مقدمة عامة
شهدت حركات مقاطعة "إسرائيل" وسسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، تحديات بارزة بين عامي 2020-2021، حيث حاولت حركات المقاطعة التصدي قدر الإمكان للمخططات الأميريكة - الإسرائيلية التي عصفت بالقضية الفلسطينية، لاسيما من جانب تطبيق جزء من صفقة ترامب – نتنياهو، المتمثل بالتطبيع العربي مع "إسرائيل"، ومحاولة تنفيذ مشروع الضم الإسرائيلي لبعض الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومحاولة تنفيذ عملية تطهير عرقي، بحق المئات من العائلات الفلسطينية، وعلى وجه الخصوص في أحياء مدنية القدس المحتلة (حي الشيخ جراح و سلوان)، ما أدى إلى إندلاع معركة سيف القدس في شهر أيار 2021.
لقد حققت حركة ال(BDS)، إنجازات مهمة على صعيد تطور القضية الفلسطينية، لاسيما في خلق رأي عام عالمي مندد بالسياسة الإسرائيلية، وداعم للقضية الفلسطينية المتمثل بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني عبر قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، بعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية.
ما يعطي حركة ال(BDS)، وحركة التضامن العالمية مع الشعب الفلسطيني أهمية كبرى على صعيد السياسة العالمية هي أنها كانت جزء من البرنامج الإنتخابي للرئيس الأميركي الحالي "جو بايدن" الذي كان مرشحا عن الحزب الديمقراطي أمام نظيره "دونالد ترامب" الذي شجع على التطبيع العربي مع "إسرائيل"، رغم معارضة "جو بايدن" لحركة ال(BDS)، وتجريمها في بعض الولايات داخل أميركا.
فقد نمت موجة التطبيع العربي (الإمارات – البحرين- السودان – المغرب) برعاية من الولايات المتحدة الأميركية بعهد الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب" تطبيقا لمسار صفقة القرن، وذلك بعد فشل الولايات المتحدة الأميركية في سياساتها عبر إدارة الملفات الدولية المختلفة لتحقيق المكاسب الأميركية – الإسرائيلية، فكان التطبيع هو المخرج الوحيد لإدارة دونالد ترامب لتقديمه كإنجاز سياسي أمام المجتمع الأميركي، ما جعل من النظام العربي الرسمي، نظاما هشا أمام الولايات المتحدة الأميركية كلما أرادت تمرير سياساتها في الوضع الإقليمي وتحديدا بشأن القضية الفلسطينية.
وبعد ذلك، يمكن القول أن التجربة قد أثبتت عدم جدوى رهان الشعب الفلسطيني على النظام العربي الرسمي، وتحديدا على جامعة الدول العربية، بعد خذلانها للشعب الفلسطيني في مواقفها تجاه التطبيع مع "إسرائيل بالتصدي للمشروع الإسرائيلي الإستيطاني والإحلالي، وإنقاذ المنطقة العربية من خطره على الشعوب العربية.
لذلك، تسارعت وتيرة الإنخراط الشعبي بحركات المقاطعة التي حققت إنجازات لم تحققه السياسة العربية من قبل، فإزداد الإيمان بها، بهدف عزل "إسرائيل" عن نطاقها العالمي ومقاطعتها من أجل الحصول على الحقوق الوطنية الفلسطينية والحقوق العربية، على الصعيدين الرسمي والشعبي، ومن أجل التخفيف أو الحد من أطماع "إسرائيل" في المنطقة العربية
حركة الـ (BDS) في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية
لا يمكن تجاهل ما أنجزته حركة الـ (BDS)، في الولايات المتحدة الأميركية الأكثر تأييدا للسياسات الإسرائيلية، فبعد إعلان تطبيع الإمارات والبحرين، وبعد إتهام الإدارة الأميركية بعهد "دونالد ترامب" أكبر المنظمات الدولية الحقوقية بمعاداة السامية بسبب إنتقادها للسياسات الإسرائيلية، وإستحداث قوانين تجرم حركة ال(BDS)، فقد نجحت في إيصال "كوري بوش" الداعم لها إلى الكونغرس الأميركي، وبينت زيف تعريف معاداة السامية الذي وضعه وزير الخارجية الأميركي السابق "بومبيو"، وعلى الرغم من كل القوانين الأميركية التي تجرم حركة ال(BDS)، فقد إستطاعت الأخيرة، إبطال العديد من قرارات المحاكم الأميركية، ونجحت بتسويقها للرأي العام، لاسيما قرار بطلان إجبار الراغبين بالتعاون مع الحكومة الأميركية بتوقيع تعهد بعدم الإنخراط بحركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الإستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، وكذلك في قضية الناشطة بحركة المقاطعة "سهير نفال" بعد الإدعاء عليها من قبل مجندة في الجيش الإسرائيلي، ولابد من الإضاءة أيضا على مواقف بعض الجامعات الأميركية التي حظرت التعامل مع المستوطنات الإسرائيلية، رغم كل الضغوطات التي تعرض لها الناشطون بحركة ال(BDS)، وبعض مجموعات المقاطعة الأخرى، الناشطة على صعيد الولايات المتحدة الأمريكية، كطردهم من وظائفهم كما حصل مع الصحفية "إميلي وايلدر" والطبيبة الفلسطينية "فداء وشاح"، ناهيك عن المطالبات والإحتجاجات التي أقدمت حركات المقاطعة عليها الهادفة إلى وقف تمويل المستوطنات والدعم الأميركي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي الإسرائيلي، حيث إستجاب لهذه النداءات العديد من الشركات الأميركية كمنع السفن الإسرائيلية من تفريغ حمولاتها في ميناء "أوكلاند" في كاليفورنيا، وإستقالة الأكاديمي الأميركي "كورنيل ويست" من جامعة "هارفارد" بسبب موقفها العدائي تجاه القضية الفلسطينية ورفضا لإستثمارات الجامعة مع شركات داعمة للمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية تقدر بحوالي 200 مليون دولار، ووقف شركة "بن آند جيريز" إستثماراتها في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية.
وفي بريطانيا، كانت تحركات الـ (BDS) مشهود لها، وحققت العديد من الإنجازات التي لم تكن في أي وقت مضى، مثل إفتتاح تحقيق بحق شركة JCB البريطانية لاستخدامها معدات في بناء المستوطنات وهدم المنازل والمنشآت الفلسطينية، وإغلاق ناشطون بحملات مقاطعة مختلفة مصنع أسلحة إسرائيلي في بريطانيا لشركة " Elbit Systems " في "شينستون"، تنديدا بجرائم الحرب المرتكبة من قبل دولة الإحتلال الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، رافعين علم فلسطين، وصابغين الجدران الخارجية للمصنع باللون الأحمر للإشارة الى تلك الجرائم، أما على الصعيد الرياضي فقد قاطع الفنان البريطاني "روجر ووترز" جائزة “wolfprize”، كما دخل لاعبو نادي "بالستينو التشيلي" إلى الملعب مرتدين الكوفية الفلسطينية تضامنا مع أهل القدس المحتلة، وتم تسمية أحد الشوارع في العاصمة البريطانية بشارع غزة.
أما في فرنسا، فقد إقتصرت الـ (BDS) على الوقفات الإحتجاجية والإعتصامات الداعية لمقاطعة المستوطنات الإسرائيلية في العديد من البلدان، ولكن نجحت هذه التحركات في المجال الأكاديمي والفني والرياضي، حيث رفع النجم الفرنسي "بول بوغبا" ورفيقه في مانشستر يونايتد "أماد ديالو" العلم الفلسطيني بعد نهاية المباراة، كما نظم طلاب جامعة "باريس- نانتير" وقفة تضامنية مع الطلاب الفلسطينيين القاطنين في سجون دولة الإحتلال الإسرائيلية، وعلى الصعيد الإعلامي فقد نشطت الـ (BDS) في فرنسا، إذ نظمت في مدينة "ستراسبورغ" حملة إعلامية حول نضال الشعب الفلسطيني في أرضه من أجل الحرية والعدالة ، ودعت الـ (BDS) خلال الفعالية إلى مقاطعة البضائع الصهيونية كجزء من المساندة للشعب الفلسطيني، وكالعادة لم تسلم الـ (BDS) من الملاحقات القانونية من قبل اللوبيات الإسرائيلية، فقد إدعت شركة الأدوية الإسرائيلية " تيفا" على مديرة النشر "أوليفيا زيمور" الفرنسية في موقع " أورو بالستين"، لأنها حثت الناشطين على إرتداء قمصان مكتوب عليها "فلسطين حرة... قاطعوا إسرائيل".
وقد حققت الـ (BDS) في النرويج إنجازات كبيرة، وتحديدا على الصعيد الإقتصادي، حيث خسرت دولة الإحتلال الإسرائيلية العديد من الإستثمارات النرويجية، إثر المطالبات بعدم التعاقد مع شركة السكك الحديدية CAF حتى تتوقف عن بناء سكة قطار القدس الغير قانوني، وسحب صندوق النفط السيادي النرويجي إستثماراته من شركتين إسرائيليتين، بسبب علاقتهما بالنشاطات الإستيطانية غير الشرعية بالضفة الغربية، بالإضافة إلى قرار أكبر صندوق معاشات في النرويج KLP عدم الإستثمار مع 16 شركة إسرائيلية بسبب صلتها بالمستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية.
بينما في ألمانيا، كانت الـ (BDS) نشيطة رغم التحديات القانونية التي تعيق عملها المرتبط بحرية الرأي والتعبير، حيث انتقد المفوض الالماني لمكافحة معاداة السامية في ولاية هايس اوفي " بيكر" ثلاثة نواب يساريين اعضاء في المجلس الاستشاري في الـ (BDS) بعد ان رفضت برلين قرار مناهض للـ (BDS) ضد النواب الالمان واعتبرت انه لا ينبغي لنائب في البرلمان ان يرتبط بحملة عالمية تسعى الى زوال الدولة اليهودية، فيما تضمنت قائمة معاداة السامية WIESENTHAL CENTER من بين العشر الاسماء الاولى في المجتمع الفلسطيني – الالماني، لكن الحكومة الاميركية انتقدت النواب الالمان لدورهم في حركة المقاطعة BDS واعتبرتها معادية للسامية، كما أقدمت الحكومة الألمانية على زيادة الرقابة على الـ (BDS) ، رغم إدانة 1500 فنان ألماني وعالمي قرار "البوندستاغ الألماني" الذي جرم الـ (BDS) التي تحث على مقاطعة دولة الاحتلال الاسرائيلية، واتهمت الـ (BDS) بمعاداة السامية، في ظل مطالب بعض البرلمانيين الالمان بالتراجع عن هذا القرار الذي يقيد حرية الرأي والتعبير.
وفي هولندا، إقتصرت الـ (BDS) على المظاهرات والوقفات الإحتجاجية، إلى أن أعلن رئيس الوزراء الهولندي الأسبق "دريس فان أخت" سحب عضويته من حزب CDA بسبب موقف الحزب من القضية الفلسطينية قائلاً:" يواصل الحزب إدارة وجهه عن المعاناة الهائلة التي يعاني منها الشعب الفلسطيني ، لقد حاولت لسنوات إقناع حزبي بتبني موقف أكثر إنصافاً وعدلاً للفلسطينيين لكنني فشلت في ذلك لذلك لم أعد مرتاحاً من بقائي هنا" .
في المقابل حققت الـ (BDS) في بلجيكا إنجازات عملية مهمة على الصعيد الإعلامي ورصد الشركات التي تتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية، فقد دعت إلى مقاطعة شركة "أكسا" لمساهمتها بدعم الاحتلال الاسرائيلي ومساعدتها على الاجرام بحق الشعب الفلسطيني في المستوطنات الاسرائيلية، ووكالة "الحدود وخفر السواحل الأوروبية" Frontex" لإنهاء تعاقدها مع الشركة الإسرائيلية" Elbit Systems" التي تزودها بطائرات بدون طيار مجربة على الفلسطينيين، كما دعت الاتحاد الأوروبي لوقف تمويل الصناعات العسكرية للاحتلال، بالإضافة إلى الوقفات الإحتجاجية الداعية إلى مقاطعة دولة الإحتلال الإسرائيلية.
وعلى صعيد الدول الأوروبية الأخرى، فقد سحب صندوق "لوثيان" للمعاشات التقاعدية في "إسكتلندا" إستثماراته من بنك هبوعليم الإسرائيلي للضغط على دولة الإحتلال الإسرائيلية بهدف وقف الإستيطان والإخلاء القسري للفلسطينيين من منازلهم بالقدس المحتلة، كما اعلنت سلسلة متاجر اسبانية عن مقاطعة بيع التمور الاسرائيلية وازالتها من 37 متجر وذلك بعد ضغط من الـ (BDS) في فالنيسا، و ألغت مدينة (إشبيليا) في إسبانيا معرض "أسلحة الحرب الإلكترونية" التي كانت ستشارك به دولة الإحتلال الإسرائيلية بعد معارضة المؤسسات الحقوقية وبضغط من 20 منظمة، ألغى نادي "برشلونة" مباراته مع نادي "بيتار القدس" في ظل معارضة إسرائيلية لهذا القرار، وفي إيطاليا، منع عمال مرفأ ليفورنو الإيطالي تحميل أسلحة على متن سفينة متجهة إلى دولة الإحتلال الإسرائيلية أثناء العدوان على قطاع غزة.
كان هناك العديد من الوقفات الإحتجاجية في العديد من الدول الأوروبية وغيرها من الدول الأجنبية التي لا يسعنا ذكرها، وتحديدا أثناء العدوان على قطاع غزة في أيار 2021، والإعتداء على المصلين في القدس المحتلة، وتهديد أهالي حي الشيخ جراح وأهالي مدينة سلوان بالإخلاء القسري وتهديم منازلهم.
حركة الـ (BDS) في الوطن العربي
يختلف مفهوم المقاطعة في الوطن العربي عن مفهومها في المجتمع الغربي، إذا أن المقاطعة العربية لدولة الإحتلال الإسرائيلية تنطلق من مبدأ العداء لإسرائيل، التي سلبت أراض عربية، وقتلت الآلاف من الشهداء العرب، أما المقاطعة بمفهوم المجتمع الغربي، فهي مقاطعة لوقف سياسة الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني.
وبسبب التجاذبات الإقليمية بين الجمهورية الإسلامية في إيران وبين عدد من الدول الخليجية، ولعب الولايات المتحدة الأميركية على هذا الوتر، بغية فوز رئيس الولايات المتحدة الأميركية "دونالد ترامب" الإنتخابات الأميركية لولاية ثانية ضد نظيره "جو بايدن"، إنطلقت موجة التطبيع بين البحرين، الإمارات، السودان، والمغرب مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، ما شكل حلف جديد، ينقلب على المبادرة العربية للسلام في بيروت عام 2002، وقرارات القمم العربية والإسلامية التي رهنت التطبيع بعد إنسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي العربية التي إحتلتها عام 1967، والتوافق على حل عادل للقضية الفلسطينية.
أوضحت عملية التطبيع بين بعض الأنظمة العربية مع دولة الإحتلال الإسرائيلية هشاشة النظام السياسي العربي الذي يميل مع المطبات السياسية المفروضة عليه من قبل الولايات المتحدة الأميركية والتسليم لها حتى بالأمور المبدئية والمحورية، ما دل على زيف الإلتزامات العربية السياسية والقانونية والأخلاقية المتعلقة بمحور الصراع العربي – الإسرائيلي، وتحديدا مع القضية الفلسطينية.
لقد أقدمت الإمارات على طعن الشعب الفلسطيني بخاصرته ليس فقط من ناحية التطبيع الرسمي مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، بل أيضا عبر ممارستها الداعمة للإحتلال الإسرائيلي، وسوء التعاطي مع المؤيدين للقضية الفلسطينية في الإمارات، حيث امرت النيابة العامة في ابو ظبي بالقبض على الشاعرة ظبية الخميس بتهمة تهديد الامن الوطني بعد تغريدات لها انتقدت فيها التطبيع بين الامارات ودولة الإحتلال الإسرائيلية، كما أقدمت الإمارات على إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل، وإفتتحت سفارتها في تل أبيب، وكذلك أعلنت إفتتاح مطارها لإستقبال المستوطنين الإسرائيليين في أبو ظبي، حيث استضافت الإمارات أكبر عدد من سكان دولة الإحتلال الإسرائيلية والتي تجاوزت أعدادها 66 ألف خلال شهر كانون الأول 2020 فقط من تاريخ توقيع إتفاقية التطبيع في أيلول 2020.
كما سمحت امارة أبو ظبي، عرض الأسلحة الإسرائيلية في معرض " أيديكس 2021" ، والخلاف الذي دار حول صفقات الأسلحة لطائرات F-35، وإستضافة عدد من الجيش الإسرائيلي على قنواتها. ومن هنا، لم تنجح الـ (BDS) للتصدي أمام التطبيع الإماراتي مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، بسبب التشديد الأمني في التعاطي الرسمي مع نشاطات حركة المقاطعة، رغم وجود معارضة إماراتية كبيرة شعبية مناهضة لإتفاقية التطبيع، ورافضة لهذا الإنفتاح الغير مسبوق على دولة الإحتلال الإسرائيلية بكافة الأشكال، على الرغم من إستمراراها بإرتكاب المجازر والممارسات الإجرامية بحق الشعب الفلسطيني
وفي المقابل، فقد نظم ناشطون في الـ (BDS) مظاهرات حاشدة ضد التطبيع البحريني مع دولة الإحتلال الإسرائيلية رغم الإعتقالات العشوائية التي أقدمت عليها السلطات الأمنية البحرينية، ولكن ذلك لم يضعف من عزيمة الـ (BDS) ، ورغم تحركاتها، واتساع هامش التحركات بالنسبة للإمارات، لم تنجح الـ (BDS) في هذه الحملات كما يجب، حيث إفتتحت سفارة البحرين في تل أبيب، وأقدمت البحرين على تعزية دولة الإحتلال الإسرائيلية في ذكرى الهولوكوست، وإفتتحت كذلك مجالها الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية، والأغرب من ذلك أنها إمتنعت عن التصويت بمجلس حقوق الإنسان ضد دولة الإحتلال الإسرائيلية لإدانتها قتل الأطفال والمدنيين الفلسطينيين.
وقد أبرقت المبادرة الوطنية لمقاومة التطبيع في البحرين رسالة إلى 91 فندق في البحرين و30 شركة تجارية، تطالب من خلالها بعدم تقديم أي خدمات تجارية للقادمين من دولة الإحتلال الإسرائيلية إلى البحرين، وتم مقاطعة شركة البحرين المالية (BFC) المتخصّصة بتحويل الأموال وصرف العملات وغيرها من الخدمات المصرفية بعد إعلان الإستحواذ عليها من قبل شركة "إسرائيلية"، وأدرجت الـ (BDS) بنك البحرين الوطني على لائحة المقاطعة الشعبية وذلك بعد إتفاقه الإقتصادي وتعامله المباشر مع دولة الإحتلال الإسرائيلية. وكذلك أقدم بعض المواطنين في البحرين بإغلاق الحسابات البنكية في البنك البحريني الوطني بسبب مساهمته في التطبيع الإقتصادي مع بنوك دولة الإحتلال الإسرائيلية.
بينما في السودان فالأمر مغاير تماما، فقد قامت السودان بالتطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية طمعا بملياري دولار بسبب الأزمة الإقتصادية التي تعانيها وبسبب العقوبات الأميركية عليها، وبهدف إزالة إسمها عن قائمة الإرهاب، ورغم إعلان التطبيع، إلا أن هناك جهات وطنية بارزة أدانت هذا التطبيع بالمطلق، وأعلنت أحزاب سياسية ومنظمات أهلية وتكتلات إعلامية وشبابية وعلماء عن إنطلاق تجمع "القوى الشعبية السودانية لمقاومة التطبيع". ويضم التجمع 28 حزباً وتكتلاً ومنظمة، وكان من أبرزهم حزب المؤتمر الشعبي ، وحركة الإصلاح الآن ، وحزب منبر السلام العادل ، وتجمع الشباب المستقلين، وهيئة علماء السودان، ورغم كل المظاهرات والإحتجاجات، تم تأسيس منظمة "إسرودان" التي تهدف إلى تطبيع العلاقات الشعبية بين السودان ودولة الإحتلال الإسرائيلية، كما تم إلغاء قانون مقاطعة إسرائيل من قبل مجلس الوزراء السوداني، لكن الشعب السوداني مازال موقفه ضد التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، وبرز ذلك من خلال موقف اللاعب السوداني "محمد عبد اللطيف" المنسحب من أولمبياد طوكيو، رفضا للتطبيع الرياضي مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، وإستقباله بحشد شعبي واسع في المطار بسبب موقفه الشجاع والجريء.
أما المغرب، فوقفت في البداية ضد التطبيع بين كل من الإمارات والبحرين والسودان مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، وكان ذلك على لسان العديد من الهيئات الرسمية المغربية، ولكن سرعان ما تبدل الموقف، وتغيرت المواقف، إثر إعتراف الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب" سيادة المغرب على الصحراء المغربية، مقابل التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، مستغلا الخلاف بين الجزائر والمغرب عليها، لكن كان هناك تحركات كبيرة مناهضة لهذا التطبيع، حيث خرج العديد من المتظاهرين والمحتجين منتفضين على سياسة التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، رغم قمع القوات الأمنية المغربية، لكن كل الحركات والإحتجاجات المناهضة للتطبيع لم تنجح، فزادت العلاقات بين البلدين، وتم إعلان عن رحلات جوية بينهما، وأعلن عن بدء علاقتهما الدبلوماسية، والتطبيع الأكاديمي بين بعض الجامعات المغربية مع جامعات دولة الإحتلال الإسرائيلية، ولكن سرعان ما تم إستدراك ذلك من قبل نقابة التعليم المغربية وأصدرت بيانا تحذر من مخاطره، كما تم تأسيس 15 هيئة سياسية ونقابية لمناهضة التطبيع، وهناك موقف بارز للطلاب المغاربة في مختلف الجامعات يناهض التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية ويؤكد على ثباتهم من القضية الفلسطينية، وكان هناك موقف شجاع للاعب المغربي "حكيم زياش" الرافض للمشاركة في المباراة التي أقيمت بالمغرب مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، رغم تهديده من حرمانه في تمثيل منتخب بلاده مرة ثانية.
لكن كان هناك مواقف رسمية سعودية مناهضة للتطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، وإعلانها أكثر من مرة إلتزامها بالمبادرة العربية في بيروت عام 2002، بإعتبارها ضرورة إستراتيجية للمنطقة، لكنها في الوقت نفسه سمحت لطائرات دولة الإحتلال الإسرائيلية المرور عبر مجالها الجوي لتنقل المسافرين الإسرائيليين إلى الإمارات والبحرين، وفي ظل التذبذب في هذه المواقف، إعتبرت الهيئات الرسمية السعودية أن ذلك ليس تطبيعا مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، لكن عدم إستجابة اللاعبة السعودية "تهاني القحطاني" من الإنسحاب من أولمبياد طوكيو رفضا للتطبيع الرياضي مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، بناء على طلب الـ (BDS) ، كان بضغط من المراجع الرسمية السعودية، مع الإشارة إلى خسارة اللاعبة السعودية أمام نظيرتها من دولة الإحتلال الإسرائيلية "راز هيرشكو" بنتيجة ساحقة11-0، وزاد التطبيع الرياضي بعد ذلك، من خلال مشاركة وفد رياضي من دولة الإحتلال الإسرائيلية في سباق "رالي دكار" الذي أقيم بالسعودية، ولابد من الذكر أيضا، وبعد الخلافات السعودية الإماراتية، عدلت السعودية إتفاقية التجارة مع الإمارات حيث أنها منعت إستيراد أي بضائع إماراتية يدخل فيها منتجات إسرائيلية.
وفي قطر، كان هناك محاولات تطبيع غير رسمية وغير معلنة مع دولة الإحتلال الإسرائيلية على الصعيد الرياضي، حيث إستضافت العاصمة القطرية ثلاثة عشر لاعب من دولة الإحتلال الإسرائيلية وأعضاء في الجيش الإسرائيلي برتبة نقيب ورقيب، كما إستضاف الإتحاد القطري للجمباز ممثل دولة الإحتلال الإسرائيلية بمشاركة ثلاثة لاعبين إسرائيليين في بطولة العالم للجمباز التي أقيمت في الدوحة، لكن في المقابل كان هناك تحركات مناهضة للتطبيع بجميع أشكاله، حيث أعلن النادي الرياضي القطري عدم تجديد عقده مع شركة الملابس والمعدات الرياضية "بوما"، لمساهمتها بدعم المستوطنات غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، ودعا تجمع شباب قطر ضد التطبيع إلى مقاطعة الشركة الأمنية G4S البريطانية في قطر، بسبب إدارتها للسجون الإسرائيلية التي تحتجز الأسرى الفلسطينيين والأطفال المعتقلين.
أما الكويت فكان موقفها حاسم من ناحية تجريم التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، حيث أعلن أمير الكويت الشيخ نواف الاحمد الجابر الصباح أن موقف الكويت سيظل ثابتا وداعما للقضية الفلسطينية في المحافل الدولية كافة، وبالفعل كشفت السلطات الكويتية متجرا يبيع المنتجات الاسرائيلية، وقد اغلقته السلطات الكويتية بعد ان أحالته على النيابة العامة لانتهاكه قانون المقاطعة الكويتي، وقد إعتذرت صحيفة "القبس" الكويتية عن نشرها خبرا يتضمن كلمة "إسرائيل"، كما عرض تلفزيون دولة الكويت فيديوهات ومقاطع توعوية تحدثت عن إقتحامات المستوطنين المستمرة لباحات المسجد الأقصى وأهدافها ، داعياً لحماية الأقصى الشريف من مطامع دولة الإحتلال الإسرائيلية، وقد إستدعت الكويت السفير التشيكي، لقيامه بنشر العلم الإسرائيلي على صفحته على مواقع التواصل الإجتماعي.
كذلك الأمر في تونس، حيث كانت مواقفها حازمة ومعلنة من ناحية رفض التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، حيث رحبت حركة المقاطعة(BDS ) بقرار تونس والجزائر الرافض لمرور الطائرات الاسرائيلية في اجوائهما، كما أشادت حركة المقاطعة (BDS) بموقف الطيار التونسي "منعم صاحب الطباع" الذي أوقف من العمل من قبل شركة الطيران الإماراتي على أثر رفضه للمشاركة في الرحلة الجوية إلى "تل أبيب"، وتم إعلان فتح تحقيق حول المنتجات التونسية التي تم تصديرها إلى دولة الإحتلال الإسرائيلية، لكن يبقى الأمر مرهونا بتنفيذ مطالبة الشعب التونسي والذي تتبناه حركة الـ (BDS) بسن قانون يجرم التعامل والتطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية.
كما أن الجزائر قد إتخذت العديد من المواقف المناهضة للتطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، حيث اقترحت النائب الجزائرية - أميرة سليم عن اقتراح قانون يمنع الترويج للتطبيع مع دولة الاحتلال الاسرائيلية عبر وسائل الإعلام والإعلام البديل، فيما جدد وزير خارجية الجزائر " صبري بوقدوم" في الإجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب الذي عقد في القاهرة التأكيد على موقف الجزائر الثابت واللامشروط والداعم لحقّ الشعب الفلسطيني في إسترجاع كافة حقوقه المغتصبة وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس، وكان قد إنسحب الوفد الجزائري المشارك في فعاليات الجمعية البرلمانية للبحر المتوسط بسبب مشاركة دولة الاحتلال الاسرائيلية، وقد تم تشكيل لجنة إفريقية مكونة من 13 دولة لطرد دولة الإحتلال الإسرائيلية من الإتحاد الإفريقي، حفاظا على مبادئ الإتحاد الداعم للقضية الفلسطينية، بالإضافة للعديد من الوقفات الشعبية المشرفة المناهضة للتطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية.
في المقابل، لم تحسم الأردن موقفها من التنسيق مع دولة الإحتلال الإسرائيلية رغم المطالبات والإحتجاجات الشعبية، فقد وقعت الاردن اتفاقية مع دولة الاحتلال الإسرائيلية بحجة تقصير الرحلات الجوية، بينما كانت الـ(BDS) نشيطة وقامت بعدة حملات، منها دعوة مقاطعة " ecopeace middle east "، و" مقاطعة منتج "سودو كريم " بسبب مشاركته مع شركة "تيفا" الإسرائيلية، وكان قد انسحب النائب الاردني من برنامج حواري على قناة "DW" بسبب مشاركة ضيف إسرائيلي في الحلقة.
