- محمد سيف الدولة
عاش الشعب الفلسطينى ومعه كل الشعوب العربية أمس الموافق السادس من سبتمبر 2021، واحدا من اسعد ايام حياتهم فى السنوات الاخيرة، بعد تلقيهم نبأ نجاح ستة أسرى فلسطينيون فى اختراق تحصينات سجن جلبوع (الاسرائيلى) شديد الحراسة، والهروب منه عبر نفق حفروه على امتداد شهور طويلة من ارضية الزنزانة الى خارج اسوار السجن. فى مشهد حقيقى يتفوق على أشهر المشاهد السينمائية فى افلام هوليوود.
وهو النفق الذى احتفت به الامة بالامس تحت وسم وشعار "نفق الحرية"، وتبارى الشباب والكتاب ورسامو الكاريكاتير فى ابداع الصور والرسومات والتعليقات التى تفخر بالاسرى الابطال وتسخر من هذا العدو المتغطرس الذى تلقت منظومته الامنية ضربة موجعة على ايدى قلة أسيرة مجردة تماما من اى أداة من ادوات المقاومة والمواجهة، سوى ملعقة طعام صغيرة.
***
أما ابطالنا الستة حفظهم الله فهم زكريا الزبيدي القائد السابق في كتائب شهداء الأقصى، بالاضافة الى خمسة من حركة الجهاد الإسلامي هم: محمود عارضة معتقل منذ عام 1996، ومحمد عارضة معتقل منذ عام 2002، ويعقوب قادري معتقل منذ عام 2003، وأيهم كمامجي معتقل منذ عام 2006 ومناضل نفيعات معتقل من 2019.
ان السادس من سبتمبر من عام 2021 هو يوم فلسطينى بامتياز، يستحق ان يسجل فى كتب وموسوعات حركات المقاومة على مر التاريخ وفى كل بلاد العالم وليس فى فلسطين فقط.
***
والسؤال هنا هو لماذا كل هذا الفرح والاحتفاء العربى والفلسطينى بعملية الهروب؟
لا أظنه فقط لما تميزت به عملية الهروب "شبه المستحيلة" من عبقرية وابداع فى الاعداد والتخطيط والتنظيم والدأب والنفس الطويل وفى جسارة التنفيذ ودقته ونجاحه فى نهاية المطاف.
وانما يستطيع اى مراقب ان يرصد أيضا خليطا ثريا من المشاعر والمعانى التى حملتها آلاف التفاعلات العربية على مواقع التواصل الاجتماعى:
· على رأسها تأتى حالة "الاجماع والوحدة" التى عاش فيها عشرات الملايين بالامس، مثلهم مثل أى أسرة صغيرة تحتفل فيما بينها بمولودها الجديد الجميل الذى وهبه لها الله سليما معافيا.
· مع عشق متجذر فى القلوب لفلسطين رغم كل المحاولات العربية الرسمية والدولية لتهميش القضية وتصفيتها وتشويه المقاومة وحصارها، ورغم جبال الهموم والمشاكل الأخرى التى يعانى منها المواطن العربى فى كل مكان.
· مع مقت وعداء عميق لهذا الكيان "العدو" العنصرى الارهابى المحتل المسمى (باسرائيل) رغم كل معاهدات السلام وصفقات التطبيع والتحالف والعلاقات الدافئة بينه وبين الدول العربية.
· مع فرحة بنصر حقيقى وعزيز لم يعد يأتينا مثله فى السنوات الأخيرة سوى من فلسطين، وسط مستنقعات من الصراعات والنزاعات والحروب العربية/العربية.
· مع فخر بالاسرى الابطال الذين نفذوا عملية تقترب من المستحيل، وفخر بالامة التى تنجب امثالهم واعتزاز بالانتماء الى ذات الامة.
· فى مقابل غضب واحتقار لكل الاكاذيب والضلالات العربية الرسمية التى تروج منذ عقود طويلة لاستحالة مواجهة (اسرائيل) او النصر عليها.
· مع امل يتجدد دائما فى النصر كلما قام الشعب الفلسطينى بتوجيه ضربة او قلم موجع لقوات الاحتلال على امتداد اجيال من المقاومة التى لم تتوقف عبر ما يزيد عن قرن من الزمان.
· بالإضافة بالطبع الى ان فكرة الهروب من السجون والمعتقلات هى رمز للحرية والتحرر وحلم لدى كل الشعوب المقهورة سواء كان السجان هو قوات الاحتلال او أنظمة القهر والاستبداد.
شعب عظيم وأمة كريمة.
*****
القاهرة فى 7 سبتمبر 2021
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت