- بقلم: شاكر فريد حسن
مضى 28 عامًا على توقيع اتفاق أوسلو بين الإسرائيليين والفلسطينيين برعاية أمريكية. ولم يكن هذا الاتفاق مجرد اتفاق مرحلي، وإنما كان نهاية لمرحلة من الكفاح الوطني الفلسطيني، مرحلة شهدت تطورات عديدة على الساحة الفلسطينية والإسرائيلية. فالاتفاق لم يدم طويلًا، والمفاوضات السياسية بين الطرفين لم تفضِ إلى حل للقضية الفلسطينية.
وهذا الاتفاق جاء في تكون أوضاع جديدة، وتغير موازين القوى العالمية، في أعقاب سقوط وانهيار الاتحاد السوفييتي، وحدوث انقسام في الموقف العربي إزاء الاحتلال العراقي للكويت، وتأييد منظمة التحرير للموقف العربي، وما نتج عن ذلك من تداعيات وفرض حصار اقتصادي وسياسي على منظمة التحرير بسبب موقفها من الأزمة بين البلدين العراق والكويت.
ويعتبر اتفاق أوسلو تتويجًا لجهود الإدارة الامريكية في المنطقة، حيث تتوجت هذه الجهود لاحتواء الحركة الوطنية الفلسطينية، وجذب القوى اليمينية الفلسطينية داخل منظمة التحرير، للتسليم بالرؤية الإسرائيلية الأمريكية في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وكانت الفصائل المعارضة لمشروع الحكم الذاتي والإدارة المدنية هي الرافضة لهذا الاتفاق، واعتبرت مشروع الاتفاق وملحقاته ليس إلا انصياع للرؤية الأمريكية الصهيونية، والتي تتحدد بالحل عبر الحكم الإداري الذاتي الذي يتجاوز الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية.
وشكل اندلاع لهيب انتفاضة القدس والأقصى العام 2000، نهاية مسار أوسلو التفاوضي، ووصول العملية السياسية السلمية لطريق مسدود، بعد سعي اليمين الإسرائيلي لتعطيل عملية السلام، والتنكر لمبادئ اتفاق أوسلو، مستغلة العمليات التفجيرية التي كانت تقوم بها قوى المقاومة الفلسطينية داخل إسرائيل. فبعد انسداد أفق التسوية وصعود اليمين الإسرائيلي لسدة الحكم بعد اغتيال اسحق رابين، حاول الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الضغط على إسرائيل من خلال انطلاق انتفاضة الأقصى ودعمها بالمال والسلاح، عقب زيارة شارون للمسجد الأقصى.
والناظر إلى الوراء يرى أن خطورة الزاوية التي منحها اتفاق أوسلو حملت ابعادًا مستقبلية تتعدى ما يمكن ان يسجل على الجانب الفلسطيني ما قدمه من تنازلات، بل حمل أبعادًا تمس الامن العربي، وتجرح الانتساب الفلسطيني للأمة العربية والولاء واتجاه البوصلة، وعليه فإن الاتفاق هو خطيئة سياسية يدفع ثمنها شعبنا الفلسطيني منذ 28عامًا.
ولعل أخطر نتائج اتفاق أوسلو ما تجلى وتجسد على أرض الواقع بمنح الشرعية لوجود الاحتلال دون اشتراط وشرعية مقابلة لدولة فلسطينية وما ترتب من امتداد مساحات المستوطنات وسلب الأرض والوطن، وتشكل سلطة حارسة على الأمن الإسرائيلي، لم تعد قادرة على تمثيل الشعب الفلسطيني وطموحاته، وتحقيق حلمه بالحرية والاستقلال، بل تقمع معارضيها وتزج بهم في السجون والمعتقلات، كما يفعل بالضبط الاحتلال.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخرج القضية الفلسطينية من مأزقها الراهن، ومن خطر نكبات جديدة لاحقة من دون استخلاص النتائج والعبر، ومن دون إلغاء السبب الرئيس للوضع الذي آل إليه حال شعبنا الفلسطيني من تمزق داخلي وأوضاع اقتصادية صعبة، وهو اتفاق أوسلو. ولذلك يتطلب نفض القيادة الفلسطينية من هذا الاتفاق وإلغائه، حيث كان يفترض ان يكون عند توقيعه اتفاق مبادئ مرحليًا لخمس سنوات، ولم يحقق أي شيئًا سوى التوسع الاستيطاني وتكريس الاحتلال، فضلًا عن العودة لبناء منظمة التحرير الفلسطينية من جديد على أسس سليمة وثابتة، واستعادة اللحمة الوطنية والعودة لمسار المقاومة والتحرير.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت