(برتقال يافا) قصة جميلة تربوية موجهة للأطفال، بنكهة برتقال يافا الحزين.

بقلم: ديمة السمان

صورة ديمة السمان
  • ديمة جمعة السّمان

حرصت الكاتبة التربوية د. روز اليوسف شعبان في قصتها برتقال يافا الصادرة عن دار الهدى.ع. زحالقة، على وصف الأسرة الفلسطينية الجميلة المترابطة، التي حرصت أن يكون للجد الدور التربوي والوطني؛ ليكون القدوة الحسنة للأسرة. كانت أسرة وطنية بامتياز، حافظت على تاريخها النضالي والتراثي، وتمسكت بأرضها ووطنها، لم تضعف أمام العدوان الإسرائيلي الذي استهدف الأرض والانسان.

كما أن تعلّق الحفيدين بالجد وشعورهما بالحزن على أبيهما؛ لأنه حرم من جده ومن الاستمتاع بصحبته تؤكد على أهمية وجود الجد في حياة الأحفاد، والعكس صحيح.

وقد أعجبني رد الوالد الذي يحمل في طياته الأمل، والنظر دوما إلى نصف الكأس الملآن. اعترف أنه خسر الجد، ولكنه أضاف أنه رغم ذلك لا زال محظوظا لان أباه لا زال على قيد الحياة، ولأنهم لا يزالون يعملون في تجارة البرتقال التي ورثوها عن الأجداد، وهذه لفتة جميلة ذكية من الكاتبة.

كانت دمعة الجد سليم تحكي ماضيا مريرا مرّ به الشّعب الفلسطيني إثر النكبة عام 1948م. وقد مرّرت الكاتبة عبر صفحات القصّة بعض من أحداث النّكبة ومعاناة الشّعب الفلسطيني وخسارته لبياراته وأملاكه، وإلى تدمير السّفن التي كانت تحمل أجود أنواع البرتقال بهدف التّصدير.

وتحدثت عن لجوء العائلة المؤقت لبيروت هربا من العدوان الإسرائيلي، والتسلل من جديد بصعوبة بالغة للعودة إلى مدينتهم يافا بعد بضعة شهور.

تناولت القصة بعض الاحصاءات، وتحدثت عن أنواع البرتقال المختلفة: الشموطي وأبو صرة وغيرها. كلها كانت معلومات مفيدة للطّفل، أغنت معرفته ومفرداته.

صورة روز شعبان

كانت فكرة الدبوس الذّهبي على شكل حبة برتقالة الشّموطي موفقة جدا، فقد كان "الدبوس" رمزا للصمود والبقاء والتحدي، وارتبط بالكوفية، إذ كان الجد الأكبر يضع الدبوس على كوفيته كعلامة تجارية، تعرّف التجار فور وصوله موانىء البلدان المختلفة التي يصدر لها البرتقال بأن البرتقال اليافاوي عالي الجودة قد وصل، وقد تمسك الجد بالدبوس وحافظ عليه، حتى بعد أن فقده أثناء الهروب الى لبنان، وجده أحد العمال وأعاده للجد الأكبر، فقد كان الدبوس معروفا لكل عمال الموانىء.

هنا، عودة الدبوس كان إشارة تحمل معنى ودلالة جميلة تحمل الأمل والتفاؤل، مريحة للطفل، تشعره بالأمان، وبأن الوطن سيعود لأهله مهما طال الزمن.

كانت معظم أجواء القصة تحمل رائحة البحر بكل ما يحمل من عمق وإباء وكبرياء، إلا أن النّفس كان حزينا جدا يثقل على الأطفال. إذ أنني لاحظت أن الكاتبة أسرفت في جرعات الحزن التي قدّمتها للطفل، ممّا يعكس حالة من القلق وعدم الشعور بالأمان عنده وذلك من خلال التالي:

-كان يجلس الجد سليم على الشاطئ حزينا يمسح دموعه، يجتر الماضي وأحداث نكبة عام 1948. مع العلم أن العائلة لا زالت تسكن مدينتهم يافا، فقد عادوا إليها بعد أن وصلوا بيروت، ولم يصبحوا لاجئين كآخرين ممن لم يحالفهم الحظ بالعودة إلى وطنهم!

رأيت أن في ذلك مبالغة لا داعي لها. فلو كانوا يجلسون على شاطئ بحر بيروت في الشتات، ربما كانت هذه المشاعر مبررة.

- أصيب الجد الأكبر بنوبة قلبية بعد عودته من بيروت عندما خسر تجارته. شعرت أنها كانت قاسية على الطفل ومحبطة، فكان من الممكن أن تكون هناك كلمات مشجعة فيها أمل استرداد ما خسروا من بضائع، فيكفي أنهم عادوا إلى وطنهم أحياء. عليهم أن يجتهدوا من جديد ليعيدوا عز الماضي.

- عادت العائلة من شاطئ البحر بعد قضائهم وقتا ممتعا ليجدوا منزل الجد سليم قد تعرض للسرقة، ولم يكترث الجد للفوضى التي عمت المنزل من اللصوص، ولكن كان همه الوحيد الا يفقد الدبوس "الرمز". وتفاجأت حينما خرج ابنه عابس الوجه يعلن عن فقد الدبوس، فسقط الجد مغشيا عليه.

كيف ممكن للدبوس أن يضيع، وهو " الرمز" الذي بنيت عليه القصة! بضياع الدبوس فقد الأمل باسترجاع الوطن.

تمنيت لو أن القصّة انتهت بأن أحد أفراد العائلة يهتف سعيدا بأنه وجد الدبوس، ويفضل أن يكون من الأحفاد. فتكون دلالة بأن الأحفاد هم سيحملون الراية بعد الآباء والأجداد، ويمضون قدما يدافعون عن وطنهم إلى حين استرجاعه.

من المفضل دوما أن تنتهي قصص الأطفال نهايات سعيدة، كي لا تترك أثرا سلبيا عليهم بعد الانتهاء من القصة.

على الرغم من أن السرد كان طويلا، إلا أن اللغة كانت جميلة، والصور الأدبية موفقة جدا، كما أن القصة تزخر بالمعلومات القيمة التي تزيد من معرفة الطفل بوطنه.

إخراج القصة موفق جدا، وقد أبدعت الفنانة مريم الرفاعي برسوماتها التي رافقت أحداث القصة، وزادتها جمالا.

غلاف برتقال يافا

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت