- بقلم / رامي الغف*
كنا نعتقد ان الحكومات السابقة والمتعاقبه ومن خلال البرامج والإستراتيجيات والشعارات التي رفعوها ستكون المفتاح لحل جميع الأزمات والمشاكل والقضاء على الفساد وإلى تقديم خطابا فيه ما يكفي من الشفافية والوضوح عن حقيقة الوضع ونوع الإصلاحات المطلوبة التي تعبرُ بنا إلى بر الأمان بعيدا عن الأزمات المتفاقمة، نظراً لما ينطوي عليه الاصلاح السياسي والاجتماعي والمالي والاقتصادي من تبعات وتداعيات على الاستقرار السياسي في فلسطين بشكل خاص وما يستلزم تشريع قوانين وتطوير المؤسسات وخصخصة المشروعات العامة وان الحروب والحصار المالي والاقتصادي الذي تعرضت لها فلسطين وما ترك من ثقل على كاهل الموارد المالية وعلى المؤسسات الرسمية للحكومة.
ولم تجاوز تحدي الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردي والمتدهور ومواجهة مؤشرات الفقر والبطالة والتهميش والتراجع وتحسين مستويات العيش من صحة وتعليم وسكن وعمل وكفاية الدخل الفردي، الذي يحتاج لتحقيق العدالة والمساواة أمام القانون، وضرب ومواجهة الفساد بأشكاله وعوامله وإمتداداته كافة التي تعدت المجال المؤسسي والإداري والمالي والسياسي إلى الفضاء العمومي وإلى تفاصيل الحياة اليومية برمتها ومحاربة الرشوة والوساطة والولاءات الإنتفاعية والوصولية وسوء إستعمال السلطة وإستغلال النفوذ لتبديد المال ونهب الثروات.
وكانت الامال هي ان تشهد فلسطين بعد إنشاء أول حكومة بداية مرحلة جديدة في طبيعة الحكم من خلال وجود مؤسسات دولة تهدف لتعزيز المشاركة السياسية وتوسيع الحريات والحقوق وإحترام مبادئ حقوق الانسان ووضع مناهج اصلاحية سياسية واقتصادية والتفعيل في بناء مؤسسات الدولة وتطوير بإعتماد سياسة إصلاحية في نظم الدولة الفلسطينية واعتماد سياسة إقتصادية إصلاحية قادرة على إيجاد الحلول للمشاكل التي يعاني منها الإقتصاد الفلسطيني على أن يأتي ذلك في ظل إعداد إستراتيجية تنموية واضحة. ولكن واجهت تحديات عديدة تمثل بالإحتلال والفساد الاداري والمالي والانقسام الجغرافي، وتدخل الأطراف الاقليمية في الشأن الفلسطيني، ساهم ذلك في زيادة معاناة فلسطين والفلسطينيين وتراجع العملية التنموية والاقتصادية والسياسية مما أثر سلباً على تطور الإصلاح السياسي والاقتصادي والتأثير على استمرار النظام الديمقراطي في الوطن الفلسطيني.
لذا فإن مواجهة التحديات والاشكاليات وتأثيرها على الوضع السياسي والاقتصادي يتطلب مراجعة وكشف نقاط الخلل والخلاف وإيجاد الحلول التي تساعد على تنفيذ إصلاحات حقيقية عملية من خلال توافق وطني مع وجود إرادة وطنية قادرة على إنجاح وتنفيذ عملية الإصلاح مع التسليم بأن الثقة بين الدولة و الفصائل والاحزاب والقوى السياسية والمواطن الآن هي في أدنى مستوياتها وكنا نأمل أنها سوف تتصدى وبكل قوة بقرارات تعبر عن رؤيتها بالمسؤولية الشرعية الوطنية بواقعية للتصدي لارادات تلك القوى. والأهم هي أن تخرج الحكومة بقرارات جريئة شجاعة ومنها خلق آلية ناجحة في إدارة الأزمات الاجتماعية والمالية والاقتصادية وفي ايجاد الحلول المناسبه بما يفضي إلى نتائج قد لا تخفف من شدة وطأة الأزمة الإقتصادية على المواطن وتزيدها تعقيداً وأن تضع نصب عينيها فلسطين بعيدة عن التجاذبات. إن الحكومة الحالية كان عليها ان لاتجامل أيَّ طرفٍ سياسي داخلياً كان أم خارجياً ولا ترهن قراراتها بأهداف انتـخابية أو إعلامية وهذا ما كان، و لا يمكن ان تبقى رهينة تلك الشعارات فوقعت فيه، دون تنفيذ برامحها وتوقعنا ان تكون قرارات موجعةً إلا أنها بقيت حبيسة الرهان الاول وهو ضغط القوى السياسية ولم تفكر في المصلحة العليا للوطن انما كانت فريسة صراعات المحاصصة هذه الافاة المعقدة الخطيرة.
