- عمر حلمي الغول
التطورات تتوالى وبتسارع في الإقليم، من بينها ثلاثة احداث ساتوقف امامها لاعتقادي انها ذات صلة بما يحمله المستقبل للإقليم، وهي: الاول اقالة الرئيس التونسي، قيس سعيد حكومة المشيشي، وتجميد البرلمان في الخامس والعشرين من تموز / يوليو الماضي، الثاني سيطرة طالبان على أفغانستان في أواسط آب / أغسطس الماضي، وأخيرا السقوط المدوي لحزب العدالة والتنمية الإخواني في المغرب في الانتخابات الأخيرة 8/9/2021 (امس)، الذي جاء في المرتبة الثامنة، أي في ذيل القوى الحزبية المتنافسة، حيث لم يحصل الا على 12 مقعدا من 125 مقعدا كان يتمتع بها في الانتخابات السابقة 2016، في حين حصل خصومه في حزب التجمع على 97 مقعدا، وتلاه حزب الاصالة والمعاصرة ب82 مقعدا، واحتل بعده حزب الاستقلال 78 مقعدا .. إلخ نتائج العملية الانتخابية. المهم بالنظر للأحداث قد يعتقد البعض انه لا يوجد بينها رابط، وهذا صحيح من الناحية المباشرة. لا سيما وان كل حدث حصل في بلد منفصل، ولكل دولة شروطها وخصائصها الوطنية، بيد ان هناك قواسم مشتركة بالمعنى العام في سيرورة وصيرورة الاحداث الثلاث، كونها حدثت بتواريخ متقاربة جدا، ولإن ما جرى ويجري في البلدان الثلاثة لم ولن يكون بعيدا عن التدخل الأميركي، فضلا عما حملته الاحداث من تداعيات على مستوى الإقليم، وما سيكون له من انعكاساته الداخلية والخارجية في المستقبل المنظور وغير البعيد في رسم خارطة الاقليم.
وادعي انني كنت ومازالت مقتنعا، كما دونت في هذه الزاوية في ال15 من اب / أغسطس الماضي مقالا بعنوان "اميركا تسلم طالبان الحكم"، وخلصت لنتيجة مفادها، ان الولايات المتحدة وتحديدا إدارة بايدن الديمقراطية مازالت تراهن وتعول على الإسلام السياسي عموما وجماعة الاخوان المسلمين خصوصا، وستعمل على تعميم نموذج أفغانستان في فلسطين وغيرها من دول الوطن العربي لتحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية الصهيو أميركية، وتسيد إسرائيل المارقة على الإقليم الشرق اوسطي الكبير.
لكن بالنظر لما جرى ويجري في كل من تونس والمغرب، ورغم الضغوط التي تمارسها إدارة بايدن على تونس لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل خطوة الرئيس سعيد الشجاعة في تموز / يوليو الماضي، الا انها حتى اللحظة الراهنة لم تنجح في لي ذراع الرئيس التونسي، والذي من خلال متابعة خطواته السياسية والاجرائية، لا يبدو انه مستعدا للتراجع عما اتخذه، ويسعى لإعادة تركيب وهيكلة البلاد وفق رؤيته، التي تتعارض مع عودة حركة النهضة للسيطرة على البلاد. وهو ما يفرض عليه ان يستند في خطواته القادمة على القوى الوطنية والقومية والديمقراطية الداعمة له. لأنه لن يستطيع لوحده مواجهة كل التحديات، وبالتالي عليه التسلح بإرادة الشعب والقوى الحية الداعمة لخطواته، والعودة لصناديق الانتخابات لتقول الكلمة الفصل في خيار الشعب الديمقراطي، وحتى لو شاء تغيير منظومة الحكم، لحكم رئاسي برلماني وهو ما يعني توسيع صلاحيات الرئيس، فانه ملزم ان يجري استفتاءً شعبيا على هكذا خيار.
إذا اميركا سلمت طالبان الحكم في أفغانستان، وتعمل على عودة النهضة للحكم في تونس، هذا إن نجحت. ولكن في المغرب لا تستطيع إعادة حزب العدالة والتنمية للحكم. لإن الشعب اختار ممثليه بشكل ديمقراطي، وبالتالي على الولايات المتحدة ان تعيد قراءة المشهد جيدا لتحاول إيجاد مقاربة واقعية لمخططها، وإعادة نظر في رهانها على الإسلام الاخواني، الذي افتضح امره، وبات منبوذا ومكشوفا امام الجماهير في دول الإقليم كلها، وليس في أفغانستان ولا في تونس والمغرب لوحدها، وانما في كل دولة من دول الإقليم لوحدها. والتوقف عن محاولات العبث والفوضى الخلاقة، التي يمكن ان تلجأ لها عبر سياسة الانقلابات، او نشر جماعات التكفير والتطرف مجددا في كل من تونس والمغرب والجزائر وموريتانيا، كما في ليبيا والسودان والصومال وفلسطين ... إلخ بهدف تفكيك الدول، وادخالها في دوامة الحروب الاهلية.
وهذه السياسية لن تجلب الامن للمصالح الحيوية الأميركية أولا، ولن تفلح في تسيد إسرائيل على الإقليم. لإن أصحاب المشاريع القومية الأخرى على الأقل التركية والفارسية (لان المشروع القومي العربي للأسف يغط أصحابه في نوم عميق) لا يقبلوا بالتبعية لإسرائيل، واعتقد ما يمكن ان يقبلوا به هو الشراكة في تقاسم النفوذ في الوطن العربي وبالتعاون والتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الغرب الرأسمالي.
مع ذلك الدولة العميقة في اميركا لا تقبل القسمة على ما تقدم، وستمضي قدما وفق مشاريعها ومخططاتها التخريبية والاستعمارية في تطويع كل العرب والأتراك والفرس لصالح إسرائيل. وان كان هناك منقذ للإقليم فهو سيكون في صحوة القوى الحية في المشاريع القومية الثلاث المركزية وخاصة أصحاب المشروع القومي العربي النهضوي، وأيضا التحولات الدراماتيكية الجارية على مستوى العالم، وتحديدا في تبوأ الصين لمكانتها العالمية، وازاحة اميركا عن سدة عرش المنظومة العالمية، ونتيجة افلاس وانهيار المشروع الكولونيالي الصهيوني، الذي بات قاب قوسين او ادني من الاضمحلال، رغم كل اشكال الدعم الأميركي والاوروبي الغربي الرأسمالي له. والمستقبل وحده الكفيل بالجواب.
[email protected]
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت