- جهاد حرب
اتفهم هروب القضاء الفلسطيني، مع كومة التحفظات على التشريعات التدخلية للسلطة التنفيذية في الجهاز القضائي وعظم الخشية من فشل الإصلاح في الجهاز القضائي، من البت في المرسوم الرئاسي القاضي بتأجيل الانتخابات التشريعية (تأجيل بطعم الإلغاء أو الإعدام الأبدي للعملية الديمقراطية) بوصفه قرارا سياديا.
وبغض النظر عن هذا الهروب، فالقرار السيادي هو بالضرورة قرار سياسي أي مبني على سلطة تقديرية ممنوحة بموجب القانون نصا أو روحا، وفي العادة يحتاج إلى تبرير منطقي يقنع المواطنين أو المعنيين بالقرار، ويحتوي على مصلحة عامة أو هو مصمم للمصلحة العامة وتقتضيه كذلك.
وبالتالي النقاش في هذه الحالة يتضمن أسئلة مشروعة حول الفعل السياسي والفواعل السياسيين وأثرها في المعارضة كما في الموالاة، وكلاهما اليوم عاجزين عن إقناع الشارع الفلسطيني بتوجهاتهم والتي بات يتوجس منها خوفا منهم، ومن أطماعهم في الحكم وفي الاستيلاء على السلطة لصالح الحزب كما هو الأمر في قطاع غزة، أو الطبقة "الحفنة" الحاكمة من متنفذين كما هو الأمر في الضفة الغربية.
هذا النقاش يغيب في ظل توهان الحركات الاجتماعية في مطالبها المتعددة والمتناقضة في جوانبها وفي مساراتها وفي منطلقاتها أحيانا، وفي ظل غياب قيادات طليعية تؤطر العمل العام وتخلق حالة انسجام بين التناقضات؛ بجمع ديالكتيكي بين الحكمة والتروي وبين المبادرة والاندفاع، لتؤسس لفعل وطني ثوري (الانتقال من الواقع الحالي السيء إلى وضع أفضل) وشعبي قادر على إحداث التغيير في حالة البلاد، والاندفاع نحو تأسيس كتلة وطنية وازنة.
إن الوصول بالحركات الاجتماعية والتنظيمات السياسية إلى كتلة فاعلة يحتاج إلى التخلص من الفردانية المتحكمة في قادة هذه الحركات والفصائل السياسية، أي من الصراع على فراء الدب قبل اصطياده من جهة، والاتفاق على قواسم مشتركة للبرنامج السياسي ووسائل النضال السلمي في عملية التغيير المطلوبة وفق هذه الحركات أو القوائم أو المجموعات عبر منصات حوار تفاعلي يؤطر وينظم عملية التحول من مجموعات متشرذمة إلى كتل صلبة، ويساعد على تقوية القواسم المشتركة ويضعف مساحات الخلاف من جهة ثانية.
لا يمكن التغاضي اليوم عن المسائل الاجتماعية المتعددة ونظرة الأطراف المختلفة لها؛ فهي عنصر هام في بنية أي تحالف وفي الرؤية للنظام السياسي ومكوناته ومساحات العمل الديموقراطي، وفي تكوين نموذج وطني واجتماعي مختلف عن البنية الثقافية للمتحكمين في النظام السياسي والمهيمنين عليه.
وفي ظني أن المشكلة اليوم ليست في القرارات السيادية والسلطة التقديرية، التي لا تحتكم الى اقناع، لدى الجهات المهيمنة أو المختطفة للحكم بقدر العجز السياسي للقوى الاجتماعية الغائبة منذ عقد ونيف في الساحة الفلسطينية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت