بروفايل الحلقة (الثالثة ) من الساحات التي لا تحتمل أقلام كهنة شعراء العالمين نذهب إلى الأديب والشاعر الايكولوجي، العراقي عبد القادر الجنابي

بقلم: هدلا القصار

هدلا-القصار
  •   بقلم : الناقدة والشاعرة د . هدلا القصار/لبنان
     

ننبش آبار  الأديب والشاعر المترجم ... المقيم في فرنسا عبد القادر الجنابي، المتمرد على الأفكار المجبصة، والحياة المتصنعة، والمجتمعات الموجهة والمخدرة، والسياسة المزخرفة، والوجوه متعددة الأقنعة....  ما  أرعد  أصابعه نغمات "سومرية"  تملأ كلماته ضوء  يفجر حدود المعرفة، بلغة تتحدى آلهته المنتظرة زمناً يمنحه وجوداً خارج خراب العالم، في أعمال قوامها مادة لغته وتفرده الأدبي المتنوع، وأسلوبه الساكن درجات الإبداع الراقي في قيمته الشاعرية الإنسانية...

 إذ أردنا أن نعرف ما هو الشعر؟  فلا بد أن نعرف ما يؤديه الشاعر في عروضه البلاغية التي أوصلتنا اليوم  إلى الأديب والشاعر العراقي عبد القادر الجنابي، هذا الكائن المستند على تفاصيل الواقع، وكيفية معالجة الموضوعات الإنسانية .. في الشكل الذي يتناسب مع مطالب تنادي بالحداثة وتطور الواقع..
للتخلص من التقاليد والقوانين المتجمدة والتعسفية .. ، في أعماله الأدبية، وأطروحاته التنبوئية لمستقبل قضايا عصره  دون استدعاء ما تحمله كلمات الشعر ....

أنه أشبه بالعباءة الفضفاضة التي تخبئ حقيقة الجسد بكل ما يحمل من تفاصيل الواقع ، أو أن قلبه يحمل أسرار غابات الأمازونية،  ليبدوا وكأنه  يقامر  على جمرات ثقافته الواسعة، وأطروحات مخيلته، المتمردة  على الموروثات، والفكر والتقاليد الغير منسجمين مع  الزمن الحديث، وارتباطهم بالوضع البشري المسربل  من أفكار الشاعر،  وصوته المتمرد على الكون بمجمله ،  وقلقه الكامن الذي يظهر في  تجربته، وتعاطيه مع مختلف العوامل الخارجية  والداخلية للإنسان، وهمومه .. ومعارضته  لبعض الأنظمة، من  خلال أقلامه العابقة بالحرية المفتقدة من العالم العربي، هذه هي  أقلام الجنابي الهارب من الأفكار المعلبة،  وأشكال عنف المجتمعات وفصوله المبرمجة .
ليثبت للمتلقي أن الشعر ليس تباهي بما لدي الشاعر من موهبة فقط وليس الشعر تخصص بحالة ما او انه ليس لجسد المرأة ... ، بل هو الحضور الأعمق في قلب وحياة الفرد، من خلال سعيه ليقظة المجتمع ووضعهم أمام المتلقي كنوع من الوعي وكيفية التعاطي ... من خلال أعماله الأدبية المتنوعة ...  بما أن الشعر الحقيقي هو الذي  يعبر عن الواقع بمجمل قضاياه ومشكلاته، وهو من أكثر المشاهد الحيوية في حياتنا..، بغض النظر عن اختلاف نتاج الفكر الملهم لعناصر الإنسان، هكذا هي  تجربة الأديب والشاعر عبد القادر الجناب،   الذي يوجه أدبه إلى الجمهور العربي والعالمي  .
على خلاف العديد من الشعراء الذين اختصروا الطريق... والتركيز على المجتمعات وأتجه بأدبهم إلى شعر الجسد واستباحته الغير مرغوب لدي الشاعر المرأة كما الشاعر الرجل.  لذا هربنا من هذا الاتجاه بعين النقد إلى أعمال وتجربة من عالجوا جميع امور الحياة بمجملها .

إذا هذا هو  الشاعر الحقيقي المعتدل في عقلانيته وانسجامه مع جميع الثقافات المرتبطة بالمثل الإنسان الحديث ... وما يخفي وراءه دوافع  شخصيته التي تدفعه إلى الإعلان عن ثقافة من نوع خاص، ليسقط منها على عالمنا المعاصر، ويصعق القارئ بصرخات نداءاته العالية وشفافية بكائه على الوطن ، والتعبير عن تشوهات المجتمعات عامة .

وهكذا يعتبر الأديب والشاعر والمترجم عبد القادر الجنابي، خارج من قيود الأزمنة والأمكنة...، يجمع من اللغة الشعرية المتوهجة إشراقات ودلالات فلسفية، وتاريخية ، بأساليبه الحديثة والواضحة في سرديات رحلاته الولبية، ومعرفته الوثيقة بأشكال الأدب الأوروبي، الذي يسال الجنابي، عن مستقبل الذات، في دعوة ملائمة لمصير ما يميز ثقافة الفكر في نتاج تعبيره، وتأمله القائم على تحويل مجتمع العالم العربي إلى عالم أكثر تفتحنا ووعيا  ...، الذي يتسع للغات العالم وثقافاته، التي تسعى  لتطوير العالم  من خلال تجربته الشعرية العالية البناء ... لنجري وراء نحت قصائده الحاذقة، ذات الخصوصية الواضحة، وإشارته الكامنة في تجربته المتفاعلة مع المتلقي،  وتنوع ثرواته النثرية والسردية الفنية، والكتابية، والثقافية المجتمعية...، الجامعة تيارات الأدبية  بجذور شرقية .
 مما سهل علينا  اكتشاف مناطقه الحميمة، وأقواس حياته الباحثة عن  تراجيديا اللحظة المرتفعة لمستواه الفني . مستذكرين " فكرة مسائلة المسائل الموازنة بين العلم والفن، في فلسفة  الفنان سوفكليس"، ودانتي" وشكسبير"،  ومكانة كل منهم في الحياة الأدبية الحديثة التي تمحورت  في "مسائلة العالم وفنونه"،  في أعماله الروحية والفكرية والإنسانية والعقلانية والسياسية والمجتمعية، في جميع تركيباته،  وانتقائه للكلمة المؤثرة...،  لتبدو  سيرته صاخبة بالأفكار والمبادئ والأطروحات ....

ومن هذا المنطلق استطاع  الأديب والشاعر عبد القادر الجنابي، ان  يرسم لنفسه مسارا إبداعيا منفردا،  يحمل جميع أنواع  القراءات الفلسفية  التفكيكية، والتأملات الشعرية التي تقوم على الجدل بين  الواقع   والفرد، وهذا إذا دل يدل على مدى التزام الشاعر بالقضايا المعاصرة للإنسان الذي يعكس عصر مجتمعه ، لينبض مجتمعات تناسب العصر الحديث ليتمكن التعبير عنه في أشكال  متماهية، أي على شكل علامات سيمائية في تجربته المتعددة الأصوات والمناهج... وتعبيره عن حال كل فرد في المجتمع، عبر الزمان والمكان، في مجمل آلياته الحرة، وموسيقاه اللفظية، ومفردات جمله المختارة بمهارة، ليكتسب بذلك فرادة خصوصية ومتنوعة في  إبداع العالم العربي والعالمي،  ليقيم شجناً بين ما يحدث، وبين التكوينات المتجددة ، من خلال  كتاباته  الأدبية المتنوعة، ووضعها  على قاعدة صلبة، يبني عليها  صرحه الأدبي المتنوع، الذي يشكل خروجاً عن المألوف، وقدرته على الغوص في أعماق خريطة النفس، هذه القدرة التي جعلته يطوف في كتابات  ترفض  مختلف القهر الذي يتعرض له الإنسان، بانجازات تستدعي عقل المتلقي للمساهمة ومعالجة الكثير من المنغصات ... بإدراك منفتح وروح مرحة، >
إذا هذه هي تجربته الناضجة، وثقافته الواسعة، والمتنوعة من فن /وترجمة / ونقدً/ وشعر ...
فما علينا إلا أن نبحر بين مئات المواضيع الثقافية التي تعود على القارئ بالمتعة والفائدة، المكتسية من ثوب تجربته التي لا تبتعد عن ذات الإنسان .
 فالإبداع يسكن أعماق شخصيته التي امتزجت بتصوراته وتداعيات أفكاره ... مخترقة الواقع والمتخيل لاتصالة بعالم الغرب الذي دخل  عالمه الشرقي،في  الحياتية والثقافية والفكرية والفلسفية  و تجربته الهيجلية .

ليبدو عبد القادر الجنابي "كالوحدة الظلامية  كلما طردناها من أفكار أقلامنا ! تظهر في مكان آخر، حيث تطير الذات في مهب الصراعات لتعود وتستدرج ضوئها الداخلي المعتم إلى ضوء ولادات جديدة "
او كفارس قديم عاد بعد سنوات من التأمل ... ليدعو الإنسان إلى الرؤى الفكرية والأخلاقية لمواجهة العالم من خلال أوراق كتاباته الطوعية، وعمقه الفلسفي والدرامي، لنكشف الغطاء عن رؤيوية الشاعر النفعية المرتفعة إلى دراجات النبوءة، ليبدو  كإرث عراقة الأدب ، وامتداد نكهة حضوره  كما صرح  في قصيدة  " بيانات موزونة "

عبد-القادر-الجنابي



البيان الأول:تراثٌ يموت، كلامٌ يقوم:
1
ترابًا
لندفن
بُحورَ الخليل ِ:
فلا شعرُنا عادَ يَحدو
ولا نثرُنا عادَ يَروي
حقولَ الحكايهْ
لنَلحَدْ
فراهيدَهمْ
ثَـَمَّ إيقاعُ أنـّى
يكونُ الصُراخُ
مناطَ المصير
يكونُ القصيدُ كفـيّـًا بذاتِهْ.
2
... فأمّا كـُسالى الغناءِ، فشعرهمُ
كالغبارِ يصمّ ُ
فلا بدرَ لليلِ لا للكلامِ حياة
قريضٌ تضيعُ القصائدُ فيهِ
ووحيُ السليقة ْ ndash;
خفيرُ الحواس ِ خؤونٌ
يؤولُ كطبلٍ
إلى راسبٍ في النفـَسْ...
إلى ضَـلـّةٍ لا تـُنيلُ
3
جُزافٌ، نظيرُ التوترْ،
وَجيزُ الكثافة ْ
هوَ الشعرُ في النثر ِ،
هَمسًا يُحاكي الغريبَ:
نعم، للشِفاهِ أُذ ُنْ
وللأذ ْنِ عينٌ
وللعينِ إيقاعُ حلمٍ
هو الصوتُ،
نِدّ ُ المدى والصّوامتْ.
وعنـْـقُ التفاعيلِ يـُلوى،
بسرْدِ الدلالة ْhellip;
تفاعيلُ عنها تريد الخروجَ
قصائدُ تمضي شمالاً كيومٍ جريءٍ
إلى كتلةِ النثـْر ِ حيثُ المعاني
براكينُ
ثـُمّ انسجامُ
تُسَاكِنُ سطرًا فسطرًا.

1
لكَ إيقاعٌ،
انثره يروم كما يهوى
ميزانُكَ بالكلماتِ كما تَنـزلْ
وَحْيًا أو تفكيرًا.
أنّى يوجدْ كلِمٌ
يوجدْ إيقاعٌ؛ شرْيانُ المعنى.
لكَ تاريخٌ: هوَ نصُّكَ لا شيءٌ آخرْ!
2
في موقفهِ
للشاعرِ ساعتُهُ
حُرَّ الرؤيا يتركْ
قلمهْ
يدنو ممّا يتصارع فيهِ
من أفكارٍ لم تُمسك بعْدُ
إذ يتركها تنمو عفو الخاطرْ...
وإذا يتوالى دفقٌ من صورٍ
لم يعهدْها قَبلُ،
تتكتّلُ شعرًا، أفكارًا،
تتراءى إيقاعًا
ضدّ الإيقاعات المعطاة، يشفُّ بشعرٍ
أيُّ محاولةٍ كي تَخضعهُ لسياقٍ وزنيّ، يُطفأ ْ
يَفـْسَدْ جوهرُهُ:
أمتخّ ُكياني شعرًا، تـَمسخُهُ التفعيلةُ قولاً
هَدهدهُ الرُقباءُ. وإنْ أختارُ التفعيلةْ
إيقاعًا، لنْ أشتفّ مياهَ مظانِي، لن!
ما موجود ٌ من شعرٍ
ليس سوى شبحٍ فوق الورقةْ.
3
لا بحرٌ للشّعرِ
ولا قانونٌ للحلمِ،
ولا منوالٌ يُتبَعْ...
والدّفقِ الآلي إيقاعهُ فقدان الرّابطْ.
للشعرِ مقاديرٌ، حلمٌ، قدرٌ، ذكرى، موتٌ
هو أنتَ: نظيرُكَ ما تكتبْ
مهما تفعلْ.
4
الوقعُ أمامَكَ،
لا في حافظةٍ،
يتموّجُ في نهرِ اليومي
اِرْكبهُ
كي من هوْل الصّوت السائبْ
وخِضَمّ تعاريج الساكنْ
بجديدٍ تأتي
5
الإيقاعُ الآخرْ
الطالعُ من صوت الآني،
والفكرُ يُفكُّ من الحُجُبِ،
فيكون الماضي تلميذَ الحاضر
والإيقاع الإنساني ها يشدو:
ما أزرقَهُ...
أَلليلُ كما لو
أنّ الدّنيا كأسٌ
قطرةُ حبرٍ
قد سقطتْ فيها!
يتبع
مع الأديب والشاعر البحريني  قاسم حداد،

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت