إضاءة على خطاب استثنائي في ذكرى الانطلاقة الرابعة والثلاثين

بقلم: محمد العبد الله

زياد النخالة
  •  محمد العبد الله*

"نهضنا من أجل قتال العدو وما دون ذلك هوامش"
القائد المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، الشهيد فتحي الشقاقي "
لا يمكن لشعبنا في الضفة الغربية أن يُدَجَّن وأن يُرَكَّع وأن يوضع في ثلاجة موتى بالطريقة التي يراهن عليها أبو مازن"
الأمين العام السابق للحركة، الشهيد "رمضان عبد الله شلح" في حوار مع فضائية عربية يوم 21 / 7 / 2014
 

مدخل
 ثلاثة عقود ونيف مرت على الإعلان الرسمي لانطلاقة حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين. ذك الإعلان كان تتويجاً للنشاط الفكري، والسياسي، والمسلح، لعدد من المجموعات التي شكلت كل واحدة منها " النواة " في مجالها / نشاطها، للإطار الجامع والموحد الذي عبَّر عن ذاته بالإعلان عن تأسيس الحركة.

انطلقت الحركة في وقت كان المشهد السياسي والنضالي الفلسطيني يعاني من غياب كتلة جماهيرية وازنة، هي "الحركة الإسلامية"، عن الفعل الميداني المقاوم. فالإطارات الإسلامية التاريخية التي عرفتها فلسطين، ناهيك عن ساحات عديدة في الوطن العربي والبلاد الإسلامية، كانت معروفة من خلال "جماعة الإخوان المسلمين" و"حزب التحرير الإسلامي"، التنظيمين اللذين عُرفا بدورهما الأبرز في النشاط الدعوي، مع بعض الاستثناءات في بعض ساحات عملهما العُنفي "التنظيم السري، والتشكيلات المسلحة السرية المحدودة".

لكن اللافت، أن مواجهة الغزاة المحتلين في فلسطين بالمقاومة المسلحة، كانت خارج برنامج العمل لديهما. لهذا، جاءت انطلاقة الحركة المسلحة بالفكر كما البندقية، لتملأ فراغاً كبيراً، ولتنقل جزءاً من جماهير الحركة الإسلامية من موقع المراقب - إن لم نقل المتفرج/ المشاهد، السلبي – إلى ميادين الاشتباك المسلح.

في الذكرى الرابعة والثلاثين، ألقى الأمين العام للحركة "زياد نخالة" من خلال كلمة مسجلة ، للشعب والأمة، خطاباً سياسياً شاملاً، تم بثها على المشاركين في الاحتفال الذي أقامته الحركة في غزة، وبيروت، ودمشق ، الذي فرضت حجم المشاركة فيه الإجراءات المتعلقة بجائحة " كورونا ".
 مضمون التحية: تأكيد على التموضع الاستراتيجي في الدقائق الأولى للكلمة، وجّه القائد الفلسطيني، التحية إلى "الإخوة في سوريا التي تحتفل فيها حركتنا بذكرى انطلاقتها على أرضها، في نفس الوقت مع لبنان المقاومة، وتزامنًا مع مناطق أخرى في فلسطين، وهذه الدول تحتضن الشعب الفلسطيني على مدار الوقت".

لا يحتاج المحلل السياسي والمتابع المختص لعناء الاستنتاج فيما تعنيه تلك التحية، إنها إعادة التأكيد على التموضع الاستراتيجي للحركة في محور المقاومة: سورية ولبنان المقاومة، وهذا يدل على إزالة أي التباس يحاول المشككون والمغرضون، إشاعته عن مواقف الحركة تجاه سورية في "عشرية الرصاص والنار".

تلك المواقف الاستراتيجية التي بقيت ثابتة، رغم حجم الضغوط التي استهدفت الحركة لتغيير موقفها المبدئي، لكن وضوح الرؤية وصلابة النهج والوفاء لرفاق السلاح والمبدأ، أسقطت كل الرهانات على ارتداد الحركة على ثوابتها.

امتلاك التاريخ: تأكيد على امتلاك الأرض في مواجهة سقوط عدد من كيانات التبعية في مستنقع "التطبيع"، الذي تحول على يد قيادات تلك "المحميات" إلى درجة متقدمة في بناء تحالف استراتيجي مع العدو الأمريكي - الصهيوني، تبرز الحاجة الملحة لدحض وهزيمة كل التضليل الإعلامي والفكري الذي يعطي للغزاة الصهاينة "الحق التاريخي" في السيطرة على الأرض الفلسطينية، تحت دعاوى زائفة ومُفبركة على أنهم "أصحاب تلك الأرض" وبأن العرب الفلسطينيين هم "الغزاة".

لهذا، لم يكن التأكيد على امتلاك التاريخ الذي يعني بالضرورة، ليس امتلاك الأرض، فقط، بل أيضاً المقدرة على تقديم الرواية العربية الفلسطينية في مواجهة اختراع "التملك اليهودي – الصهيوني التاريخي" لفلسطين التاريخية.

 وفي هذا الجانب، أشار الأمين العام – بصراحته وشفافيته المعهودة – إلى بعض الفلسطينيين الذين يستأثرون بـ "القرار الرسمي" في مواقفهم ووظيفتهم بالاعتراف بكيان الغزاة المحتلين، الذي استند عليه المطبعون – الساقطون العرب . يقول القائد الفلسطيني: "بعض النظام العربي يأخذ خطابنا ستارةً له، للارتماء في أحضان المشروع الصهيوني الأمريكي الذي يتقهقر أمام إرادة الشعوب، تحت شعار "نقبل ما يقبل به الفلسطينيون". نعم، إنهم يطبعون، ويعترفون بالعدو، لأننا سبقناهم في ذلك! هل نستطيع أن نقول لهم: لماذا فعلتم ذلك، ونحن نتعايش مع العدو ونتعاون معه؟!". من أجل ذلك، أعاد الأمين العام التأكيد على ضرورة "إعادة قراءة المشروع الصهيوني، ووضع خططنا ورؤانا بناءً على فهم هذا المشروع ومخاطره، ودعونا إلى مغادرة الأوهام بإمكانية التعايش مع هذا المشروع الذي يلاحقنا على كل شيء".

عن المساحة الرمادية في المشهد السياسي
جاءت الفقرات الخاصة بكلمة الأمين العام حول الوضع الداخلي الفلسطيني، لتعيد التأكيد للصديق قبل العدو، بأن هناك قراءة نقدية، ومتقدمة لحالة "التردد والتلعثم" و"لازدواجية لغط الخطاب ما بين الغرف المغلقة والإعلام" السائدة لدى "البعض" داخل المشهد السياسي الفلسطيني . لهذا، عندما يحدد القائد "النخالة" بأن "مشكلة شعبنا اليوم أن المشروع الرسمي الفلسطيني هو أقصر من قامة الشهداء، وأقصر من قامة شعبنا"، فإنه ينطق بما تردده كل يوم، وعند كل محطة كفاحية، كتلة كبيرة وأساسية من الجماهير الفلسطينية "للمثال وليس للحصر؛ معركة سيف القدس وأبطال كسر القيد في نفق الحرية"، بأن الشهداء،الأسرى الجرحى، والشعب المقاوم، أكبرمن القوى، والأحزاب، والقيادات التي تتبنى أفكار المحتل وتبيع الوهم، للمستفيدين من بقاء اتفاق أوسلو الكارثي وملحقاته، خاصة، الأمنية والاقتصادية. إن الشعب الفلسطيني المتشبث بحقوقه التاريخية والمتمسك بثوابته الوطنية والقومية، المنتفض والمقاوم على مدى أكثر من قرن للغزاة، والذي ضحى بكل ما يملك، الروح والممتلكات، من أجل طرد المحتلين، لا يليق بقيادته من يقول "أفنيت عمري من أجل السلام مع العدو الصهيوني" هذا العدو بكل مكوناته، يستحق الوصف الذي قاله الأمين العام "هؤلاء حثالة التاريخ يجب ألا نسمح لهم بالتسيد علينا".

رؤية نقدية للسائد، واقتراح لبرنامج العمل
 إذا كان الخطر- ماضياً، وحاضراً ، ومستقبلاً - على قضيتنا الوطنية يتمثل بالحركة الصهيونية وكيانها الاستعماري، الإحلالي، فإن هناك خطراً آخر على نضالنا الوطني وعلى شعبنا، نجده في كلمات الخطاب: "عدم إجماعنا على برنامج وطني واضح" الذي يتطلب على الفور مجموعة خطوات عملية، تبدأ كما جاء بالكلمة المسجلة، أولاً، بـ" الخروج من الغمغمة السياسية" التي تُعيد إنتاج "لعم" سيئة الذكر. وثانيا،ً "أن نغادر البناء على أوهام الحلول السياسية" هذه الأوهام التي ما زال يسوقها دعاة "ما كان ينبغي حمل السلاح"، بل، تمادوا في ظل اتفاق أوسلو والولاء لـ"التنسيق" الأمني المُدنس، لمطاردة واعتقال وتصفية – أو تسهيل إعدام واغتيال - كل فدائي ومقاوم. أما الخطوة الثالثة، الأهم، كما يرى عدد من المحللين والسياسيين، هي "أن نغادر الحديث عن إعادة ترميم بنيان منظمة التحرير الفلسطينية التي اعترفت بالعدو وسيادته على أرضنا. لقد أفقدنا ذلك الكثير من الوقت، والكثير من التضحيات". هذا الموقف النقدي لكل الأطروحات التي تُقدمها منذ عقود، بعض القوى الفلسطينية التي تنضوي في إطار المنظمة، يفتح باب النقاش على مصراعيه – الذي بقي موارباً وخجولاً لسنوات – حول المنظمة ومؤسساتها ودورها، التي تخلت عن الميثاق القومي، وحتى عن الميثاق الوطني، لتتحول إلى مؤسسة شكلية، فُرِّغت من مضمونها الوطني والتحرري، والسياسي والكفاحي، لتتحول إلى "ختم" تُمهر به قرارات التخلي عن فلسطين، وإلى جهاز بيروقراطي تنفيذي لقرارت "الرئيس". وحتى لا يصطاد "البعض" الذي امتهن منذ سنوات "الاصطياد في الماء العكر"، فإن القائد لم يدعُ لبناء منظمة بديلة، بل أكد بأن المطلوب، ليس إضاعة الوقت، في البقاء داخل مساحة المناشدات والترجي لإعادة بناء المنظمة، بل التوجه نحو "وحدة الخط النضالي وصلابته، [التي هي] أسبق من وحدة الإطار". وهذا يعني البدء بنقاشات، جادة ومسؤولة، للاتفاق على صياغة خطة عمل مشتركة بين الفصائل، وقوى الحراك الشبابي والهيئات الناشطة في المقاومة الشعبية، من أجل إدامة الاشتباك وتطويره، وتناغمه مع المقاومة المسلحة في غزة، ونضالات شعبنا في الوطن المحتل في العام 1948.

في هذا المجال، لا بد لنا من انعاش الذاكرة من خلال التوقف عند المبادرات المهمة التي طرحتها الحركة كبرنامج عمل للخروج من حالة الاستعصاء والمراوحة في المكان، التي تعيشها الحركة السياسية الفلسطينية، الرافضة لاتفاق أوسلو وملحقاته.

في 26 / 10 /2016، خلال مهرجان انطلاقة الحركة الجهادية الـ29 وذكرى استشهاد القائد المؤسس فتحي الشقاقي، تَقَدَّمّ الأمين العام السابق، الراحل "رمضان عبد الله شلح برؤية سياسية، مقرونة ببرنامج عمل، إنقاذي، حمل اسم "النقاط العشر"، لكن الرؤية / المبادرة، بقيت في إطار الدعوة ولم يتم تفعيلها على أرض الواقع. بعد عامين، وفي الأيام الأولى من شهر تشرين الثاني/ اكتوبر في العام 2018، طرح الأمين العام زياد النخالة مبادرة النقاط الخمس، التي لم يكن مصيرها أفضل من مبادرة النقاط العشر. لهذا، من الضروري العمل مع كل حَمَلة تلك الرؤية النقدية؛ قوىً، هيئات وشخصيات، المتمسكين بتصعيد المواجهة مع العدو، على التشاور، من أجل التنسيق والعمل المشترك. لهذا، فإن خطوة عملية واحدة أفضل من دزينة برامج.

ثوابت الحركة، راهناً ومستقبلاً
جاء اختيار شعار "جهادنا حرية وانتصار" لهذه الذكرى، تأكيداً على استمرار الكفاح من أجل انتزاع حرية شعبنا وانتصاره. لهذا، كانت للمساحة التي خصصها الأمين العام في كلمته للأسرى والأسيرات، دلالة على ثقافة ونهج الحركة في التعاطي مع هذا الملف، وهذا ما ظهر عبر سنوات طويلة في معارك "كسر القيد" لانتزاع الحرية، كما برز في عملية نفق الحرية في سجن "جلبوع" التي قادها الأسير "محمود العارضة".

لم يكن الكلام في ختام الخطاب عن تمسك الحركة بثوابتها في النضال من أجل "وحدة قوى المقاومة في فلسطين والمنطقة، والتمسك بحقنا في فلسطين كل فلسطين، وأن المقاومة هي خيارنا حتى النصر، والرفض الدائم لكل مشاريع السلام والتطبيع مع العدو" سوى تأكيد المؤكد على نهج / برنامج الحركة السياسي والكفاحي.

اللافت في كلام القائد الفلسطيني إعلانه / دعوته – للتمسك بالثوابت – بـ" ضرورة مواجهة دوريات الاحتلال التي تتسلل إلى المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس، وتقتل وتعتقل من تشاء من أبناء شعبنا ومقاوميه، معتبرين أبناء شعبنا كقطيع نعاج، تصطاد منه الذئاب الصهيونية فريستها وقتما تشاء". هنا، أحد المحاور الأهم في برنامج "وحدة العمل النضالي" التي عرضها الأمين العام في سياق خطابه، وأهمية هذه المهمة، تكمن في ضرورة أن يتم التصدي والاشتباك، بالسلاح، وبكل الأدوات والأساليب مع وحدات القتل الصهيونية. إن هذا النهج الثوري سيصطدم لا محالة، بنهج أخر، نقيضه، يعمل على الأرض بالتنسيق مع الغزاة على وقف المقاومة المشروعة – يصفها بالإرهاب - لشعب تحت الاحتلال.

خاتمة
 لقد أضافت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين للنضال الفلسطيني في مواجهة الغزاة المحتلين، ثقلاً كمياً، وبُعداً نوعياً، ساهم في تطوير أشكال وأساليب الكفاح المسلح، وبتقديم رؤى فكرية وسياسية، وإبراز قامات فدائية "شهداء وأسرى" يفتخر بهم الشعب والأمة. إنه "عام الشهداء، عام الإصرار والتحدي، عام استدامة الصراع الذي لن يتوقف مهما حشدوا، ومهما راكموا من أسلحة"، كما أجاد وصفه الأمين العام للحركة. إن حركة تعلن على لسان قائدها "إما نحن وإما هم في هذه الأرض المباركة" جديرةٌ بالتأييد، والاحترام، والانتصار، لأننا، نحن من سيبقى على أرض وطننا، وطن الآباء والأجداد.

*كاتب فلسطيني

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت