- جهاد حرب
تنشر مؤسسات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث المتخصصة باستطلاعات الرأي العام نتائج استطلاع رأي عام في البلاد، لكن من الواضح أن النخبة الحاكمة لا يسترعيها الانتباه لنتائج هذه الاستطلاعات التي تعبر عن أو تحمل مواقف وآراء وانطباعات المواطنين عن النخبة الحاكمة أو ممارساتها. ولا تأخذ العناية الواجبة لفهم محركات هذه الانطباعات والعوامل الكامنة خلف الآراء والمؤشرات الدافعة لمواقف المواطنين.
تجهد الحكومة الراغبة بنيل رضا المواطنين في السهر للاطلاع على انطباعات مواطني دولتها وتقييمهم لسياساتها وممارساتها عبر استطلاعات الرأي العام المهنية التي تشكل واحدة من الأدوات الأكثر ضبطاً في قياس ومعرفة آراء الناس في المسائل المختلفة.
إن هذه الأداة القائمة على معيار الرأي العام لتقييم الأداء الحكومي أو ممارسات الحكم قد تعترضها انتقادات، بشكل عام، إما لعدم الثقة بنتائجها لدى النخب السياسية أو عدم الاهتمام بآراء الناس وتوجهاتهم، أي عدم الاهتمام بفهم كيفية تفكير المواطنين في أجهزة الحكم والنخبة الحاكمة، وبانطباعاتهم ومواقفهم وآرائهم في القضايا السياسية وفي إدارة الحكم.
في ظني أن نتائج استطلاع الرأي العام الذي أصدره مركز العالم العربي للبحوث والتنمية نهاية شهر آب الماضي يشير إلى نتائج هامة على طريقة الحكم وعلى التحولات في رأي الجمهور الفلسطيني وفي تقييم أداء العمل الحكومي ومؤسسات السلطة الفلسطينية. كما يظهر حساسية عالية للمواطنين في مسألة التقييم السلبي للحكومة ولأداء مؤسسات السلطة الفلسطينية بسبب الإجراءات والممارسات الماسة بحرية المواطنين في التعبير والتجمع والاحتجاج.
فقد أشار إلى أن أكثر من ثلثي الجمهور الفلسطيني (69%) ينظرون سلبا لطريقة تعامل السلطة الفلسطينية مع مسألة مقتل نزار بنات وما تلاها من أحداث، وأن 60% من المواطنين يعتبرون أن لجنة التحقيق غير محايدة. أما حساسية الجمهور فقد ظهرت أثناء إجراء الاستطلاع، وهو الأول بعد مقتل بنات، حيث ارتفع التقييم السلبي لأداء الحكومة من 37% قبل قتل الناشط بنات إلى 55% بعد مقتله. كما يظهر الاستطلاع عدم رضا المواطنين بشكل كبير عن أداء الحكومة في أهم المجالات التي تعهد بها عند تكلفيها؛ 70% غير راضين عن خلق فرص العمل، و67% مكافحة الفساد، ودعم الشباب 63%.
لا تقتصر الانطباعات السلبية حول الأداء الحكومي بل عدم رضا المواطنين واتخاذ مواقف معاكسة للتوجهات السياسية للنخبة الحاكمة ومشروعها السياسي ومنهجها؛ فقد أظهرت نتائج الاستطلاع معارضة حوالي ثلثي المواطنين لخيار حل الدولتين؛ فقط ثلث الجمهور يؤيد خيار حل الدولتين، ويؤيد ثلثا المواطنين إلغاء اتفاق أوسلو، و61% يعارضون استمرار التنسيق الأمني. فيما فَقَدَ حوالي ثلاثة ارباع الجمهور الفلسطيني الأمل في عملية السلام، تعارض الاغلبية المطلقة للشعب الفلسطيني (54%) استئناف المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
إن نتائج هذا الاستطلاع تشبه إلى حد كبير نتائج الاستطلاعات الربعية التي يصدرها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية وغيره من مراكز استطلاعات الرأي العام؛ وهي تتبع منهجية علمية معتمدة من أهم مؤسسات استطلاعات الرأي العام الاكاديمية والعلمية على المستوى الدولي.
في ظني أن النخب الحاكمة التي لا تنظر للنتائج المرعبة لهذه الاستطلاعات، بعناية تحليلا وتفسيرا، تغيب عن الواقع ولا تتمكن من إدراك تطورات الأحداث ومزاج المواطنين وتفتقر إلى فهم أبجديات العمل السياسي والحكم، فهي تحتضن في حجرها العوامل الدافعة للانفجار أو التدمير الذاتي لا محالة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت