الانتخابات الفلسطينية الإلكترونية (1)

بقلم: عصام عدوان

عصام عدوان
  • د. عصام عدوان
  • 14/10/2021م

التعريف

يمكن تعريف الانتخابات الإلكترونية عبر الإنترنت (المعروف أيضًا باسم الانتخابات الرقمية) بأنها: الأنظمة التي يتم فيها الحصول على الأصوات أو الإدلاء بالأصوات أو فرز الأصوات في الانتخابات والاستفتاءات السياسية باستخدام تطبيقات رقمية خاصة واتصال جهاز شخصي بالإنترنت وبدون مراكز اقتراع. وهذا النوع يوفر للمسؤولين عن الانتخابات أقل قدر من التحكم وأكبر إمكانية للوصول والراحة للناخبين.

دول كثيرة في العالم طبّقت أنظمة انتخاب إلكترونية عبر الإنترنت، بشكل جزئي، منها: أستونيا، أستراليا، أرمينيا، فرنسا، باكستان، بنما، (هذه الدول الأربع الأخيرة تقصر الانتخاب عبر الإنترنت لمن يعيشون خارج بلدهم)، المكسيك، نيوزيلاندا، عُمان، روسيا، الإمارات العربية المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، كندا (انتخابات بلدية فقط)، النمسا، سويسرا، بلجيكا، وغيرها.

تجربة أستونيا

لقد كانت تجربة دولة أستونيا (على بحر البلطيق) هي الأولى في هذا المجال حيث بدأت في تنفيذ انتخاب عبر الإنترنت منذ عام 2005 وبشكل جزئي محدود ومكمِّل للاقتراع عبر الصناديق، لكنها توسّعت في هذا المجال تدريجياً، وقد أصدرت لهذا الغرض بطاقة هوية إلكترونية ذات توقيع رقمي تحمل (ID) للشخص، وتمنح كل شخص بريد إلكتروني يحمل نطاق الدولة (@eesti.ee) لأجل الاستخدامات الرسمية التي تتواصل فيها الدولة مع المواطن في أستونيا، وفي عام 2019م أدلى حوالي 43% من الناخبين بأصواتهم للانتخابات البرلمانية، وحوالي 47% للبرلمان الأوروبي، كان معظمهم من المقيمن في الخارج، وقد أجيز للفرد التصويت حتى ثلاث مرات خلال الفترة الممنوحة للتصويت، على أنه لن يُحسَب سوى الانتخاب الأخير فقط.

لغة العصر

جاءت الانتخابات الرقمية منسجمة مع روح العصر الذي بدأت تغزوه الرقمنة في كل شيء تقريباً، فهناك تعليم إلكتروني، وبنوك، وبورصة، وجوازات سفر، وبطاقات شراء وتنقُّل، وجميعها إلكترونية في كثير من دول العالم، وكطبيعة كل تطور، فإنه يبدأ بسيطاً وقليلاً ثم يتطور حتى يسود ويصبح هو السمت الغالب على حياة الناس.

الانتخابات عبر الصناديق

يعتبر تحدي عدم الكشف عن الهوية، من أهم ما تعالجه الانتخابات التقليدية عبر صناديق الاقتراع، فيجب أن يكون تصويتك مجهول الهوية تماماً، فلا يتمكن أحد من معرفة لمن صوتَّ، وهذا ما يجعل المصوِّت آمناً وبعيداً عن التهديد أو الرشوة. كما يجب توفُّر الثقة المطلقة والشفافة، ليتأكد للنظام الانتخابي أن صوتك محسوب بشكل آمِن ودقيق، وهذا يتم بوجود أشخاص يحرسون الصناديق ويمثلون الجهات المتنافسة ويتأكدون من إجراءات أمان الصناديق، إذ لا يمكن الوثوق بشخص واحد، فقد يكون فاسداً أو تحت التهديد أو غير كفء أو الثلاثة معاً، ورغم سرية عملية الانتخاب إلا إنه يمكن تحديد هوية الناخب إذا أمرت المحكمة بذلك، وأحياناً يتم الكشف عن هوية الناخبين جرّاء تورُّط بعض أعضاء المحكمة في فساد.

وهكذا فالاقتراع عبر صناديق الاقتراع ليس مثالياً بما يكفي، لكن التهديدات التي يتعرض لها قليلة، وأصبحت عمليات تهديد صناديق الاقتراع عبر الزمن معروفة ويمكن الاحتياط لها، وكلما زادت الأوراق التي تحتاج إلى تغيير، زاد عدد الأشخاص الذين تحتاج للتأثير عليهم، وكلما زاد الوقت والمال الذي تستغرقه، كلما قلَّت سرية واحتمالية إخفاء محاولات العبث القليلة، فمن بين آلاف صناديق الاقتراع لا يمكن التأثير إلا على عدد قليل منها لايؤثر بشكل واضح في النتائج، من مثل محاولات التأثير على تصويت كبار السن أو العَجَزَة من خلال وكلائهم. إن أحد أوجه عزوف الحكومات عن الانتخابات الرقمية يتمثل في خشيتها من فقد السيطرة على أداة التحكّم في الانتخابات، ولاسيما في الدول النامية وذات الطبيعة الديكتاتورية.

الانتخاب عبر الإنترنت

أما التصويت الإلكتروني، فالمشكلة الأولى التي تواجهه هي مدى الوثوق في البرنامج الإلكتروني، فضلاً عن عدم دراية أعداد كبيرة من الناخبين ببرامج القرصنة وتطبيقات الفيروس وحصان طروادة التي تخترق أجهزتهم دون علمهم، والتي يمكن أن تشكِّل خطراً على تصويتهم في أيام التصويت حيث يسهل على المخترقين اختراقهم والتأثير على تصويتهم أو إلغائه أو منعه من الوصول، خصوصاً إذا أشرفت على عمليات الاختراق حكومة "وطنية" أو حكومات (ولاسيما إسرائيل) تهدف إلى عدم تمكين الفلسطينيين من اختيار ممثليهم بشكل حقيقي.

إن كان أكبر تشكيك في جدوى الانتخابات عبر الإنترنت هو احتمالية التأثير عليها من القراصنة والمتلاعبين، فإن أكبر سلبية في انتخابات صناديق الاقتراع في ظل الاحتلال هو منع العملية الانتخابية من أساسها كما حصل مؤخراً في القدس، أو تدخله في مصادرة الصناديق أو منع الناخبين من الوصول إليها، أو سرقة الجهات الحاكمة للصناديق أو تبديلها أو إتلافها تحسباً لاحتمالات الخسارة، الأمر الذي يجعل الانتخابات عبر الإنترنت متقدِّمة كثيراً على انتخابات الصناديق.

الحاجة الفلسطينية

وبالتأكيد فإن أيّاً من تلك الدول لم تكن بحاجة ماسة لهذا النوع من الانتخابات كاحتياج الشعب الفلسطيني، وإن كان دافعهم هو التقدّم العلمي والتقني والحرص على راحة المواطنين وتسهيل عملية الاقتراع لهم وتوفير تكاليف الاقتراع، فإن الحاجة والضرورة توجبان هذا النوع من الانتخاب للشعب الفلسطيني بسبب تبعثره في معظم دول العالم، وهو ظرف فريد لم تتعرض له دولة أخرى ليُقاس عليها.

لقد واجه الشعب الفلسطيني صعوبات حقيقية وذات تأثير بالغ على مسار قضيته جرّاء عدم القدرة على إجراء انتخابات في أماكن تواجده. لم تكن التقنيات تسمح ولا الأفكار متوفرة قبل خمسين سنة مثلاً، على العكس من اليوم، فقد أصبح بالإمكان تجاوُز تلك الصعوبات وتنفيذ انتخابات عبر الإنترنت لا تحتاج لموافقة الدول المضيفة للفلسطينيين، ولا تخضع لسيطرة أحد.

لم تسنح فرصة سابقة لمنظمة التحرير الفلسطينية من أن تكون مؤسسة ديمقراطية كما اليوم، فإن خلت تشريعاتها من أي تنظيم لانتخابات فلسطينية على أي مستوى، ولم تعمل على تكوين سجل انتخابي شامل لكل الشعب الفلسطيني، ولم تقم من قبل بأية انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، فإنه أصبح بمقدورها اليوم معالجة كل هذه الأمور عبر التشريع للانتخابات الإلكترونية عبر الإنترنت، وتكوين سجل انتخابي إلكتروني للشعب الفلسطيني أينما كان، وتطبيقها. وهو أمر مطروح بين يدي قيادات ومفكري وفنيي وهيئات الشعب الفلسطيني لمعاونة منظمة التحرير الفلسطينية في إيجاد الطريقة الأمثل التي تتغلب بها على العراقيل الجيوسياسية التي كبَّلت الشعب الفلسطيني منذ النكبة.

تأمين مخاطر الانتخابات الإلكترونية عبر الإنترنت:

يجب أن تفرز كل مجموعة انتخابية أو حزب أو فصيل، خبيراً في البرمجة لفحص البرنامج الانتخابي الإلكتروني قبل العمل، مع تطبيق تجريبي له، ومراقبته أثناء العمل، لضمان ألا يكون في برمجته ما يحوِّل انتخابات الأفراد إلى جهة محددة، أو القيام بعملية انتقائية تلقائية توجِّه 20% مثلاً من عملية انتخاب في بلدٍ ما لتصب لصالح فصيل محدد. يجب على الخبراء فحص البرمجة بعناية فائقة والاستعانة بخبراء دوليين موثوقين. كما يجب فحص السيرفرات التي يتم التحميل عليها، لضمان عدم اختراقها من الدول المالكة لها خدمة لطرف فلسطيني أو تفويتاً على الشعب الفلسطيني خياراته لصالح إسرائيل. ومع ذلك تُعتبر عملية الانتخاب عبر الإنترنت هي الأكثر وصولاً للناخبين في كل مكان، وهذا ما يلائم بالضبط حاجة وطبيعة الوجود الفلسطيني المنتشر على غير العادة في أكثر من 170 دولة، فإن إدراج التصويت عبر الإنترنت يعد من العوامل المشجعة على زيادة نسبة المشاركين في الاقتراعات ولاسيما من فئة الشباب والأجيال الأقل ارتباطاً بفلسطين بسبب البعد الجغرافي والاختلاط الثقافي.

آفاق

إن البحث عن سبل وتقنيات لمنع القرصنة وتأمين الناخبين وتسهيل ترشيحات المرشحين، يجب أن يكون هو الشغل الشاغل للقيادة الفلسطينية من أجل تحقيق أمنية شعبنا في وحدة القرار ووحدة المصير عبر تمكينه من اختيار ممثليه بكل شفافية ومصداقية واقتدار، وإن أحد الوسائل الممكنة لتصعيب العمليات السيبرانية هو اعتماد أكثر من برنامج انتخابي إلكتروني، بحيث يُطبَّق كل واحد في إقليم معيّن، مع قابلية أن تصب كل هذه البرامج في قاعدة بيانات واحدة لفرز النتائج. وقد يكون الانتخاب اللامركزي هو أفضل طريقة للتغلب على محاولات التدخل الخارجية التي اعتادت عليها عديد الدول في الشأن الفلسطيني.

يمكن تطبيق آلية الانتخاب الإلكتروني عبر الإنترنت في تصويت أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني على القرارات حيث يصعب اجتماعهم تحت قبة واحدة، وقد يحتاج أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني لذات الآلية. يتبع رقم (2)

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت