسية المنطقة، بكل ما يمكن أن يكون لهذا انعكاساته وتداعياته على القضية الفلسطينية.

حَلَّت محل حكومة نتنياهو، حكومة تحالف قوى تمتد من اليمين المتطرف إلى اليسار الصهيوني، لا يملك أغلبية تبقيه في موقع السلطة إلا بتأييد نواب الحركة الإسلامية الجنوبية، يترأسها زعيم اليمين الديني نفتالي بينيت، بمشاركة الأحزاب التالية: يائير لابيد، وغانتس، وأفيغدور ليبرمان، ورغم الترحيب (المفتعل) لمجيء تحالف بينيت – لابيد، والارتياح لرحيل نتنياهو، إلا أن الحكومة الجديدة، لم تكن أقل تطرقاً من سابقتها.

• فعلى الصعيد الإقليمي، بقيت مسألة الملف النووي في إيران، على رأس جدول اهتمامات الحكومة الجديدة، وكذلك متابعة المسار التطبيعي مع الدول العربية، وإن كان هذا المسار شهد تباطؤاً، مقارنة مع الهجمة التطبيعية التي شنتها حكومة نتنياهو.

• أما على الصعيد الفلسطيني، فقد واصلت حكومة بينت، ذات المسار الذي اتبعته حكومة نتنياهو.

فالقدس في برنامج الحكومة الجديدة تشكل مشروعاً استراتيجياً، لتحويلها إلى متروبوليتان (القدس الكبرى)، بحيث تصبح بدعوى العنصرية والتحديث، مدينة تبتلع ملامح «القدس الفلسطينية»، وبدء هويتها اليهودية المدعاة، خاصة وأن إدارة بايدن لم تتراجع عن قرار إدارة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة إسرائيل. كما أن إدارة بايدن ما زالت تتلكأ في إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، في إشارة تؤكد اعتراف واشنطن بالقدس «الموحدة» عاصمة لإسرائيل. وبالتالي، فإن القدس ستبقى مع حكومة بينيت ساحة صراع كبرى، تتصاعد حرارته يوماً بعد يوم، خاصة في إطار خطة التهجير الجماعي للمقدسيين (الشيخ جراح، سلوان) والقمع المستمر والدائم للبلدان العربية كالعيساوية والعيزرية وغيرها. وفي إطار خطة تفرض واقعاً جديداً على المسجد الأقصى، قد يؤدي به إلى مصير أكثر خطورة من مصير الحرم الإبراهيمي في الخليل، وبما يتجاوز التقاسم الزماني والمكاني، لصالح واقع يهودي بديل.

والاستيطان ما زال على رأس جدول أعمال الحكومة الجديدة، في مصادرة الأراضي، في سياق خطط منهجية، كالخطة التي ترمز إليها مستوطنة أفيتار على جبل صبيح في بلدة بيتا، وبأهداف بعيدة، تطال القطاع الزراعي، وتقويض بنيته التحتية، من مصادرة المياه، والسطو على الآلات والجرارات والمركبات الزراعية للمزارعين الفلسطينيين، والإغارة على قطعان ماشيتهم، وإغلاق المراعي أمامها، ومواصلة هدم المنازل بشهية تزداد جشعاً يوماً بعد يوم، وتصريحات رئيس الحكومة في زيارته إلى واشنطن (25/8/2021)، تحمل تأكيدات واضحة على المضي في الاستيطان وإن كان حاول أن يميز نفسه عن نتنياهو بالادعاء عن تراجعه عن مشاريع الضم، متجاهلاً الواقع القائل بأن كل استيطان، وكل مصادرة للأرض، هو الضم الواقعي في جوهره.

• على الصعيد الأمني، لم تتوقف حكومة بينيت عن دق طبول الحرب ضد قطاع غزة في خطوة فسرت أنها تعكس رغبة دفينة في نفوس قادة جيش العدو للانتقام مما لحق بهم من إهانات على يد المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس، وفي إطار خطة تهدف إلى تقويض القدرة القتالية للمقاومة وتدمير بنيتها التحتية، خاصة وأن الدراسات الاستراتيجية الإسرائيلية لا تخفي أن «الخطر الحقيقي» على ما يسمى أمن إسرائيل هو المقاومة في القطاع، وليس في مكان آخر. حتى أن بعضها أفتى بضرورة إشعال جبهة القطاع، في سياق الرد على أي تحرش يجري على جبهة الشمال.

- في السياق نفسه تواصل حكومة بينيت عرقلة وتعطيل ورشة إعادة إعمار ما دمره العدوان، بالربط بينها وبين الإفراج عن الجنود الأسرى لدى حركة حماس.

- أما في الضفة الفلسطينية فمازالت حملات الاجتياح للمدن الفلسطينية والاعتقالات الجماعية في نشاطية ملحوظة في سياق الاستخلاصات الأمنية لمعارك أيار(مايو) الماضي وضرورة تقويض الحركة الشعبية الفلسطينية، من خلال اعتقال مفاصلها وقيادتها الميدانية.

• على الصعيد السياسي، اتخذت حكومة بينيت موقفاً سلبياً من الدعوة لاستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وردت على هذه الدعوات بعنجهية واستعلاء، وبإطلاق توصيفات على السلطة الفلسطينية (ضعيفة، مترددة) تغمز من قناة دورها الأمني وضرورة تصعيده في قمع الحركة الشعبية. ولا شك أن قمة هذه العنجهية تمثلت بتلك التصريحات التي وردت على لسان بيني غانتس، وزير الدفاع الإسرائيلي، حين تحدث عن إجراءات إسرائيلية لدعم وإسناد السلطة الفلسطينية ومدها بعناصر القوة

وحول الحراكات العربية قال حواتمة:

تعتمل في أوضاعنا العربية العديد من عناصر التفاعل والتطوير والصراعات بين الصيغ المطلوبة لبناء دولة المواطنة، التي تقوم على القانون واحترام الدستور، وحيادية القضاء واستقلاله، والديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

لقد فشلت العديد من أنظمتنا السياسية في بناء دولة المواطنة، بعضها قام على المحاصصة الطائفية، وبعضها بوجهة عشائرية محلية، والبعض الآخر، قام على أساس الهيمنة المذهبية والطائفية وغيرها. هذه كلها لا تلبي متطلبات بناء الدولة المدنية العصرية. وما شاهدناه في الدول العربية من حراكات خلفيتها المطالبة ببناء هذه الدولة.

وأياً كانت النتائج، فإننا على ثقة أن شعوبنا العربية سوف تنجح في نهاية المطاف في تحقيق أهدافها في بناء دولة المواطنة، وما تشهده من تطويرات في بعض الدول، كالجزائر وتونس مثال على ذلك

وعن الحرب ضد سوريا أجاب حواتمة:

لا شك في أن سوريا تدفع ثمن مواقفها القومية والوطنية، وتأييدها للقضية الفلسطينية. والدولة السورية خاضت حروباً قاسية ضد الإرهاب والتدخلات الخارجية الفظّة، ولقد صرفت مليارات لتخريب سورية، كان يمكن لأصحاب هذه المليارات أن يوفروها من أجل التنمية الاجتماعية والاقتصادية لمنطقتنا العربية.

سوريا ما زالت تحتضن المقاومة الفلسطينية وتستضيف قياداتها على أرضها، وتدعم الشعب اللبناني ضد التهديد الإسرائيلي.

نحن مع خلاص سوريا، ووحدة سوريا، أرضاً وشعباً، ودولة وجيشاً، وضد تقسيم سوريا وكل أشكال العدوان عليها. وعلى الذين تورطوا في الحرب ضد سوريا أن يستخلصوا الدرس. والشعوب لا تنسى. انظروا إلى أفغانستان حيث انهزمت الولايات المتحدة، وإلى السودان حيث سقط الاستبداد.

وبالتالي، علينا جميعاً أن نقف إلى جانب سوريا، وإننا تقدّر عالياً قرار الجزائر، الرئيس القادم للجامعة العربية، بدعوة سوريا إلى القمة العربية. فمن حق الدولة السورية أن تحتل مقعدها في المؤسسة العربية الجامعة، ولا يحق لأحد أن يضفي الشرعية على هذا أو ذاك، إلا الشعب نفسه، والشعب السوري اختار شرعيته وعلينا احترام هذه الشرعية

وفي كلمة إلى الشعب الجزائري الشقيق قال حواتمة:

نحن لا نفوت فرصة إلا ونقدر فيها عالياً دور الجزائر الكبير في دعم القضية الفلسطينية منذ اللحظة الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة. وعلى أرض الجزائر استعدنا الوحدة الوطنية، وعلى أرض الجزائر أعلنا وثيقة الاستقلال، وعلى أرض الجزائر اتخذنا الكثير من القرارات التاريخية. لذلك تحياتنا النضالية لأرض الجزائر ولشعبها وحكومتها وجيشها ورئيسها الأخ عبد المجيد تبون، وكلنا ثقة أن الجزائر التي خرجت من العشرية الدموية، وبلسمت جراحها، سوف تستعيد (وهي بدأت ذلك) دورها الإقليمي، والعربي المشهود له، ونحن إلى جانب الجزائر ضد الخطر الإسرائيلي الذي يتربص بها، ونحن ندين تصريحات وزير خارجية دولة الاحتلال يائير لابيد حين تطاول على الجزائر، واعتبرها مصدر قلق، في الوقت الذي يشكل فيه الوجود الإسرائيلي في المنطقة مصدر القلق الحقيقي لشعوبنا.

الجزائر مصدر قلق لإسرائيل، وهذه شهادة تشرف الجزائر، وفي هذا السياق نقدر عالياً الدور الذي تقوم به الجزائر الشقيقة لطرد دولة الاحتلال من العضوية المراقبة في الاتحاد الإفريقي ... السلام دوماً للجزائر ولشعب الجزائر

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - الجزائر