و في ذات السياق، فإن حالة مصر كحالة الأردن، بل وربما هناك تعقيدات أمنية على الـ (BDS) ، وذلك بعد إعتقال منسق الـ (BDS) "رامي شعث" من قبل القوات الأمنية المصرية، رغم مطالبة الإفراج عنه من قبل العديد من المؤسسات والمنظمات الحقوقية، أما على الصعيد الشعبي، فإن التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية أمر مرفوض تماما، وقد ظهر ذلك بعد محاولة الممثل المصري "محمد رمضان" إلتقاط صور مع إسرائيليين في الإمارات، ما أدى إلى منعه بالقيام بأي حفلات في مصر من قبل محكمة القاهرة، وكان قرار نقابة الفنانين في مصر حاسما، بالإضافة إلى العديد من المواقف الشعبية التي تناهض التطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية.
أما لبنان وسوريا، فهما معروفان بموقفهم العدائي لدولة الإحتلال الإسرائيلية، حيث رفض وزير الزراعة اللبناني "عباس مرتضى" المشاركة في المؤتمر السنوي لمنظمة الغذاء والزراعة التابعة للأمم المتحدة، بسبب إدارة الجلسة من قبل سفيرة دولة الإحتلال الإسرائيلية في روما "ياعل روبنشتاين"، وقد أدانت المحكمة العسكرية اللبنانية ثلاثة مواطنين بتهمة التعامل والتطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية.
حركة الـ (BDS) في فلسطين
إن الـ (BDS) في فلسطين تعتبر من أنشط حركات المقاطعة، ولكنها لم تنجح في العديد من مبادراتها بسبب سيطرة دولة الإحتلال الإسرائيلية على المعابر الحدودية، والتحكم بالإقتصاد الفلسطيني، لاسيما أن المتطوعين في الـ (BDS) يعانون من الإعتقالات العشوائية دون تهمة أو محاكمة، رغم ذلك، كان للـ (BDS) في فلسطين العديد من المبادرات التي أنجزت بعض النشاطات ذات الأهمية العالية من ناحية الندوات وورشات العمل لتنمية الإقتصاد الوطني الفلسطيني، والتعاون الدائم مع الجمارك ووزارة الإقتصاد الفلسطيني.
كان للـ (BDS) في فلسطين العديد من المواقف والتحركات المناهضة للتطبيع مع دولة الإحتلال الإسرائيلية، حيث أطلقوا برنامج يسمى "buycott" وفيه كل الشركات التي يجب مقاطعتها، عبر مجرد إدخال "الباركود" على التطبيق، ناهيك عن المبادرات والتوقيعات على أكثر من عريضة تحث على المقاطعة، والتي نجحت في التأكيد على أن دولة الإحتلال الإسرائيلية تمارس نظام الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني أمام الحكومات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية على صعيد العالم.
خاتمة:
لقد حققت الـ (BDS) إجماعا فلسطينيا وعربيا شعبيا، وعلى صعيد الرأي العام العالمي الي يزداد تضامنا مع حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، كما أظهرت التحركات التي رافقت معركة "سيف القدس"، والذي تنامى تحديدا بعد إصدار العديد من التقارير الدولية من جهات ومنظمات حقوقية دولية تؤكد أن "إسرائيل" تمارس جريمتي الإضطهاد والفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني، حيث أن هدف الـ (BDS) هو التخلص من هذا النظام أسوة بجنوب أفريقيا الذي كان يعاني من سياسة الفصل العنصري، والذي إنهار بعد مقاطعته.
كما كان للـ (BDS) حضور حيوي وفعال من خلال إصرارها على الرواية الفلسطينية التي تنطلق من النكبة المستمرة والحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة، ودحض الرواية الصهيونية تحديدا أمام المجتمع الغربي، فتحولت المقاطعة من سياسة أمر واقع ورفض عربي إلى قناعة جماعية وغاية للتخلص من سياسة الفصل العنصري أمام المجتمع الغربي بعد بؤس السياسة العربية السائدة في الآونة الأخيرة.
فيما أكدت الـ (BDS) مجددا، أنها تعمل بطابع أخلاقي رفضا للظلم ومناهضة لسياسة الفصل العنصري وللتخلص من الإستعمار أينما وجد، وأضحت محط أنظار "إسرائيل"، التي حاربتها بشتى الوسائل القانونية والإقتصادية والسياسية، عبر تشويه صورتها الحقيقية، التي إنطلقت بدواعي إنسانية بحتة، والتي علمت المدافعين عن حقوق الإنسان الصبر في السياسة وبناء الإستراتيجيات بعيدة المدى، لكن مع الإكتراث للسياسة الراهنة في الوقت ذاته.