لقد عجز الفلسطينيون طوال تاريخهم عن إقامة حكم رشيد، يصنع حياة حقيقية في مناخ ملائم وأرضية صالحة فيها أمن وسلام وعيش مرفه، تبدل حياتهم الشائكة والمعقدة التي يتداخل فيها الحرق والقتل لسنين فقدت معانيها لفترة أكثر من زمن، وأغلبها نفعي ومصلحي عاشت فيها الجماهير الاجواء الغير مستقرة ومنفرة لأجيال عديدة آباء وأبناء، فلقد مرت مآسي ومحن بهذا الوطن من تقلبات سياسية وما عاناه المواطن من خماسي الفقر والمرض وشظف العيش علاوه على الإحتلال والانقسامات على مدار السنوات الماضية. وبالرغم ان الأزمات هي بنات بيئتها الا انها تستهدفها بشكل مباشر وتتفاعل مع معطياتها وظروفها وهي حقبة او حالة غير مستقرة تؤدي الى حدوث تغيير حاسم في الكثير من الأحيان، وهي خلل يؤثر على النظام كله ويهدد افتراضاته التي يقوم على أساسها بشكل رئيس، وتدار الأزمات عبر السعي بالإمكانات البشرية والمادية المتوافرة الى إدارة الموقف من اجل وقف التدهور والخسائر والسيطرة على تأثيرات الأزمة ومن ثم ايقافها وانهاءها بشكل كامل ومن ثم الإستفادة من مخرجاتها في الإصلاح والتطوير والتغيير على الصعيد السياسي والاداري وحتى المنهجي ومن ثم دراسة الاسباب والعوامل التي أدت لحدوثها وتُتخذ الإجراءات الوقائية لمنع تكرارها. ومن اساليب إدارة الأزمات والمخاطر ترحيلها او اخفاءها او ادارتها بأثارة ازمة أخرى وهو ما يسمى الادارة بالأزمة التي تعنى القيام بفعل يوقف نشاطا معينا او يقطعه او يضر به او زعزعة حال من الأحوال ليؤدي الى تغيير النشاط او الحال لصالح من قام بالفعل مُفتعل الأزمة، ويقابل ذلك بالرد عبر تكتيك غدارة الأزمات بتوظيف كافة الإمكانات والجهود وتسخيرها من اجل الحصول على المكاسب وتقليل الخسائر وهو هدف استراتيجي يحفظ الامن القومي. فمن أزمة الى أزمة الى أزمة لم يرتقي صناع القرار إلى مستوى وضع الحلول والمعالجات الناجعة، ولا أغفل هنا النجاح الحكومي في إدارة الازمة الصحية الاخيرة بل اكتفوا ببعض الترقيعات هنا وهناك في بقية الأزمات وهي بطبيعة الحال لا تؤدي الغرض المنشود منها من طلب الاستقرار على كافة الاصعدة وهذا الامر يعكُس تواضع قدرات المتصدين للشأن العام او رضوخهم للضغوطات الخارجية والداخلية التي لا تريد الإستقرار والنهوض بالوطن والحفاظ على الجماهير بشكل او بآخر. آخر الكلام: لقد مر المجتمع الفلسطيني بأزمات موروثة ونزاعات حزبية وفصائلية، وجلها ظواهر سيئة متفاقمة رافقته ودمرته، ناهيك عن الحروب التي خلفت دمار شامل وجعلت فلسطين والفلسطينيين قاعاًً صفصافاً.
*الإعلامي والباحث السياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت