- بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
في ضوء التداعيات المتواترة لهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان والعراق وحجم الخسائر الفادحة في كافة المجالات , وكلفتها المادية الهائلة التي بلغت مئات المليارات من الدولارات, والتي إنعكست دماراً وسلباً على الإقتصاد الأمريكي الاّخذ بالإنكماش والتراجع أمام الصعود المدوي لجمهورية الصين الشعبية والإتحاد الروسي الذي تعافى إقتصاده مؤخراً في الوقت الذي تشهد فيه إقتصادات الإتحاد الأوروبي وأمريكا إنهياراً غير مسبوق, تلك الإقتصادات التي مثلت طيلة العقود المنصرمة قمة الرأسمالية والإمبريالية العالمية الجشعة.
وإزاء هذا الواقع المزري للإقتصاد الأمريكي جراء حروبها الإستعمارية التدميرية في العراق وأفغانستان, وحالة التاّكل المتتالية لقيمة الدولار الأمريكي وقدرته الشرائية في الأسواق العالمية, أضطرت القيادة الجديدة للبيت الأبيض من الحزب الديمقراطي بقيادة ( جوبايدن) الى إتباع سياسة النأي بالنفس عن التدخلات الخارجة في سبيل إصلاح الإقتصاد الأمريكي المتهالك وتمكينه من مواجهة الدب الصيني الصاعد , وكان لهذه السياسة الأمريكية الجديدة بالتأكيد إنعكاس كبير على قاعدتها المتقدمة في قلب الوطن العربي (إسرائيل ) التي تنفق عليها الخزينة الأمريكية الكثير الكثير من قيمة الضرائب التي أثقلت كاهل المواطن الأمريكي الذي أدرك مؤخراً حجم الكارثة في إستمرار الدعم الأمريكي لنظام عنصري قمعي.. حيث تتعالى الأصوات هناك يوما بعد يوم بضرورة وقف الدعم عن كيان يقمع الفلسطينيين ويقتلهم بالسلاح الأمريكي كل يوم , وكذلك دعوة القيادة الجديدة للتراجع عن كل سياسات سلفه ( ترامب ) التي أوصلت المنطقة الى شفير الهاوية , وأوقعت إسرائيل ذاتها في حروب لم تعد قادرة على حسمها وتجنب اّثارها المدمرة ليس على إسرائيل وحدها وإنما الداعمين لها وعلى رأسهم أمريكا.
وعلى وقع تلك القراءة للسياسة الأمريكية الجديدة في عهد (بايدن ) وكذلك تنامي الأصوات المناهضة لإسرائيل في الداخل الأمريكي وتحديداً في صفوف الحزب الديمقراطي الحاكم.. سعت السلطة الوطنية الفلسطينية لإلتقاط الفرصة نحو خلق مسار سياسي جديد ومستند الى قرارت الشرعية الدولية مدعوماً بموقف عربي مساند للموقف الفلسطيني وخصوصاً دول الطوق الفلسطيني (مصر والأردن).
ويأتي سعي السلطة الفلسطينية الحثيث لعقد قمة القاهرة الثلاثية أيضاً كرد منطقي على قمة جوار بغداد التي إنعقدت في 28/اّب المنصرم ولم تأتي على أي ذكر للقضية الفلسطينية بشكل يعطي رسائل بعدم أهمية القضية الفلسطينية وغيابها عن جدول أعمال القمم في المنطقة الشرق أوسطية , وبالتالي فإن قمة القاهرة الثلاثية قد تمسح الاّثار السلبية لقمة بغداد وتعطي رسائل بليغة للعالم أن دول الجوار الفلسطيني يتقدمها مصر وما لها من تأثير كبير في الوطن العربي تدعم وتساند بقوة الموقف الفلسطيني المتمسك بخيار حل الدولتين وفق قرارت الشرعية الدولية , إضافة لرسالة أخرى أكثر أهمية لدى السلطة وهو التأكيد على الشرعية الفلسطينيية ممثلة بالرئيس (ابو مازن), ووحدانية تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية للشعب العربي الفلسطيني في كافة أماكن تواجده.. وتالياً هي المخولة وحدها البت في الشأن السياسي الفلسطيني وخصوصاً في أعقاب معركة سيف القدس التي إنتصرت فيها الإرادة الفلسطينية على الجلاد الصهيوني بقيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وما قد يكون لذلك من إنعكاسات قد تنال من تلك الشرعية وتحرجها أو تنقص من مكانتها ودورها القيادي .
وفي كل الأحوال فأن مخرجات القمة الثلاثية التي عقدت في القاهرة بتاريخ 2/أيلول تعطي إشارات قوية وبليغة للعالم وللبيت الأبيض الأمريكي تحديداً.. أنه لا مناص من ضرورة إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وفق الشرعية الأممية وقراراتها بهذا الشأن لتجنيب المنطقة ويلات الحروب ووضع حد للصراع العربي الصهيوني الذي مضى عليه أكثر من سبعين عاماً, تاركاً خلفه كل هذه النكبات والويلات للشعب العربي الفلسطيني الذي تعرض لأكبر كارثة إنسانية عرفتها البشرية, وتجلت صورها المأساوية بالتطهير العرقي الذي أسفر عن تهجير نصف الشعب الفلسطيني خارج وطنه , وكذلك جرائم الإبادة الجماعية والمجازر الوحشية التي أودت بحياة مئات الاّلاف من الشهداء الأبرياء... ولا زالت ماكنة الجريمة الصهيونية تسير بوتيرة متصاعدة الى يومنا هذا وتحصد المزيد من الأرواح البريئة التي لا ذنب لها سوى الثبات على ثوابت القضية العادلة , والتمسك بكامل حقوق شعبنا التاريخية وحقه في العودة وتقرير المصير والسيادة على كامل التراب الوطني الفلسطيني.
بقلم : ثائر محمد حنني الشولي
بيت فوريك – فلسطين المحتلة أيلول – 2021م
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت