صدر عن "مدار"

"معنى إسرائيل" ليعقوب م. رابكِنْ.. كتاب ينقد إسرائيل والصهيونية بأدوات دينية يهودية

صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، كتاب "معنى إسرائيل" لمؤلفه يعقوب م. رابكِنْ، ترجمه عن الإنكليزية الكاتب حسن خضر، يتضمن مرافعة نقدية متينة تحاكم الصهيونية وإسرائيل بأدوات ومرجعيات دينية يهودية تضيء بكثافة على حيثيات المعارضة اليهودية التاريخية للصهيونية، عبر اقتباس مصادر حاخامية غير شائعة في هذا السياق.

يُعطي الكتاب، الواقع في 294 صفحة، أهمية خاصة لهذه المعارضة، وهو يفكك ما يسميه الخلط الشائع بين مصالح اليهود، والصهاينة، واليهودية، والصهيونية، والتقاليد الألفية اليهودية، وقومية القرن العشرين اليهودية، ومصالح الدولة الإسرائيلية، والمواطنين اليهود في بلدان أُخرى، معتبراً أنه من الضروري لفهم إسرائيل التمييز بين الدين، والإثنية، والقومية، لأن الأيديولوجيا الصهيونية، على وجه الخصوص، جعلت من هذه الأشياء خليطاً واحداً.

يفحص الكتاب أصول دولة إسرائيل وطبيعتها الكولونيالية، وكذلك مكانها في التاريخ اليهودي والأوروبي، مذكراً بأن مؤسسي الصهيونية نظروا إلى حركتهم كقطيعة تامة مع التاريخ اليهودي.

ويغوص الكتاب في تفصيل التحوّلات التي وضعت إسرائيل في مركز اهتمامات معظم يهود العالم، والتي تتراوح ما بين التأييد غير المشروط للسياسات الإسرائيلية، والإدانة، بل وحتى الرفض الصريح، للمفهوم الصهيوني ـ أي القومي ـ لليهودي، معتبراً أن الفكرة، المقبولة على نطاق واسع، بأن كل اليهود صهاينة، وبالتالي فهم مدافعون أشدّاء عن دولة إسرائيل، ليست سوى أسطورة تخدم العداء للسامية.

ويخلص إلى أن الصهيونية لا يمكن اختزالها في مجرّد ردة فعل اليهود على الاضطهاد، والتهديدات، والمواقف اللاسامية، معتبراً أن الإبادة النازية موضوع أساسي آخر في التاريخ اليهودي المعاصر. وتتمثل المقاربة التي يتبناها الكاتب في دمج مأساة القرن العشرين هذه في لاهوت تطوّر على مدار قرون من التاريخ اليهودي، معتبراً أنه خلافاً للمتوقع، حُوِّلت هذه المأساة إلى علامة تشير إلى طريق الوحدة الوطنية في إسرائيل، والولاء الصهيوني في الدياسبورا.

ويلفت خضر، في تقديمه للترجمة العربية أن أغلب خلاصات الكتاب السياسية، على قدر كبير من الانسجام مع خلاصات تنتمي إلى نقد ظاهرة التوسّع الكولونيالي الغربي، والرؤى الأيديولوجية والسياسية لحركات التحرر القومي في المستعمرات، التي خبت حدتها في العقود القليلة الماضية، في ظل الموجة الصاعدة لليمين القومي والديني في العالم على جناح العولمة، والليبرالية الجديدة.

ويضيف خضر: فالدولة الإسرائيلية في مرافعة الكاتب جزء من ظاهرة التوسع الكولونيالي الغربي، والصهيونية جزء من ظاهرة القوميات الرومانسية الأوروبية، ومشروعها في فلسطين استعمار أوروبي في الجوهر، وحل الصراع في فلسطين وعليها لا يتأتى دون مشروع لنزع الاستعمار في هذا الجزء من آسيا الغربية، ناهيك عن الإقرار بحقيقة أن الدولة الإسرائيلية لا تمثل تتويجاً للتاريخ اليهودي، بالضرورة، وقد أصبحت مصدر تهديد لا للفلسطينيين وجيرانها وحسب، ولكن لسلام العالم، أيضاً.

ويختم خضر: منشأ المفارقة، هنا، أننا ومع تحفّظات موضوعية على الإطار العام لمرافعة الكاتب، نرى أن خلاصاته السياسية يمكن أن تتموضع بسهولة بالغة في الإطار المفاهيمي لفكرة الدولة الديمقراطية العلمانية، التي تبلورت في الفكر السياسي الفلسطيني، وتجلّت في صورة شعار سياسي، ومرافعة أيديولوجية، في خطاب فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في سبعينيات القرن الماضي. وعلى الرغم من حقيقة أن المرافعة المعنية ظلّت جنينية، بالمعنى النظري، ووهن حضورها في العقود القليلة الماضية، إلا أن أهميتها لم تتراجع، وربما تبدو أكثر راهنية في ظل ما يعانيه حل الدولتين من انسداد الأفق هذه الأيام.

 

المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله